المعاناة هي باب يتسرب منه الدّجل والشعوذة والإنتهازية ، خصوصا في نفوسٍ قلّ فيها الإيمان بالله وهو الكفيل بحل كل المشاكل والأزمات ، وهو نصير المظلومين ، والآخذ بحقوقهم من الظالمين ، والمسافة مابين دعاء المظلوم واستجابة النصير يتعجّل الأول ويبحث له عن نصرة قد يجدها مُسخرة أصلا من عند الله ، وقد يجدها فرصة للإستغلال والإنتهازية من أطراف لايشعرون بالجمرة التي يحترق بها ، بقدر شعورهم بحاجته ويأسه ورغبته في التضحية بكل شيء من أجل إخمادها ، وحتى بإيمانه ..
وتسخير الله لبعض عباده لحل مشاكل غيرهم هي رسالة نبيلة نفتقدها في وسائل إعلامنا العربية خصوصا ، رغم معرفتنا بقوة تلك الوسائل التأثيرية على الرأي العام ، ورغم مناداة القائمين عليها بأن (رسالتهم الإعلامية) أساسها المواطن البسيط والمهمش الذي يعاني أكثر مايعاني من حكومة أو مِن صُناع القرار المتحكمين بزمام شؤون الدولة ، والمُوَكلون بتصريف نفقاته ، ومنحه حقوقه التي من أجلها يُدلي بصوته لإنتخابهم ، وبالسكوت (دون حس ولاخبر) كأضعف الإيمان لإعتلائهم رقبته دون إرادته ..
والحق أن تعميم ظاهرة (اللامسؤولية) هو إجحاف في حق بعض وسائل الإعلام المسموعة أو المرئية أو حتى المكتوبة ، لسعيها الدؤوب في نقل إنشغالات المواطن العربي على اعتبار أنه أكثر شعوب الأرض معاناة ، وعلى اعتبار سياسات التعتيم والإقصاء التي تقوم بها الحكومات العربية في سبيل إسكاته عن المطالبة بحقوقه ، خشية إرتفاعه من الحضيض ..
فبينما كنت أجول بالريموت كونترول بين الباقات العطرة منها والنتنة على جهاز الإستقبال ، إستوقفتني قناة كنت على إطلاع بتوجهها الإعلامي ، لكنني قليل متابعة البرامج التلفزيونية بصفة عامة ، سوى ماتعلق بالنشرات الإخبارية أو برامج أعرف بأنها تعنى بصميم الواقع .. فكان البرنامج حوارا مفتوحا مع المشاهدين لنقل مشاكلهم عبرها نحو المسؤولين في دولهم ، والقائمين على شؤونهم ، وبمجرد ما فتح المذيع المجال لتدخلاتهم حتى بدأوا بالإتصال..
ـــــــــــــــــــــــ
ألو .. أنا فلان من ليبيا .. الله يرضى لي عليك يا أخي لدي شكوى أريد تقديمها .. فأنا مواطن ليبي أفنيت عمري في خدمة مؤسسة عمومية ، وتعرضت في مرحلة ما إلى (حادث عمل) أدّى إلى فقداني لبصري ، تمّ إستبعادي على إثره ، ولم أتقاضى (تعويضا) لحد الساعة على مالحق بي ..
الله يرضى عليك يا أخي حرام مايحدث ، فأنا ربّ لعائلة مكونة من إثني عشر فردا .. أناشد من هذا المنبر الأخ القائد ، والأخ سيف الإسلام أن ينظروا في قضيتي ، وأنا أقبل (بحكم الإعدام) لوكنت لاأملك إثباتات على كلامي ..
والله يا أخي حرام مايحدث ، الله يرضى عليك يا اخي سجل رقم هاتفي ................... !!!.
ـــــــــــــــــــــــ
ألو .. أنا فلان من السعودية ، والله يا أخي حرام ما يحدث معنا ، فأنا مواطن سعودي جمعت (مالا بدمي) من نصبة أبيع عليها أمام المسجد ، فجاءت الحكومة وأخذت كل رزقي .. والله ياأخي حرام فأنا من هذا المنبر أناشد السلطات أن تمنحني جواز السفر لا غير ، لأغادر بلدا يتغنون فيها ب(دين الرحمة) ، وأي رحمة ....................... !!!.
ـــــــــــــــــــــــ
ألو .. أنا فلان من ليبيا ، يا أخي أناشد من خلال برنامجكم السلطات للنظر في قضية أخواي المسجونين (إحدى عشر سنة) في قضية قتل كانت في الحقيقة (حادث مرور) ، لاأريد أن يطلق سراحهما بل أريد أن يحاكما محاكمة عادلة وفقط ..................... !!!.
ـــــــــــــــــــــــ
ألو .. أنا رجل أعمال جزائري مقيم بفرنسا ، وأنا أقوم بتشغيل عمال عرب من المغرب وتونس ومصر ، لكن برنامج ( البيت بيتك) يدعوا المصريين إلى قطيعة الجزائريين ، لماذا كل هذا يا أخي ........................ !!!.
ــــــــــــــــــــــــ
ألو .. أنا فلان من السعودية ، أريد أن أسأل لماذا لاتذكرون السعودية بالخير .............. !!!.
ــــــــــــــــــــــــ
ألو .. أنا سيدة جزائرية مقيمة بإيطاليا ، وأريد مناشدة المسؤولين الجزائريين بالنظر في قضيتنا ونحن ضحايا ( الإمبراطورية الورقية) للمدعوا (عبدالمؤمن خليفة) ، ونريد إستعادة أموالنا وعلى الحكومة الجزائرية أن تقف إلى جانبنا لمحاكمة هذا المحتال ........................!!!.
ـــــــــــــــــــــــ
مذيع البرنامج لم يكن يعد المواطنين المتصلين بتوفر حلول فورية أو حتى مستقبلية لمشاكلهم ، لكنه تمنى أن يكون مسؤولوا بلدانهم يتابعون برنامجه للإطلاع عن كثب على أوضاع رعاياهم التي يندى لها الجبين ، دون أن يحركوا لها ساكنا ..
وهذه القناة تستحق بالفعل أن تكون تحت مسمى (الرسالة الإعلامية) ، ولو أن حلولها محدودة لكن صداها أبعد من أن تنال منه الأنظمة العربية الفاسدة والعمياء والصماء عن مشاكل شعوبها .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديــن : 02 - 2010
التعليقات (0)