الحرص على الشيء هو ما يجعل الإنسان تعيساً ، رغم أن سبب حرصه ذاك هو أن يكونَ أو أن يظلَّ سعيداً .. !
فالحرص على بقاء المال هو ما يجعل من صاحبه تعيسا ، لأنه سيصبح بخيلا لاينفق ماله ذاك -رغم كثرته - على أكل صحي وجيد ، وهو ما يجعله يصدأ بالأدران والأسقام رغم قدرته على توفير كل المستلزمات الكفيلة بتنصيع جلدته وبدنه ...
وحرص الرجل على أن تظل زوجته معه أو تحبه دوماً ، ولاتلتفت لغيره من الناس حتى أهلها ومحارمها ، هو ما يجعله يحسب عليها جميع حركاتها وسكناتها ، ويقيدها بغيرة جنونية تنفرها منه ، وتجعله يسقط من عينيها ، لأنه فقد ثقته بها ، والثقة هي قنديل علاقتهما الذي يجعل من أجوائها مُضيئة رغم العواصف ، وإذا ما أنطفأ يحل الظلام وتستحيل الحياة بينهما ...
وحرص الأب أو الأم على أن تكون إبنتهما مستقيمة بالمفهوم الأفلاطوني ، أو أن يكون إبنهما متفوقا على حساب أوقات ترفيهه ، وتقييدهما ببرامج صعبة ومُرهقة وتكلُّفية ، هو ما يجعل الأبناء يتمردون على تلك القوانين الأبوية المُجحفة والمبنية على أنقاض الطفولة المسحوقة تحت أقدامهم ...
وحرص العامل أو الموضف الذي إرتقى مراتب عليا في مقر عمله ، أو أنه يوشك على الترقية وهوحريصٌ على نيلها ، هو ما يجعله يخسر زملائه الذين يستعمل أخبارهم وحالاتهم داخل أروقة مؤسسة عمله ورقة لكسب رؤسائه الذين يحجبون الثقة عنه لبيعه زملائه لهم...
وبالعودة إلى الوراء وإلى بدايات الخلق نجد أن حرص أبينا آدم عليه السلام على البقاء في الجنة هو سبب خروجه منها ، لأن عدوه أخبره أنه بتناوله للفاكهة المحرمة سيُمنح الخلود ، ولو كانت رغبته في ذلك الخلود قليلة لما تناول الثمر...
فلماذا يكون الإنسان حريصاً على البقاء في درجة هو حيٌ بدون بلوغها سعيدا وبكرامته ؟ أو لماذا يكون حريصاً على أن يظل سعيداً وهويعلم أن حياته مزيجٌ بين دمعة وابتسامة ؟ .. وذلك المزيج من الأفراح والأحزان هو ما يجعله يتحمل الألم مهما كان صادماً وقوياً ، ويعيش الفرح بنفسٍ مُطمئنة غيرُ مُبالِغة في تضخيم حجم الفرحة ، لعلمه أن دوام حالٍ من المُحال .
تاج الديـــن : 10 - 2009
التعليقات (0)