مواضيع اليوم

الخروف يتحول لطاغية ..والمجنون يهدد بإلقائه فى هاوية !

حسن توفيق

2009-04-19 00:39:34

0

الخــــروف يتحـــول لطــاغـيـة ..والمجنون يهدد بإلقائه في هاوية

 من مقامات مجنون العرب

هذه المقامة مهداة لمن يتجولون على هذه الضفاف .. ضفاف نهر إيلاف ..وسواهم ممن يقولون : نحن لا نخاف..

وأخص بالذكر الذين تابعوا تفاصيلها السابقة : خروف يؤكد للمجنون أنه ضحية - ومجلس الأمن قد ينظر فى القضية

.. الخروف يرتاح من التفكير- بعد أن قرر التحول إلى خنزير. و ..الخروف يتحول إلى بقرة - ولم يعد أحد يقتفى أثره ..

                                      أما الآن فسنكتشف كيف ولماذا تحول الخروف إلى طاغية



تجلى الخروف للهندوس في هيئة بقرة.. وجلس متمددا تحت ظل أقدم شجرة.. وبعد
أن كانت تلاحقه السكاكين.. أصبح يتلقى الهدايا والقرابين.. من الناس الذين
يتقربون إليه.. ويسعون لأن تكون لهم حظوة لديه.. أو يباركهم بنظرة من
عينيه.. وتجمعت حوله حشود من المشعوذين.. وجموع من أصحاب المصالح والمنتفعين..
وأخذ الفقراء يركعون أمامه بخشوع.. ويوقدون أنواعا متنوعة من الشموع.. وقد
ترقرقت من مآقيهم الدموع.


بعد أن اطمأن الخروف أن أحداً لن يجرؤ على أن يقتفي أثره.. منذ أن تجلى
على يد المارد في هيئة بقرة.. أخذت طبيعته تتغير.. وبدأ يتكبر ويتجبر.. بل
إنه أخذ يرفض بعض القرابين.. بحجة أنه لم يعجب بأصحابها المساكين.. أو أن
ملابسهم تبدو رثة وممزقة.. أو لأن توسلاتهم إليه ليست منمقة.. وظل الخروف
سعيدا بما وصل إليه الحال.. خصوصا بعد أن تكدست حوله الأموال.. لكن تفكيره
في المستقبل.. وخشيته من أن يصاب في مقتل.. أو أن يتعرض لمحاولة اغتيال..
أو للنصب والاحتيال.. كلها أمور جعلته يحتاط ويتدبر.. ويمعن في التفكير
أكثر وأكثر.. وهكذا طلب من بعض أفراد الحاشية.. أن يسافروا سرا إلى أحد
البلدان النائية.. لكي يضعوا أمواله في بنوكها.. ويعودوا إليه بمستنداتها
وصكوكها.. ولكي يتم الأمر بمنتهى السرية.. اقترح الخروف وضع الأموال في البنوك
السويسرية.. بشرط أن ترسل إليه الفوائد.. لكي يقيم بها أفخر الموائد.. لمن
يتجمعون حوله من المشعوذين.. وبعض أصحاب المصالح والمنتفعين.. ولا بأس من
إطعام بعض المساكين.. خصوصا ممن يتقربون إليه بأغلى القرابين.. وتذكر
الخروف - وهو يضحك - قول أحد الشعراء.. ممن أكدوا أن البسطاء.. هم أنفسهم
الذين يصنعون ما يلاقونه من بلاء.. لأنهم دائما يؤلهون الحكام.. حتى لو حكموا
عليهم جميعا بالإعدام.. كما أنهم لا يثورون ضد الظلم.. وهذا ما يجعله
يزداد يوما بعد يوم:

يسكتُ الخانعُ الذليلَ فيَعْرَى
ويطول السكوتُ دهراً فدهَرا
فتظل الشفاهُ تلعقُ طيناً
ويذوقُ الجياعُ بؤساً وقهرَا
بينما تلهو طغمةٌ في الليالي
بمصير الشعوبِ ظلماً وعهرَا
«كل قومٍ خالقو نيرونِهمْ
قيصرٌ قيل له أم قيل كسرَى»

هكذا تحوَّلَ الخروف إلى طاغية.. وأصبح ينظر نظرة متعالية.. إلى أنواع
عديدة من الحيوانات.. وإلى الخرفان بالذات.. كأنه يريد أن ينسى أصله القديم..
وكيف أنه كاد يواجه مصيره الأليم.. عندما حاول محمد بن خليفة العطية.. أن
يجعله ضحية.. وأن يقدمه لضيوفه وليمةً شهية.. وعندما رآه مستر «سيمون» جار
المجنون.. فتصور أنه خنزير بالشحم مسكون.. وأن جسمه السمين.. يصلح وليمة
لأصدقائه المسيحيين.
كان لا بد أن يتصل المجنون.. بهذا الخروف الذي تحول إلى طاغية ملعون..
ونسي ما كان ينتمي إليه في الأصل.. وتصوَر إنه قد نجا تماماً من القتل.. بعد
أن تجلى للهندوس.. بقرةً تقام لها الطقوس.. وتتلقى ما تتلقى من قرابين..
وتستنشق البخور والفل والياسمين.. وبالفعل فإن المجنون اتصل بالخروف.. لكي
يضع أمامه النقاط على الحروف:
 آلو.. ماذا تفعل أيها الخروف؟
- من أنت يا من تكلمني.. يبدو أنك واحد يريد أن يزعجني!
 أنا المجنون.. أنسيتَ صوتي أيها الملعون؟
- أؤكد لك يا مجنون الآن.. إني لستُ خروفاً من الخرفان.. وإن كنت أعترف
بأني كنت كذلك أيام زمان.
=  وما الذي حَوَّلك من خروف إلى طاغية؟
- بمجرد أن رآني الناس بقرةً زاهية.. ركعوا أمامي في أقل من ثانية.. ولا
تنسَ أني أعمل بنصيحتك الغالية.. ألم تقل لي أنت.. وبأعلى ما لديك من صوت..
لا بد أن أتمسكن.. حتى أتمكن؟
=   ولماذا أصبحتَ تتنكر لأصلك؟
.- هذا ليس من شغلك!
= لا تجعلني أتهمك بالخسة والوضاعة.. بعد أن كنتَ في غاية الوداعة.
- وأنا لن أسمح لمجنون مثلك أن يتبجح.. وإلى متى سأظل أشرح.. دون أن
تستوعب ما أقول.. عن إذنك فعندي الآن جولة تفقدية للحقول.


اغتاظ المجنون بشدة.. عندما أغلق الخروف السماعة بحدة.. ولما استبد
بالمجنون الغضب.. حاول أن يهديء نفسه بأكل عنقود من العنب.. متمنيا لو كان قد
ترك الخروف يروح ضحية.. على يد صديقه محمد بن خليفة العطية.. أو على يد جاره
الذي يدين بالمسيحية.
قام المجنون باستدعاء المارد من القمقم.. فوقف أمامه يتمتم ويغمغم..
وخيَّره المجنون بين أحد اقتراحين.. إما أن يأتيه بالخروف في غمضة عين.. لكي
يحوله بنفسه إلى كفتة وكباب.. وإما أن يهدده بأقسى عقاب.. بعد أن تحول من
خروف إلى طاغية.. ينظر لمن حوله نظرة متألهة متباهية.. وحين تساءل المارد عن
نوع العقاب.. قال له المجنون: سأريه العجب العجاب.. وإذا كان قد تجلى
للهندوس في هيئة بقرة.. ويظن أن أحدا لن يقتفي أثره.. وإذا كان قد أصبح
طاغية.. فإني سأهدده بإلقائه في هاوية.. إذهب الآن أيها المارد إليه.. ولا تُلق
السلام عليه.. وإنما عليك أن تحمل له مرض «جنون البقر».. حتى لا يبقى منه
أي أثر.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !