الحوار الكردي – العربي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ كي لا نبقى أسّرى الكلام }
ابراهيم بركات
ــــــــــــــــــــــــ
amude42@hotmail.com
- 1 -
- لن نأتي بجديد حين نسّرد المحطات التاريخية التي رافقت المراحل المتعاقبة
من العلاقة المشتركة بين الشعبين الكردي والعربي، وخصوصاً منذ فجر ولادة الحضارة الأسلامية وحتى وقتنا الراهن.
وعلى أكثر من صعيد حيث برز في التاريخ العربي القديم والمعاصر أسماء لشخصيات كردّية بارزة، كانت لهم أدوارهم الكبيرة في مجالات نضالية كثيرة، في مصر على سبيل المثال لا الحصر، برز منهم الإمام محمد عبده، وقاسم الأمين، وعباس محمود العقاد، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والعائلة التيمورية، بل يذهب عدد من الباحثين إلى أن محمد علي باشا الكبير مؤسس مصر الحديثة كان من أصول كردّية، ومن قبله القائد صلاح الدين الإيوبي الذي قاد الجيوش العربية والكردّية التي تصدّت لحرب الفرنجة المسماة خطأً بالحروب الصليبية، لأن الصليب منها بريء، وقد تم على يديه تحرير القدس وأسس الدولة الإيوبية مما ساهم في بلوّرة مشاعر القومية الملتهبة والمتلهفة للحرية والتوق إلى الأستقلال، والتصدي للظلم والقهر والمطالبة بحق تقرير المصير للشعوب.
وهنا نذكر بأن أول صحيفة كردّية صدّرت في 22/4/1898 كانت من القاهرة.
وتوالت بعدها في مصر الأصدارات التي تتناول تاريخ الكردّ ونضالهم في الثلاثينيات و الأربعينيات من القرن المنصرم .
كما تأسست في مصر أيضاً أول إذاعة كردّية عام 1957 التي لعبت دوراً فعالاً وهاماً في توعية الجماهير العربية.
ومثلما في مصر كذلك في تاريخ سورية المعاصر حيث برزت العديد من الشخصيات الكردّية الذي ساهمت في بناء سورية منذ ما قبل الأستقلال، ولعل أبرزهم محمد كردّعلي الذي أصدر صحيفة المقتبس ثم عيّن وزيراً للمعارف في أواسط العشرينيات من القرن الماضي وساهم مساهمة فعالة في المحافظة على اللغة العربية وأغناءها وحمايتها من الفرّنسّةَ.
وهناك من يؤكد بأن يوسف العظمة الذي أستشهد في معركة ميسلون ضد الغزاة الفرنسيين كان كردّياً، ناهيك عن الذين وضعوا اللبنات الأولى للأستقلال من أبراهيم هنانو إلى أحمد مريود وغيرهم....!!!
أما بالنسبة للعراق فالتاريخ العراقي قائم على الثنائية القومية العربية الكردّية وهو زاخر بأسماء كردية وفي جميع المجالات .
هذا غيض من الفيض، للمساهمة الفعّالة لشعب الكردي في المشاركة في صنع التاريخ العربي ، واليوم بات من الضروري إعادة الروح للحوار الكردّي – العربي وإيجاد الأطر اللازمة لتفعيله، عبر المنظمات الغير حكومية ومؤسسات المجتمع المدّني، وخاصة النخب المثقفة من كلا الطرفين.
وما هو ملّح للعودة إلى هذا الحوارهو أشكالية العلاقة في ثنائيتها الملتبّسة راهناً وما أستجّد من هذه الألتباسّات التي طرأت على العلاقة برّمتها، مما أدى إلى تخندّق كل طرف خلف متاريسه ورشق الآخربسيل من الأتهامات.
خاصة بعد الحرب الخليج الثانية 1991 وتداعياتها على الداخل العراقي حيث قررت الحكومة وقتذاك سحب إداراتها من كردستان وأعتباره أقليماً متمرداً مما دفع بقادة الكرد في كردستان العراق فك الأرتباط مع بغداد، إلى الدعوة للأتنخابات البرلمانية في الأقليم وتشكيل الحكومة، بعد أن أصبح الأقليم تحت حماية أمريكية بغطاء دولي، مما أدى إلى أعتبار كثير من الأوساط العربية تحدياً للعرب وأستقواءاً بأمريكا من جانب الكرد تجاههم. ومع ذلك بقي هامش من التواصل بين المؤسسات الثقافية الكردية في الأقليم وبين المؤسسات الثقافية العربية ساهمت إلى حداً ما، في التقارب بين النخب المثقفة بين الطرفين.
لكن بعد أحتلال الأمريكي للعراق وتهليل به من قبِل قادة الكرد، عاد الفتور إلى العلاقة وحدث شرخ بين الجانبين، وذهب بالبعض إلى القول بأن الولايات المتحدة تساعد الأكراد تمهيداً لجعل كردستان أسرائيل ثانية، وهو رأي غريب يدّل على الجهل أو على تعمّد الإساءة.
وللردّ على هؤلاء سأورد ما كتبه الأستاذ محمد علي السباهي الشخصية العربية العراقية المستقلة بصدد هذه الأتهامات :
- {.... قرأتُ لأثنين من كبار اليهود، هما الدكتور أحمد سوسو اليهودي العراقي الذي أسلم، ووضع كتاباً قيماً فيما يقارب من الألف صفحة عن (العرب واليهود في التاريخ)، وكذلك سيغموند فرويد عالم التحليل النفسي المعروف الذي كتب (موسى والتوحيد) وخلاصة رأيهما أنه لم يكن هناك شعب أسمه " شعب أسرائيل" عندما بدأ موسى دعوته في مصر، فقد ذاب أسرائيل وأبناءه في المجتمع المصري النشط والفعال خلال أربعة قرون، وأن موسى نفسه لا علاقة له بـ " سبط لاوي " أو غيره، بل هو مواطن مصري وربما كان قريباً للبلاط الفرعوني.
ويتابع الأستاذ السباهي:
فالكيان الذي يسمونه " أسرائيل " نشر في عالم اليوم، بعد تأسيس الحركة الصهيونية القائمة على العنصرية، وعلينا أن نقرّ بأنه لا مجال للمقارنة - بإية حال من الأحوال-
بين هؤلاء الصهاينة المستوطنين الغربيين وبين الشعب الكردي العريق القائم على أرضه والمتسك بها بشجاعة وصبر لا مثيل لهما ....}
فالقاعدة الذهبية للفكر القومي، هي أن البشرية أستقرت على مجتمع الأمة منذ مدى غير منظور في التاريخ ، وهذا أمرلا يحتاج إلى دليل قائم مشهود، بل غيره يحتاج إلى دليل، وهذه القاعدة نفسها تلزم أصحاب الفكر القومي بأحترام القوميات الأخرى تدليلاً على أحترامهم لقوميتهم نفسها.
وأذكر بهذا الصدد قول لـ كارل ماركس لا يذهب بعيداً عن هذا المعنى يقول:{ أن الشعب الذي يضطهد شعباً آخر لا يمكن أن يكون حراً }
وعلى نفس القاعدة فأن أول قومية على العرب أحترامها هي قومية الشعب الكردي الشقيق والجار لهم، ناهيك عن القواسم التاريخية الأخرى المشتركة وخاصة الدين .
هذه القومية التي شاركت العرب ضرائهم دائماً ولم يشركهم العرب في سرائهم إلا لماماً .
أن الشعب الكردي الذي يزيد تعداده الآن عن الأربعين مليون تعرّض خلال تاريخه للقهر والمؤامرات الأستعمارية الشرسة، فلم يعد له كيان واحد بل تحوّل إلى تجمعات مبعثرة تتراوح حسب بعض التقديرات بين 25 مليون في تركيا التي أنكرت عليهم هويتهم الكردية، وأسمتهم أتراك الجبال، وما زالت تراوغ وتناور وتتهرب من حل القضية الكردية. وخمسة ملايين في العراق ومثلهم أو أكثر في إيران ، وحوالي ثلاثة ملايين في سوريا، وكذلك الكرد الموجودون في كل من لبنان وباكستان وأذربيجان وأرمينيا وغيرها من الدول .
وقد لعبت القوى الأستعمارية دورها في تشتيت الكرد على هذا النحو المأساوي القومي، الذي يتنافى وأبسط حقوق الأنسان في الأستقرار، ويتعارض تماماً مع حق الشعوب في تقرر مصيرها، مما دفع المنظمات الدولية إلى مطالبة المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب الشعب الكرذّي ومناصرته للحصول على حقه في الحياة .
وقضية الكرد هي قضية الشعوب المضطهدة عموماً، وفي كل مكان وزمان، وهي قضية ترتبط بالديمقراطية، وهي قضية تحتجب فيها حقوق الشعوب حين تتوارى شمس حقوق الإنسان.
إن الوعي العربي بالقضية الكردّية، بل وقضايا الأقليات عامة يتسم بالأستعلاء القومي والديني، ولا يعترف بوجود الآخر لهذا يتم التلاعب بقضايا الأقليات التي يتم توظيفها بمعرفة كل طرف حسبما يهواه ويرى فيه تحقيقاً لمصالحه، كما أن العامل الجغرافي يقف عائقاً دون تحقيق الدولة الكردية الموحدّة.
فرغم عدالة القضية الكردّية وحق الكرد فيما يطالبون به إلا أن لمشكلتهم أبعادها الكثيرة التي كانت بعض أسبابها ترجع إليهم ، وكانت نتائجها الحالية من صنعهم.
والحل الوحيد لهذه القضية، بل لكل قضايا العالم المعاصر هو الديمقراطية بمفهومها الحقيقي لا مفهومها الأمريكي ووفق مقتضيات مصالحها.
فإذا كانت الديمقراطية التي ننشدها مطلباً بعيد المنال داخل كل دولة نفسها في ظل الظروف الراهنة والأنظمة الأستبدادية والقمعية، فعلى الكرد مواصلة نضالهم لتحقيق الديمقراطية فيما بين فصائلهم وقواهم السياسية.
ومدّ جسور التفاهم بينها وبين القوى والمنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية التي تنظر بنظرة موضوعية وواقعية للقضية الكردّية في الدول التي يقيمون على أراضيها وشعوبها، ولو بالموافقة على الحد الأدنى من حقوقهم حقناً للدماء، مع أستمرارهم في النضال وشرح قضيتهم لكل مهموم بقضايا ومصائر الشعوب وحقوق الأنسان .....!!!!!
ـــــــــــــــــــــــ
إبراهيم بركات - قامشلو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات (0)