استطاع الامازيغ نفض الغبار عن قضيتهم فشمروا على سواعدهم للدود عنها و إنقاذها من طول الطمس و الإقبار و الموت البطيء الذي نخر درجة الوعي لدى أبنائها بشكل مهول منذ نهاية القرن الماضي بالخصوص، و الذي عرف حراكا أمازيغيا لم نشهد له مثيلا في مسيرة النضال الامازيغي مع دورة الجامعة الصيفية بأكادير سنة 1991 مرورا بمحطات أخرى مماثلة لا تقل أهمية من نظيرتها.
و هكذا أضحت الامازيغية منذئذ قضية حقوقية وأرضية إيديولوجية و فكرية ساهمت في وضعها أطياف و توجهات متنوعة نتج عنها تعدد زوايا النظر و المواقف داخل التيار الامازيغي مما ضاعف من وتيرة النقاشات و الحوارات بين الفعاليات الامازيغية المختلفة.وضع أدى في جانبه الايجابي إلى تعميق النقاش و بناء تصورات و اكتساب خبرات و تجارب قيمة في العمل النضالي.و في المقابل،أدى ذلك إلى نوع من المذهبية و"تشرذم" الصوت الامازيغي وصعوبة بل استحالة التكتل الفعلي لخلق قوة ضاغطة و فاعلة داخل المؤسسات الرسمية الوطنية.
عموما،يمكن التمييز في المواقف التي تتناول الامازيغية في علاقتها بالمؤسسة الرسمية أو الدولة بين موقفين أساسين:
1 موقف الممانعة: و هو الموقف الذي يرى مستقبل الامازيغية في إبقاء الحركة الامازيغية قوة جماهيرية و جبهة سياسية شعبية تعتمد نشر الوعي الامازيغي و تأطير المواطنين و تحسيسهم بشمولية المطالب الامازيغية و تتخذ من ضغط الشارع وسيلة لإيصال مطالبها و التعريف بأجندتها بعيدا عن كل إخضاع قسري للدولة و الذي يتم من خلال العمل الحزبي المدجن و المميع مما يهدد صلب القضية حسب هؤلاء. و إن كان من الجدير بالإشارة إلى أن التغيير الذي ينشده الامازيغ من تيار الممانعة بعيد المنال في تقديرنا بحكم العمل في "حالة شرود" رسمية و في ظل افتقار الامازيغية إلى كثير من المؤهلات التي أنتجها سياسة تحامل الدولة و تهاون أبنائها و بالتالي حاجتها إلى مؤسسات أكاديمية رسمية تضمن البحث و التنقيب في كنوزها
2 موقف الموالاة :و هو موقف يرى في التعامل مع أجهزة الدولة مرحلة متطورة من النضال و سبيلا إلى السمو و الرقي بالامازيغية و يشكك هؤلاء في تهديد المؤسسة الرسمية للقضية كما يراه الموقف الأول.موقف يرى ضرورة مواكبة التغيرات و الظروف .هذا التعامل سواء كان من داخل إطارات سياسية صرفة تتحكم في توجيه القرارات الرسمية أو من خلال جمعيات حيث وجب أن نشير إلى أن داخل هذا التيار هناك أصوات تدعو إلى الاكتفاء بالانتقال من العمل الجمعوي الثقافي الذي ساد طوال عدة سنوات إلى العمل الجمعوي السياسي.و داخل هذا التوجه يختلف من يدعو إلى الانخراط داخل الإطارات السياسية الموجودة سلفا و محاولة التغيير من الداخل،و من يدعو إلى تأسيس هيئات سياسية ذات "مرجعية أمازيغية" لان الأحزاب القائمة يستحيل لي عنقها عن الوفاء لأيديولوجيات نعرف موقفها من كل ما هو أمازيغي.
و بين الموقفين الأول و الثاني،يظل الصوت الامازيغي دون ما تطمح إليه الجماهير من فعالية و قوة و حسم،لتظل مسألة التنظيم في معناها الشامل ضرورة ملحة و أكثر من أي وقت مضى حتى يستطيع الامازيغ لم شملهم الفكري و الإيديولوجي بشكل يقبل الاختلاف و يتعايش معه،بعيدا عن كل الحسابات الضيقة أو المواقف المتحجرة التي تضيع بها حقوق الهوية و الثقافة واللغة الامازيغية،تنظيم عصري و قوي يستطيع إقناع المناضل الامازيغي عبر ربوع الوطن بنبل أهدافه و حقيقة سعيه و حزمه في بلوغها بكل أمانة و صدق و مسؤولية ،تنظيم يستطيع الضغط على دوائر القرار الرسمية التي لايزال أغلبها يتعامل مع الامازيغية بنوع من الارتجالية المقيتة و ينظر إليها بشيء من الدونية و الازدراء رغم إقرار الدستور الجديد.
التعليقات (0)