مواضيع اليوم

الخروف يتجلى فى هيئة بقرة .. ولم يعد أحد يقتفى أثره

حسن توفيق

2009-04-18 16:03:48

0

الخروف يتجلى في هيئة بقرة.. ولم يعد أحد يقتفي أثره 

 من مقامات مجنون العرب

نجا الخروف من السكاكين والسواطير.. بعد أن استطاع التحول إلى خنزير.. لكن
فرحته بنجاته لم تدم أكثر من ساعة.. حيث عاد لبيت المجنون بروح مرتاعة..
وخفقات قلب ملتاعة.. من فرط ما استبد به من هلع.. بعد أن نظر له أحد جيران
المجنون نظرةَ طمع.. وحاول أن يربطه بحبل متين.. بعد أن تصوَّرَ الجار أنه
أمام خنزير سمين.. وأنه من الممكن تحويله إلى وليمة شهية.. يدعو لها
أصدقاءه الذين يدينون بالمسيحية.


على الفور ضحك المجنون.. وهو يحاول أن يبعد عن الخروف عاصفة الظنون.. رغم
أنه أدرك أن الأمر خطير.. لأن جاره «مستر سيمون» ممن يأكلون لحم الخنزير..
وظل المجنون ينظر بإشفاق للخروف.. لأنه يتعاطف مع الضعفاء في كل الظروف..
وتأكد المجنون أن الخروف.. بعد أن تغير شكله المألوف.. أصبح «كالمستجير من
الرمضاء بالنار».. وأن الأمر لم يعد سرا من الأسرار.. فقد نجا الخروف من
محاولات محمد بن خليفة العطية.. لأن يجعل من جسده ضحية.. وها هو «مستر
سيمون» يريد أن يقدمه وليمة شهية.. منذ أن أصبحت ملامحه خنزيرية.


قدم المجنون للخروف بعض الأفكار.. بينما كانا مندمجين في الحوار.. وكان من
بين المقترحات المقدمة.. أن يهرب الخروف بصورة غامضة ومبهمة.. أو أن يرسل
رسالة.. دون استفاضة أو إطالة.. إلى بعض القانونيين.. بشرط ألا يكونوا من
المسلمين.. وألا يكونوا كذلك من المسيحيين.. وقد وافق الخروف على الاقتراح
الأخير.. وأصبح لابد من حسن التدبير.. حيث سجل الخروف رسالة صوتية مؤثرة..
وراعى أن تكون مأمآتها واضحة ومعبرة.. وعلى الفور أرسل المجنون الرسالة
لأحد أصدقائه الهندوس.. بشكل مرتب ومدروس.


لم يتمكن أحد في الهند.. من القيام بالرد.. على رسالة السيد الخروف.. رغم
أنه شرح فيها ما يواجهه من ظروف.. ولا يرجع السبب إلى كسل الإداريين.. وما
يتقيدون به عادة من روتين.. وإنما لأن الرسالة تضمنت مأمآت متداخلة..
ولهذا لم يستطع أحد ترجمتها ترجمة متكاملة.. خصوصاً أن مجموعة كبيرة من
المأمآت.. لم يكن من السهل ترجمتها إلى كلمات.. توضح ما فيها من المعاني
والدلالات.. ولم يقبل المترجمون هناك باللجوء إلى تخمينات.. قد توقعهم في
متاهات.. وتضارب في التفسيرات.. مثلما يحدث أحياناً في قرارات مجلس الأمن.. من
تلاعب وسوء ظن.. حيث تتحول كلمة «الأرض» إلى «أرض».. وتتحول «القُبلة» إلى
«عض».. و«المقاومة» إلى «إرهاب».. و«تلاقي الأصحاب والأحباب».. إلى «مؤامرة
تحاك داخل سرداب».


ضاق الخروف بأوجاع الانتظار.. فقرر أن يلجأ للانتحار.. لكن المجنون وبخه
بعنف.. وهدده بحرمانه من حق الضيف.. وقال له بوضوح وجلاء.. إن الانتحار
وسيلة الجبناء.. حين يضيقون بما يتحملون من الأعباء.. وبينما كان المجنون
يتحدث.. دون أن يتهمل أو يتريث.. سقط من يده القمقم النحاس.. فارتعب الخروف
واحتبست فيه الأنفاس.. بعد أن خرج المارد من القمقم.. وأخذ يتمتم.. وبالطبع
فإن المجنون لم يتلعثم.. بل إنه أصدر للمارد أمراً.. وطلب منه أن يقوم
بتنفيذه فوراً.


=  أرجو أن تُحوِّل هذا الخنزير إلى بقرة.. حتى لا يستطيع أحد أن يقتفي
أثره.
- هذا أمر سهل.. لكنا لو رجعنا للأصل.. سنجد أن الخنزير الذي يبدو أمامي..
كان خروفا خاف من مصيره الدامي.. بعد أن توعده صديقك محمد بن خليفة
العطية.. بأن يحوّل جسمه إلى ضحية.. ولم ينقذه من هذا المصير.. إلا تحوله إلى
خنزير.. إلى أن واجهه جارك «سيمون» بتهديد خطير.. والآن فإني أسألك لماذا
طلبت ما طلبت.. رغم أنك قد كذبت؟

=  لم أكن أعرف أنك تعرف!
- لا تكذب مرة أخرى.. وإلا فلن ألبي لك أمراً.. وعلى أي حال فإني الآن..
سأجعل هذا الذي ينتمي للخرفان.. يتجلى في هيئة بقرة.. حتى لا يقتفي صديقك
الشاعر أثره.. وسأحمله دون أي جهد.. وأتركه على ضفة نهر السند.. في بلاد
الهند.
=  هذه فكرة جميلة.. وعليك بتنفيذها بما لديك من حيلة.


بعد أن تم التحول من حال إلى حال.. ولم تعد هناك مخاطر أو أهوال.. اتفق
الجميع على عدم إفشاء السر.. وهذا ما نفذوه على الفور.. وكانت البداية عندما
رن التليفون.. في بيت المجنون.. وكان المتكلم هو الشاعر محمد بن خليفة
العطية.. يسأل: هل تم نحر الضحية.. فأنكر المجنون احتضانه لأي خروف.. في أي
ظرف من الظروف.. وقال بصوت هادىء وماكر.. وهو يرد على صديقه الشاعر:


عاش الخروفُ  فأُحرجَ  الجزارُ
وتذبذبتْ  في  البورصة  الأسعارُ
فاهربْ - فديتُكَ - من خروفٍ جامحٍ
يرعى..  وقد خُدِعَتْ  به الأبصارُ
إن الطريقَ  إلى الخروف  محيِّرُ ُ
وهو الذي  تحلو  له  الأسفارُ
حيناً هو الخنزيرُ يجتازُ المدى
وتراه  - حيناً -  أهلُه   أبقارُ
والأرضُ تشهد للخروفِ بأنه
متيقظُ ُ..   وقرونُه   إصرارُ
هو في المراعي يرتوي من نبعها
يحمي  خطاه  الماردُ  الجبارُ
وبقلبه  شوقُ ُ إلى  دنيا  بلا
قتلٍ.. وليسَ  يسوسُها إعصارُ
ويبثُّ  للمجنون  مأمأة الهوى
إن عطرتْ  أنفاسَه  الأزهارُ
ويقول: إن ضمائر الناس اكتستْ
صدأ   وإنَّ  قلوبهم  أحجارُ
ما للعطية  يقتفي  أثراً  لمنْ
غابت  رؤاه ولم  يعدْ يحتارُ
ويظل يبحث عن خروفٍ قد نأى
في عالمٍ..  سقطتْ به الأسوارُ
إن الخروفَ  وقد نجا متخفياً
تحميه  أشجارُ  ُ لها  أسرارُ




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !