مواضيع اليوم

الحيوان بين ثقافتين

حنان بكير

2010-09-26 16:56:32

0

الحيوان بين ثقافتين


كنت لمّا أزل حديثة العهد في بلاد الفايكنغ، ولم تغادرني بعد الدهشة الأولى.. فهذه العوالم الأسطورية لم نكن لنراها، الا في بطاقات المعايدة في فترة عيد الميلاد... مشهد البيوت الخشبية الغارقة في الثلوج، والاشجار التي تجللت واختبأت في البياض الذي محا كل الالوان من الطبيعة..
كان يومي حافلا، ورشة عمل استهلكت نهارا كاملا. القاعة الكبيرة احتوتنا من جنسيات والوان ولغات وثقافات مختلفة، وبأزياء وطنية متباينة. ما أثارني هو التركيز على الفروقات الثقافية، فيما انبريت ابحث عن المشترك بين هذه الثقافات المتباعدة والتي اختارت النرويج ملاذا لها..
عدت مساء الى البيت، كانت حاجتي لفنجان قهوة امام وجاق النار كبيرة ومثيرة.. ارقب ألسنة اللهب تتراقص ولا تجرؤ على مغادرة مكانها.. ومن واجهة زجاجية كبيرة في غرفة الجلوس ، أرقب كيف تحولت الحديقة الى بستان ثلوج، وأغصان شجرات التفاح تنقر نقرا متقطعا على زجاج نافذتي كلما هبت الريح..
هاتفي الجوّال يعلن استلامي رسالة.. أخذت الهاتف بكسل وبلادة.. " ماما.. انا تعبانة جدا فقد عملت طوال النهار، ومضطرة ان اعمل ليلا، كل ما أحلم به هو الاسترخاء في سريري، أين انت الآن؟" انها رسالة من ابنتي.. " انا في البيت احتسي قهوتي واسترخي امام وجاق النار!" أجبتها.
مرة ثانية يعلن جوالي وصول رسالة. قرأتها، فانتفضت مذعورة كمن لسعتني أفعى.. غادرني التعب، وهجرني النعاس الذي كان قد بدأ بالتسلل الى عيني... أعدت قراءة الرسالة، علّني اكون قد اخطأت في القراءة.. لا القراءة صحيحة.. م م م.. اسرعت الى اكبر قاموس لدي، أعلل النفس بايجاد خطأ ما، لا فقد فهمت الرسالة جيدا.. ألا يمكن ات تكون الرسالة قد وصلتني عن طريق الخطأ.. أعدت قراءتها.. انها من ابنتي !!
تلك الليلة لم اعرف النوم، قضيت الليل أجوب البيت طولا وعرضا ، صعودا وهبوطا بين الطابقين.. ولا اتوقف عن التفكير، برسالة من كلمتين قد أخذتني الى حالة شبه هستيرية! هل يعقل ان تخاطبني ابنتي الصغرى ودلوعتي بمثل هذه الالفاظ!! فقد كانت رسالتها فقط " هيلدي غريس" اي " خنزيرة محظوظة"، الم تجد اجمل من صورة الخنزير لتشبهني بها؟
في الرابعة صباحا حضرت ابنتي منهكة، واستغر بت بقائي مستيقظة ومتوترة.. أفهمتني ان هذا تعبير نرويجي شائع، وكثير الاستعمال في الحالات التي نغبط اصحابنا على حظ او نجاح يصيبونه، ولا يحمل اي معنى للاهانة ! عقدنا حوارا مطولا، حول الفروقات الثقافية مجددا !
قالت لي، ان ثقافتي تمارس ازدواجية في المعايير! صفاتنا الجمالية نستعيره من الحيوانات.. ألا نقول ان عيونها جميلة كعيون المها؟ والمها حيوان.. الا نقول انها رشيقة كالغزال، اليس الغزال حيوانا؟ وطويلة الرقبة كالزرافة.. جميلة كالطاووس.. ونشبه الاصوات الجميلة بصوت الكروان والبلبل.. وحتى صفاتنا الجميلة هي مستمدة من الحيوان.. ألا نقول في تشبيهاتنا انه نشيط كالحصان، ووفي كالكلب، وصبور كالجمل، وقوي كالأسد، ويعمل بكد كالحمار، وانه في صراعه عنيد كالتيس؟ فاذا كانت كل صفاتنا الجسدية والنفسية، نستمدها من الحيوانات، فلماذا نغضب ونثور ونعتبرها اهانة، اذا ما قيل لنا يا حيوان؟؟ شهقت ودهشت كيف كبرت تلك الصغيرة في غفلة مني، واصبحت تعطيني دروسا في اختلاف الثقافات؟؟

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !