الحياة بلا جوال أحلى …
بقلم الاستاذ :عمر عبد الرحمن نمر العطا صيدي
من الباب أو الشباك ..اخرج …
من الآهات التي افتعلها الزمن ……
من نرجس الأحلام ..
من قبر الخلود ..
ضرب من الجنون ..أن لا ..تخرج ..وضرب من الجنون أن تخرج وتكتب :-
جلست في مقهى مرآب السيارات في جنين …طلبت من النادل فنجان قهوة … احترت في درجة حلاوته...أنا في الطابق الثاني من المقهى ..بجانب الجدار الزجاجي …
سمائي دخان أزرق من ألاعيب الاراغيل اللعينة ، ورائحة المكان مبخرة برائحة التفاح ..والفراولة ..و…..
السيارات جاثمة …تنتظر ركابها ..كعاشقات ..ساهرات …بائع القهوة المتجول …يطقطق بفناجينه، وباعة خضار يدللون على بضائعهم …ناس في الشوارع ..سبحان الخالق ..الذي صوّر ، فنوّع الصور وعدّدها ..كل له شكل مميز ..، وسحنة مميزة ، وعقلية مميزة ..ليتكامل الكون …وها هم يسيرون في الشوارع …يجوبونها ..شوارع جنين …
هذا يحمل حقيبة ملونة …يبدو أنه مسافرٌ إلى الشرق ..أو إلى الغرب ..طالباً رزقه ..ويضع هاتفه الخليوي على أذنه اليسرى ..ويتحدث ما عساه يقول ؟؟
- ربما... وربما ..مجرد ما أنهي ..سوف أعود ..بالسلامة . وذاك ..يضحك ..يقهقه ويحمل جواله على أذنه اليسرى ويتحدث :
شراب…شراب…أحسن من الكبسول ..شراب …حلو ..حامض..شراب شو ..إن شا الله ..
وتلك : أنا في جنين ..وتنقل الهاتف من اليسرى إلى اليمنى ..أنا في جنين ..سآخذ أول تاكسي ..انتظروني …
وذاك الطفل ..منفوش الشعر ..لامعه ..يبدو أنه صبغه (بالجل) أكثر من اللازم ..يرفع الجوال عن أذنه اليسرى ..يشتم ويزبد ..ويرغي ..يبدو أن المكالمة لم تنته بعد…
ربما أقفل الرقيب صنبور المكالمات …لعدم تسديد فاتورة …وربما انتهى تصريح الحديث العددي ..لأن الكرت انتهى ..وربما ..وربما ..يلعن أبو أحسن بطارية …الشحن انتهى ..
وينتبه لذلك صاحب بسطة …مدد فيها ..أقراصاً من السكاكر ..ومظاريف تحفظ الهويات فيها …ومظاريف أخرى لحفظ الهواتف …ومسابح وخراخيش وإكسسوارات... وكومة صغيرة من التتن الجاف الرطب …ينتبه صاحب البسطة لصاحب الشعر المنفوش بالجل …- بدك بيت بلفون…
-لا ..
- رخيص …
لا أدري هل أشترى أم لم يشتر …هل تمت الصفقة أم لا ..لأنني في تلك اللحظة انتشلت قلمي من جيبي الأيسر وحملته بين أصابع اليد اليمنى وبدأت أكتب ….
كيف كنا نعيش بلا بلفونات؟…- سألت نفسي ….
كنا عايشين - أجبت …
كيف كانت عيشتنا ؟…- حلوة … فيها هداة بال ..والاتصالات بيننا …كانت تجري بدون بلفونات…
كيف؟
بقرون استشعار المحبة …برعشات قلبية …تتناغم مع الندى الجميل ، الذي يطايره النسيم العليل …
كنا أقرب من بعضنا بعضاً …فكفانا هذا القرب مؤونة اتصال خليوي …كنا نرى التلفون فاكهة للبرجوازية والتجار والأغنياء وأصحاب المصالح العليا..
كنا نمشي في الشارع فلا نرى …إلا أيادٍ ترتفع لتسلم …وشفاه تتمتم لترد ..تحول السنة الى فريضة وتردها …وأخرى تبتسم …وأيادٍ تصافح …وأخرى تعانق ..وشفاه تقبّل …
ما أروع تلك الأيام …
بلا جوال ..الحياة أحلى …
نصيحة :ارم جوالك ...وشوف كيف الله رح يهدي بالك
مع تحياتي عوني ظاهر
التعليقات (0)