مواضيع اليوم

الحوا الاسلامي المسيحي بين نظرتين

الحسين وافق

2010-06-01 09:23:50

0


النظرتان اللتان نريد بسطهما في هذا المقال تخصان شخصيتين ألمانيتين ءاحداهما تتمتع بمكانة مرموقة في عالم السياسة واللاهوت المسيحي ونقصد بها البابا بينيدكت16 .والثانية لمستشرق على درجة ممتازة من الثقافة والانفتاح والتسامح ونعني بها (فريتس شتيباتfritz steppat ) صاحب كتاب :الاسلام شريكا. الذي ترجمه الدكتور عبد الغفار مكاوي ونشر ضمن سلسلة عالم المعرفة تحت رقم302 ..ءان الهدف من ءاقامة مقارنة منهجية بين نظرتين متناقضتين لموضوع الاسلام في الفكر المسيحي الأروبي , هو بيان مدى الاختلاف والتنوع الذي يطبع المواقف الاروبية تجاه الاسلام كدين وثقافة , على الرغم من حقيقة أن المواقف المتفهمة للاسلام مغيبة ومعزولة ولايكاد يسمعها أحد !! لكن قبل استكشاف معالم هاتين النظرتين بخصوص الاسلام والحوار معه , لابد من ملاحظة أولية على ما جاء في محاضرة البابا بينيدكت16 :عن الايمان والعقل والجامعة , حين أشار ءالى أ، الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال لاءاكراه في الدين حين كان في حالة ضعف !!ءان هذا الموقف ’’الجديد’’ الذي عبر عنه البابا هو في نظري انقلاب على الموقف الرسمي للكنيسة الكاثوليكية من الاسلام كدين وعقيدة .والذي صدر في بيان رسمي  شهير عن المجمع الفاتيكاني الثاني المنعقد بين سنتي 1962و1965 وجاء فيه:<< ءان الكنيسة تنظر بعين الاعتبار ءالى المسلمين الذين يعبدون الاله الواحد الحي القيوم الرحيم القادر على كل شيء خالق السماوات والأرض ومكلم البشر الذين يجتهدون في أن يخضعوا بكليتهم حتى لأوامر الله الخفية!! كما خضع ءابراهيم الذي يستند ءاليه بطيبة خاطر الايمان الاسلامي...>>. ءان موقف البابا المعبر عنه في محاضرة عامة عن الايمان والعقل والجامعة ، لايمكن فهمه في اعتقادي، ءالا ضمن ءاطارين اثنين .أولهما : أن البابا أصبح يرفض اعتبار الاسلام جزءا من الديانات السماوية الابراهيمية ، بما يعنيه ذلك  من العودة مجددا ءالى مسلمات القرون الوسطى التي كانت تصنف الاسلام كديانة وثنية وعقيدة زائفة ! وثانيهما : التداعيات المدمرة التي أحدثتها العمليات الانتحارية في أمريكا ولندن ومدريد والتي استغلها الاعلام الصهيوني لتشويه صورة الاسلام في العالم . لقد أجمعت التحليلات الصحفية، التي رافقت تتويج البابا الجديد رئيسا للفاتيكان ، على اعتباره أحد الصقور المتزمتين داخل الكنيسة الكاثوليكية، خصوصا فيما يتعلق بالحوار مع الاسلام في مقابل مواقف المهادنة والتملق تجاه اليهود ومنظماتهم الصهيونية !! ءاننا في مقابل هذا الموقف الرجعي والمتطرف لبابا الفاتكان تجاه الاسلام يمكن أن نتبين النظرة الايجابية المؤسسة على البحث والتنقيب والفهم الصحيح للقضايا الاسلامية التي طبعت كتابات فريتس شتيبات وخصوصا في كتابه : الاسلام شريكا .. فاذا أخذنا كنموذج ، الفصل الثاني من هذا الكناب والذي عنوانه,, ملاحظات عن دور البحث العلمي في حوار الاديان ،،سنجد أن الكاتب يعلن منذ البداية رفضه التام لمفهوم ’’ صراع الحضارات ’’ معتبرا << أن الدوافع وراء هذا الموقف غير عقلانية>>ص65 . وتنطوي على مبالغات شديدة. ءاذ يعتقد أنه << ليس من الخطر فحسب أن نعطي للدين الدور الأساسي في تحديد تكون الجماعات في نظام عالمي مهيأ  للحرب بل ءانني مقتنع كذلك بأن هذا ، ببساطة ، خطأ فادح في التفكير .. ولكي أكون أكثر تحديدا ، فانني أقول :ءانه لا المسيحية ولا الاسلام ، بحكم طبيعتهما وماهيتهما  يريدان الحرب !>> ص68 . ءان موقف فريتس شتيبات هذا ، لا علاقة له بالتطورات السياسية بأي حال من الأحوال ، كما أنه بعيد عن النظرة البراغماتية التي تميز مواقف رجال السياسة الغربيين ، وخصوصا وقد عبّر عنه سنة 1996 ، أي قبل أحداث نيويورك و واشنطن بسنوات . بل هو موقف نابع من معرفة عميقة بأسس كلا الديانتين اللتين جاءتا لنشر السلام والأخوة بين البشر .. لهذا سنجده في عرضه ذاك يقوم باستعراض مجموعة من الأدلة التي تبين بأن هاتين الديانتين لهما ما يكفي من العوامل المشتركة الصالحة لاقامة حوار بناء ومثمر.. فهو يؤمن بأن القضايا الكبرى التي تطرحها الديانتان هي نفسها تقريبا . ولكن الاختلاف ينشأ في نوع الأجوبة والتفسيرات المقدمة عنها .من هذه القضايا  مثلا علاقة الانسان بالله ، حيث سنجد أن التأويلات المقدمة حولها في المسيحية والاسلام ، وءان كانت في ظاهرها متناقضة ، تتوزع بين التنزيه المطلق للذات الالهية في الاسلام ، والتجسيد في المسيحية ،ءالا أنها في اعتقاده تلتقي في معناها الجوهري في معنى القرب والحميمية .كما أن مسألة خلق آدم عليه السلام متشابهة في الديانتين رغم ما يظهر حولها من خلاف .ءاذ  ورد في التوراة أن الله خلق آدم على صورته ، كما ورد نفس التعبير في حديث رواه مسلم ( في الجنة برقم 2841 ) لكن الكاتب يعترف بأن هذا التشابه اللفظي لايعني بتاتا تطابقا في فهمه وتأويله بين أتباع الديانتين ، بدليل أن المسلمين يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء !! ولكنه يصر أيضا على أن الفرق بينهما ليس كبيرا بدليل أن المسيحيين أنفسهم يرفضون تأويل ما جاء في التوراة بأنه تشابه في الشكل وءانما يعتبرونها استعارة رمزية تدل على علاقة القرب بين الانسان وخالقه لا أقل ولا أكثر !! كما أن مسألة ’’ الخلاص ’’ أو النجاة من العذاب الأبدي يوم الحساب هي أيضا من العوامل المشتركة التي يمكن الحوار حولها .ءاذ  يلاحظ الكاتب أن النقاشات الدائرة داخل الديانتين حول هذه المسألة متشابهة بشكل ملفت وتتمحور حول  ثنائية الايمان والعمل أو كلاهما معا في تحقيق هذا الخلاص..ءان أطروحة فريتس حول ما هو مشترك بين الديانتين ، لم يكن الغرض منها التغطية على القضايا الخلافية الأخرى أو تجاهلها ، بقدر ما هي محاولة للتقريب وءازالة سوء الفهم والتحذير من عوامل الفتنة والصدام التي  بدأت بوادرها تظهر في الأفق. ءانها محاولة مخلصة لتأسيس أرضية صلبة لحوار ءاسلامي _ مسيحي حقيقي له شروط النجاح والاستمرارية . لهذا سنجده في ختام عرضه يضع شروط هذا الحوار موضع فحص ومساءلة من خلال مناقشته لمشروع (هانز كينغ ) حول الأخلاق العالمية .. ءاذ يرى أن أي حوار بين ديانتين مختلفتين لا يمكنه أن يكون ناجحا ءاذا لم يبتعد عن المحظورات التالية: 1- استعمال الحوار لتحويل الطرف الآخر عن دينه . 2- غياب الاحترام لمعتقدات الطرف الآخر بسبب الجهل أو سوء النية  . 3- محاولة ’’ كسب النقاط ’’ على حساب الطرف الآخر حتى ولو كان ضمن نقاش عقلاني .. ءاننا بالعودة ءالى ما  ورد على لسان البابا بنيدكت 16 حول علاقة الاسلام العقل أو بالذات الالهية أو باستعمال العنف لفرض عقيدته أو حين اعتبر آية << لا ءاكراه في الدين >> تعبير عن مرحلة الضعف التي عاشها الرسول الكريم في مكة ، سيتبين بجلاء كيف انعدمت في آرائه شروط الحوار الآنفة الذكر . فالبابا لم يحترم المسلمين ولا عقيدتهم من جهة ، كما يبدو أنه حاول كسب نقاط لصالح كنيسته على حساب المسلمين من جهة أخرى . والأغرب من كل هذا اعتماده على معلومات محرفة مما كان له الأثر السيء على نفوس المسلمين في العالم .. ءاننا ءاذا أردنا تحديد معالم هاتين النظرتين من الناحية المنهجية ، باعتبارها مسؤولة عن الخلاصات التي ميزت مواقف الرجلين بوضوح .فيمكننا ءاجمالها في النقاط التالية : أ - اعتماد البابا ، في فهمه لقضايا الاسلام على الكتابات الاستشراقية المتحاملة على الاسلام . في مقابل الجهد والمثابرة الشخصية التي اعتمدها شتيبات . ب - استخدام البابا الاسلوب الانتقائي الذي يخدم أهدافا معينة ونتائج حسمت مسبقا ، في مقابل المنهجية الاستقصائية التي تسعى وراء المعلومة في مصادرها الأصلية . ج - القفز ءالى الاستنتاج وءاصدار الحكم على قضايا شائكة باعتماد مصدر وحيد لايتمتع بأي مصداقية علمية ( الامبراطور البيزنطي الذي كان محاصرا من طرف العثمانيين ) في حين تتمتع خلاصات شتيبات  وأحكامه بقدر كبير وكم هائل من المصادر والمراجع الاسلامية المعتمدة ابتداء بالقرآن الكريم والحديث النبوي وكتب التفسير ، وانتهاء بلائحة طويلة من الأسماء المرموقة كالطبري وابن تيمية والغزالي ومحمد ءاقبال وحسن البنا والمودودي ومحمد أركون ومحمد عمارة وغيرهم ..ءان ما يمكن أن نستخلصه من خلال دراسة هاتين النظرتين ، هو أن الحوار الاسلامي المسيحي ، في ظل الظروف الدولية الحالية ، لم يعد مسألة نخبوية تقام لها المؤتمرات المغلقة ويتداول فيها علماء اللاهوت وفقهاء الشريعة ، بعيدا عن الاهتمام الجماهيري والمتابعة الاعلامية ، بل ءان هذا الحوار قد تحول الآن ، بفضل هذه الوسائل ءالى مادة مثيرة للجدل والنقاش ، ومؤثرة في تشكيل الرأي العام سلبا أو ءايجابا. ولهذا لم يعد مسموحا لأي كان أن يستعمله للبيل من مقدسات الآخر ومعتقداته تحت أي مبرر.!! فالحوار بين الأديان ليس فقط مظهرا حضاريا تتجسد فيه قيم كونية تحتفي بالتنوع والاختلاف وتنبذ التطرف والاقصاء ، بل هو أساسا واجب ديني وأخلاقي ينسجم مع روح الديانات السماوية وقيمها الخالدة . لهذا نجد أن المسلمين وهم يسعون لاقامة هذا الحوار ، حريصون على توفير الشروط الضرورية لانجاحه ، لكنهم في نفس الآن ليسوا متعجلين للمشاركة فيه مادام الطرف الآخر ، في غالبيته لازال سجين أحكامه القطعية وصوره النمطية المتوارثة عن أجيال خلت !! ويمكن أن أضيف بأن المسلمين في غياب هذا الحوار أو وجوده ، ليس لديهم ما يخسرونه أصلا ، ماداموا يفعلون ذلك استجابة لأيمانهم بكتابهم الذي يحثهم على مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن. لكن الكنيسة الكاثوليكية لديها الكثير مما تخسره ءاذا تنكرت لمبدأ الحوار أو اختارت موقف العداء والقطيعة لأن العالم الاسلامي رغم تشردمه وتخلفه ، بقي دائما جدارا صلبا أمام اختراقات البعثات التبشيرية وءاعراءاتها المادية ، في حين أن الاسلام بفعل حركة دفع ذاتية ، وقودها الايمان والحجة البالغة ، ما فتيء يكتسح فئات عريضة من رعايا الكنيسة المخلصين في العالم ، حتى أصبح البعض يتخوف من أن تصبح أروبا في يوم من الأيام قارة مسلمة ! وهي مفارقة تستدعي الكثير من التأمل والمتابعة ..


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !