الحياة مشقة ..
الحياة.. الحياة.. تكر أيامها تصبح زمنا، مساحة من الوقت، يسمى العمر، عمر كل منا، مفروض علينا ولا خيار.. لكن كيف نعيشها؟ كيف نتعامل مع أنفسنا ومع غيرنا؟ ذاك هو خيارنا دون أدنى شك.
رتابة الحياة أهم صعوباتها، تترجمها دقات الساعات في كل مكان، في كل ساعة تعلن انقضاء زمن ما من عمر الحياة، وكذلك دقات القلوب تعلن انتهاء زمن ما من عمر الأحياء. نتغالب معها، تغلبنا ونغلبها، حين تغلبنا لا تكسرنا تقوي عودنا فنغلبها ونثبت لها اننا ما زلنا هنا.. بجدية نتجاوز محطاتها بتجربة وراء أخرى نتفوق على ما أنجزنا في المحطات السابقة بهذا وحده نخلق لأنفسنا معنى رائعا هو التجديد، الذي هو أساس استمرارية الحياة.
معاناة أخرى، أنه لا مجال لاستدراك ما فات، فهي تسير باتجاه واحد نحو هدف واحد، ضمن خط سير جامد، لا تنتظر أحداً، لا تهتم بمن تأخر، بمن وقع، بمن تخاذل، حولنا آلاف مؤلفة من البشر، كل منهم استعد لمواجهتها بأسلوبه الخاص حسب قدراته وعمق خلفياته من تربية وتعلم وتجارب، تتضح في اختلاف المشارب، وتضارب المصالح، قد تسمع الأقوال تصل عنان السماء والأفعال لا ترتفع عن الأرض بوصة واحدة.
كل شيء يؤكد أنه ليس من السهل أن تكون الفضائل قاعدة للسلوك، ومن يتساءل عنها يكون متخلفاً ورجعياً ويتهم بأنه متآمر يشد الركب للخلف فيذعن.
المعاناة الكبرى هي لغة التفاهم، لم تعد تحمل دلائل كونها القاسم المشترك بين الجميع، فكما تختلف اللهجات من بلد لآخر بل من مدينة لأخرى أصبحت لغة التفاهم مختلفة، حتى ليخيل إليك أن المرء لم يعد بقادر على أن يتفاهم مع نفسه قبل أن يروضها على قبول اللغة الجديدة، كل هذا فرض العزلة بات كل منا يشعر أنه مستوحد حتى العظم فهل اعترف أحد منا أنه انسحب الى قوقعته الخاصة بدل أن يبحث عن أسبابها وكيفية الخلاص منها؟
لقد أصبح العبء يقع على وسائل الإعلام، أصبحت دون جدال مصدر المعرفة ومعين الثقافة، من حيث الحياة الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسة، فإذا ما اعترفنا أنها لا تقوم بمهمتها خير قيام من جهة واعترفنا كذلك أننا نقرأ ونشاهد ونسمع بنصف نظر ونصف سمع من جهة أخرى أدركنا التردي الذي يحصل يوماً بعد يوم لنا، نضوب في المعرفة وضحالة في الفكر.
لقد وجد الحل في التمادي في تجاهل حاجتنا الماسة الى الحياة الاجتماعية السليمة ونفيها والاكتفاء بأن نتشارك جميعاً في جوانب عامة كثيرة نقرأ الجرائد ذاتها ونشاهد البرامج التلفزيونية بأقنيتها المتعددة وبالطريقة العشوائية ذاتها وكذلك بالنسبة للإذاعة. لقد تجاهلنا عن قصد أو عن دون قصد أعماق مشاعرنا، تركناها معطلة معرضة للضمور، فكان لا بد من الشعور القاتل بالوحدة والاغتراب، ولا بد من تعمق شعورنا بعدم الرضا من أنفسنا بعدم نفعنا لأنفسنا ولغيرنا. في لحظات الوعي التي تأتينا لا محالة بين فينة وأخرى نصرخ طالبين العون للخلاص من خواء أنفسنا القاتل. فلا نجد من مجيب. لم يعد هناك من أحد يهمه هذا الأمر.
التعليقات (0)