في يوم الجمعة 8 اكتوبر 2010 ألقى الملك محمد السادس خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة الاولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الثامنة
بداية استهل الملك خطابه السامي بالتاكيد على ارادة جلالته الحازمة في التجاوب العميق مع تطلعات شبابنا وطموحاتهم والفئات والجهات المعوزة والشعب المغربي الوفي وذلك لإعطاء دفعة قوية للدينامية الإصلاحية، الهادفة لاستكمال بناء النموذج التنموي المغربي المتميز.
وقدد حدد الهدف الأسمى من هذه الدينامية الاصلاحية التنموية الشاملة، وهي توطيد تقدم البلاد، وصيانة وحدتها، وضمان المزيد من مقومات العيش الكريم للمواطنين، بمنجزات تنموية; اكانت مشاريع كبرى ومتوسطة وصغرى; اعتبارا لخدمة كل منها للوطن والمواطنين.
ثم وضع جلالته لتحقيق هذا الهدف الاسمى منهجية للعمل مبنية على اساس سياسة القرب والمشاركة، القائمة على تعبئة كل الطاقات، وإطلاق شتى المبادرات، والتفعيل الأمثل لكل المجالس المنتخبة، التي يتبوأ فيها البرلمان مكانة الصدارة.
ومن اجل تحقيق وتفعيل سياسة القرب والمشاركة المؤدية الى تحقيق الهدف الاسمى للدينامية الاصلاحية لنموذج المغرب التنموي المتميز ارسل الخطاب السامي عدة رسائل واشارات قوية للسلطات الثلاثة : السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية معتمدا على تجديد المفهوم الجديد للسلطة الذي اطلقه الملك في اكتوبر عام 1999 بحيث نبّه الجميع الى ان المفهوم الجديد للسلطة لم يكن مجرد مقولة للاستهلاك ولا مجرد اجراء ظرفي لمرحلة عابرة
وانما هو – يؤكد الملك- مذهب في الحكم ساري المفعول ، ولا يقتصر على الادارة الترابية فقط وانما يشمل كل سلطات الدولة واجهزتها تنفيذية اكانت او تشريعية او قضائية.
اما الرسائل السياسية والاشارات القوية التي وجهها الخطاب السامي :
اولا - رسالة سامية الى السلطة التشريعية : لقد تساءل الملك في خطابه السامي قائلا :" إلى أي مدى ينهض البرلمان بدوره كاملا، كرافعة ديمقراطية لنموذجنا التنموي ؟
بحيث اعتبر الملك في خطابه السامي ان الحصيلة التشريعية الإيجابية; لم تصل بعد الى مستوى طموح الملك وطموح الشعب المغربي وذلك بالارتقاء بمجلسي النواب والمستشارين، مؤسسة وأعضاء، ليكونا في صلب الدينامية الإصلاحية التنموية التي يعرفها المغرب.
1- ضرورة تحسين اداء البرلمان : وذكّر الملك بما قاله في اول خطاب سامي امام المؤسسة البرلمانية بالتأكيد على أن تحسين أداء البرلمان، يقوم على اعتبار مجلسيه برلمانا واحدا بغرفتين، وليس برلمانين منفصلي، .وهو ما يتطلب من الأحزاب والفرق النيابية، الأخذ بحكامة برلمانية جيدة، عمادها التشبع بثقافة سياسية جديدة، وممارسة نيابية ناجعة، قائمة على تعزيز حضور الأعضاء، وجودة أعمالهم، ومستوى إسهامهم، في معالجة الانشغالات الحقيقية للشعب.
ولهذه الغاية، فقد جدّد الملك التأكيد على وجوب عقلنة الأداء النيابي، بالانطلاق من تجانس النظامين الداخليين للمجلسين، والنهوض بدورهما، في انسجام وتكامل، كمؤسسة واحدة.
وذلكم من اجل تحقيق هدف جودة القوانين، والمراقبة الفعالة، والنقاش البناء، للقضايا الوطنية; وخصوصا منها الحكامة الترابية، وتحصين وتعزيز الآليات الديمقراطية والتنموية.
2- عضوية البرلمان امانة وليس امتياز : اما الرسالة السامية للنواب البرلمانيين فقد كانت واضحة ومؤثرة، ومذكّرة للناسين من النواب وممثلي الامة بأن عضوية البرلمان ليست امتيازا شخصيا، بقدر ما هي أمانة; تقتضي الانكباب الجاد، بكل مسؤولية والتزام، على إيجاد حلول واقعية، للقضايا الملحة للشعب.
إنها بالأسبقية قضايا التعليم النافع، والسكن اللائق، والتغطية الصحية، والبيئة السليمة، وتحفيز الاستثمار، المدر لفرص الشغل، والتنمية البشرية والمستدامة.
ولهذه الغاية، يؤكّد الملك بانه يتعين ترسيخ علاقات تعاون إيجابي، بين الجهازين التشريعي والتنفيذي، وبين أغلبية متضامنة، ومعارضة بناءة، في نطاق الاحترام المتبادل، والالتزام المشترك بأحكام الدستور، وبالقيم الديمقراطية، وحرمة المؤسسات، والمصالح العليا للوطن.
3- ضرورة تعاون البرلمان والحكومة في ظل الاكراهات الحالية:
في ظرفية مشحونة بتداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، وسياق وطني مطبوع بإصلاحات عميقة; فقد اوصى الملك في خطابه السامي البرلمانيين بالانخراط القوي في بلورتها، بتشريعات متقدمة، ومراقبة ناجعة.
وذلك بالتحلي بروح المسؤولية، والتعاون المثمر مع الحكومة، لإيجاد حلول ناجعة، للمعادلة الصعبة، لضرورة الحفاظ على التوازنات الأساسية ودينامية التنمية، في ظل إكراهات محدودية الإمكانات، وللاضافة بخصوص محدودية الامكانات المالية بالمغرب واحيانا الاختلالات في التدبير الحكومي فقد لجأت الحكومة الحالية الى الدين الخارجي وتم الموافقة على قرضها مبلغ مليار دولار في شكل سندات، وللاشارة فان صندوق المقاصة يستنزف نسبة كبيرة من ميزانية الدولة ، كما ان صندوق التقاعد بحاجة كبيرة واستثنائية للتدبير الحكومي الاستعجالي قبل ان يعرف الافلاس في السنوات القادمة في افق 2019.
من جهة اخرى اعتبر الخطاب السامي ان مشروع القانون المالي لحظة قوية في تكريس العمل البرلماني الفعال. مؤكدا ان الامر لا يتعلق بالمناقشة والتصويت، على مجرد موازنة حسابات وأرقام; بل بالتجسيد الملموس للاختيارات والبرامج التنموية الكبرى للبلاد.
3- ضرورة تفعيل الدبلوماسية البرلمانية دفاعا عن مقترح الحكم الذاتي:
ذكّر الملك الجميع بمدى الاهمية الاستراتيجية للدفاع عن مغربية الصحراء، بحيث يتطلب من الجميع التحرك الفعال والموصول، في كافة الجبهات والمحافل، المحلية والجهوية والدولية، لإحباط المناورات اليائسة لخصوم وحدتنا الترابية و.اوصى الملك النواب البرلمانيين إذكاء التعبئة الشعبية الشاملة، واتخاذ المبادرات البناءة، لكسب المزيد من الدعم لمقترح الحكم الذاتي; وذلك في إطار دبلوماسية برلمانية وحزبية، متناسقة ومتكاملة مع العمل الناجع للدبلوماسية الحكومية.
ثانيا - رسالة سامية الى السلطة القضائية : ذكّر الخطاب السامي ان القضاء مؤتمن على سمو دستور المملكة، وسيادة قوانينها، وحماية حقوق والتزامات المواطنة.
وفي هذا الصدد، ألحّ الملك على أن حسن تنفيذ مخطط الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، والذي لا ينحصر فقط في عمل الحكومة والبرلمان;وإنما هو رهين، أساسا، بالأداء المسؤول للقضاة.
و بارادة ملكية حازمة من اجل تجديد تفعيل مبادرة المفهوم الجديد للسلطة، الهادف لحسن تدبير الشأن العام، فقد قرّر الملك التأسيس لمفهوم جديد لإصلاح العدالة، ألا وهو "القضاء في خدمة المواطن".وذلك من اجل تحقيق قيام عدالة متميزة بقربها من المتقاضين، وببساطة مساطرها وسرعتها، ونزاهة أحكامها، وحداثة هياكلها، وكفاءة وتجرد قضاتها، وتحفيزها للتنمية، والتزامها بسيادة القانون، في إحقاق الحقوق ورفع المظالم.
واخيرا ، ختم الملك خطابه السامي بتنبيه النواب البرلمانيين بأن عليهم استشعار أن حصيلة عملهم الفردية والحزبية، سيتم تقييمها، في نهاية انتدابهم، على أساس ما تم تحقيقه من إنجازات تنموية ملموسة.
لان ذلك هو السبيل القويم، لاستعادة العمل السياسي والبرلماني لنبله، وللأحزاب اعتبارها، للنهوض بدورها الدستوري، في الإسهام في حسن تأطير وتمثيل المواطنين، وإعداد النخب المؤهلة لتدبير الشأن العام، وكذا التربية على المواطنة المتشبعة، بالغيرة على مقدسات الأمة، والالتزام بقضاياها ومصالحها العليا.
التعليقات (0)