قبل أن أتحدث عن تأثرنا بالخديعة الصهيونية لا بد وان أبين بأنه ليس كل من تمدحه إسرائيل أو تشتمه يكون عدوا لها والعكس أيضا فليس كل من تحاربه هو بالضرورة صديقا تحاول منحه ثقة العرب والمسلمين بل هي استراتيجية عامة تقوم عليها الدعاية الصهيونية فمثلا إسرائيل حاولت تسريب أخبار عديدة على أنها راضية عن النظام السوري وأنها لا تريد تغيره وان تل أبيب ترتاح لوجود بشار الأسد في السلطة ولكنها تريده ضعيفا وهذا التسريب هو مثال عما نقصده بكلامنا هذا لان إسرائيل بتسريباتها هذه تريد الإيحاء للمستمع – المغفل – بأنها تؤيد دمشق بينما هي في الحقيقة تعتبر نظام دمشق عدوا لها بعدما صمد في وجه كل الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية لدفعه نحو التفاوض بشروط تل أبيب وتلك قصة أخرى سنشرحها قريبا والأمر ينطبق أيضا على المقاومة في فلسطين الإسلامية وغير الإسلامية فهناك من فسر حديثي في بدايته حول الخديعة الصهيونية بأنها على المطلق وهذا خطأ بل إن القاعدة العامة للاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على أساس مدح العدو وشتم الصديق ولكل قاعدة شواذ . وهذا يتطلب بحث دقيق وعرض الأمور على الواقع وأقول الواقع كما هو وليس كما نريده نحن .
نعود الآن إلى دعم أمريكا والغرب المسيحي للوجود الإسرائيلي فهذا الدعم منبثق في الأساس من عقيدة القيامة في المسيحية التي ملخصها : ينزل المسيح ( الإله الابن ) إلى جو الأرض أو إلى السحاب فينجذب نحوه المؤمنون به أينما كانوا ثم تأتي نار فتحرق اليهود في فلسطين نصفهم أو ثلثيهم أو شيئا من ذلك فيؤمن الباقون منهم بالمسيح ويؤمن كل البشرية ، فينزل المسيح إلى القدس ليحكم منها الدنيا ألف سنة يسود فيها السلام والوئام وتزول الحرب والشرور ثم يبعث الله الموتى كلهم من قبورهم للدينونة حيث يحاسبهم المسيح فيدخل من يستحق العقاب منهم إلى جهنم ويدخل من يستحق الثواب إلى الجنة ويدخل من هو وسط بينهما إلى المطهر ( للبروتستانت موقف حيادي من المطهر ) إذاً المسيحيون وخاصة البروتستانت يريدون بناء على هذه العقيدة وجودا يهوديا في فلسطين لتأتي النار وتحرق قسما منهم أو أكثرهم ثم لتتم بقية أحداث الدينونة .. لذلك نرى أن وعد بلفور لا يتكلم عن دولة يهودية وانما عن وطن قومي لليهود في فلسطين مع عدم المساس بحقوق السكان وقد الغي وعد بلفور عام 1939 م بالكتاب الأبيض الذي يقول بمملكة فلسطين بكل من فيها على أن يكون الملك مسلما عربيا ثم عدل هذا البند بعد ذلك فصار الملك مسلما غير عربي ورشح لهذا المنصب محمود شكيب سنة 1948م ابن عم السلطان عبد الحميد ولكن روسيا رفضت هذا الحل وفرضت التقسيم وكذلك رفضه الفلسطينيون . فالغرب وعلى رأسه أمريكا إنما يدعم الآن وجود اسرائيل لتحقيق النبوءة ولهذا يرفض توسعها ويرفض فكرة اسرائيل الكبرى ، ولو كان عكس ذلك فبماذا نفسر رفض الغرب وعلى رأسهم امريكا لفكرة اسرائيل الكبرى ،
ولكن لابد هنا وان ندرك أن الأمور تداخلت بسبب تطورات الواقع والأحداث الجارية في المنطقة إذ ليس بالضرورة أن يتم الأمر كما تريده نبوءات الغرب أو اسرائيل فالطرف الآخر يضع الخطط ويباشر بتنفيذها ولكن ليس من الضروري نجاح هذه المخططات كما يريد هو لان تصرفات الطرف الأخر لا يستطيع احد التنبوء بها ولكن فيما يخص العرب والمسلمون عليهم أن يفقهوا الواقع كي يستطيعوا الامساك بزمام الأمور أو على الأقل مجريات الأحداث ويتصرفوا على ضوء تلك المخططات الصهيونية .
د. رشيد بن محمد الطوخي
التعليقات (0)