مواضيع اليوم

الخروف يرتاح من التفكير بعد أن قرر التحول إلى خنزبر

حسن توفيق

2009-04-17 17:22:21

0

الخروف يرتاح من التفكير.. بعد أن قرر التحول إلي خنزير

 من مقامات مجنون العرب

عاد المجنون من جولته الحزينة.. بعد أن زلزلت مأمآت الخروف ما كان في قلبه
من سكينة.. وهكذا أسند يده على الخد.. متفكرا فيما رآه من مظالم دون حد..
وفجأة دق جرس الباب بعنف.. فقام ليفتح لمن تصوَّر أنه ضيف.. وإذا به يجد
الخروف أمامه.. وهو يرتعش مما يتخيل أنه يوم القيامة.. ودخل الخروف البيت على
الفور.. غير مصدق أنه قد نجا من النحر.. أما المجنون فقد قام بواجبات
الضيافة.. بينما كان يسأل الخروف عما أخافه.. ويحاول أن يبعد عنه القلق.. لأنه
لا يجلب لصاحبه إلا الأرق.


= قل لي أيها الخروف المسكين.. يا من نجوت من السكين.. ماذا تحب الآن أن
ترتشف.. حتى لا تظل هكذا ترتجف.. عندي أنواع مختلفة من العصير.. وعندي شراب
الشعير.. ومن الممكن ان أعد لك فنجانا من القهوة.. يغمرك بعد شربه
بالنشوة.. أما أنا فأحب شرب الشاي بالنعناع.. وعندي منه عدة أنواع.


- هل تظن يا مجنون أني أشرب هذه الأشياء؟.. أنا وإخواني لا نشرب غير
الماء.. ونحن لا نطمع أبدا في سواه.. لأن الماء جوهر الحياة.. أما أنتم فلا
تقنعون.. ودائما أراكم تطمعون.. فمنكم من يشرب الخمور.. ويتصور إنها تجعله في
غاية الإنشراح والسرور.. ومنكم من يشرب الحشيش والأفيون.. لكي ينسى ما كان
وما قد يكون.. وباختصار شديد.. أنتم لا تقنعون بما يفيد.. بل تطمعون حتى
فيما تعرفون أنه قد يبيد.


=  أيها الخروف عليك بالاحتراس.. فأنت الآن تهاجم كل الناس.. حاول أن تكون
دبلوماسيا في اللغة.. وأن تعبر عما تقوله بأشكال مراوغة.


- أنا أعرف الباطل كما أعرف الحق.. لكني لا أحب غير الصدق.


= الصدق يكلفك حياتك.. فإذا كنت تريد نجاتك.. فما عليك إلا بالكذب
والبهتان.. وبهذا تنجو من قبضة الطغيان.. وتضمن ألا يتمزق جسمك بالأنياب
وبالأسنان.. وعليك أيضا أيها الخروف أن تتمسكن.. وتظل هكذا إلى أن تتمكن.. ويمكنك
أيضا أن تتعلم من الحرباء.. حيث تتلوَّن دون إبطاء.


فجأة تكدر مزاج الخروف وتعكر.. عندما تخيل أنه يسمع أسداً يزأر.. والحقيقة
أنه لم يكن هناك أسد.. بل لم يكن مع المجنون والخروف أحد.. وكل ما في
الأمر أن الموبيل كان يرنّ.. وهو يتحرك كالنحلة حين تطنّ.. لقد تلقى المجنون
رسالة.. فانطلق ليقرأها في عجالة.. وإذا بالرسالة من الشاعر محمد بن خليفة
العطية.. يطالب فيها المجنون بنحر الضحية:


«أيها المجنونُ ما جدوى القضية
بعد أن تقضي علي الكبش المنية
إنما كبشكَ قربانٌُ طليقٌُ
فاشحذ السكينَ وانحره هدية
وَدَعِ اللغو مع الكبش فإنَّ
اللغوَ لا يمنع أقدارَ الضحية»


قال الخروف للمجنون بعد أن قرأ ما قرأ.. أرجوك ألا تخفي عني ما تلقيته من
نبأ.. أرجوك أن تخبرني بما في الرسالة من مضمون.. حتي لا تعصرني أفاعي
الظنون.. ولأن المجنون يحب الصدق.. ولا يقول غير الحق.. فإنه لم يتهرب من
المسؤولية.. وقال للخروف إن الرسالة تحريضية.. وإنها موجهة ضده هو بالذات..
وتطالب بتحويل جسده إلى فتات.
أحس المجنون بقدر من الحرج.. بعد أن أخذ الخروف ينشج ويتشنج.. وهو يقول
بصوت محزون.. وماذا أنت فاعل بي يا مجنون؟.. إني سأعترف لك طول العمر
بالفضل.. إذا أعفيتني من النحر والقتل.. ألا يكفي أن صديقك الشاعر.. قد ارتكب ضد
إخواني المجازر.. كأني أشهد الآن ما يدور.. دماؤنا تسيل بينما يتجمع
الأولاد حولنا في فرح وسرور:
حشودٌُ من خرافٍ في الليالي
تساقُ إلى المجازر بالحبالِ
رماها النحر للجزار ظلماً
وما مِنْ منقذٍ شهمٍ يُبالي
وهَمَّتْ بالسكاكين الأيادي
لمعركةٍ تدور بلا قتالِ
فصرتُ إذا تَمشَّى الناسُ قربي
تزاحمت الوساوسُ في خيالي


أوشك المجنون على البكاء.. بعد أن استمع إلي أبيات رثاء.. يقولها خروف
مسكين.. نجا من بطش السكاكين.. لكنه يشعر بالأسى والحزن.. على ما جرى لإخوانه
الذين أصبحوا لحوم ضأن.. يستمتع بأكلها معظم أعضاء مجلس الأمن.. وبعد أن
طال تفكير الخروف.. تجاه ما يواجهه من ظروف.. ارتاح أخيرا إلى قرار.. يتكفل
بأن يعيد للونه الأزدهار.. وهنا قال الخروف للمجنون.. أنا أعرف أن الناس
هنا مسلمون.. لهذا أرجو أن تساعدني في أن أتحول من خروف إلى خنزير.. لأرتاح
من عناء التفكير.. وإن كنت لا أضمن في المستقبل.. ألا أصاب في مقتل.. وبعد
أن تم للخروف  ما شاء.. نظر إليه المجنون باستياء.. وقال له عليك الآن
أن تغادر البيت.. دون ان يصدر منك أي صوت.. ودون أن تحتج لأحد.. وإلا
قدمتك طعاما سائغا للأسد!




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !