الحوارات الشبابيّة في تونس
استشارة للشباب أم وصاية عليه؟
إسماعيل دبارة - تونس
"نحن شباب تونس المجتمعين اليوم 11 أكتوبر 2008 في إطار /المنتدى الوطني للشباب/ شباب تونس من كل الجهات ومن مختلف الحساسيات من داخل الوطن وخارجه" بهذه العبارة، استهلّت ما يسمّى برسالة المشاركين في المنتدى الوطني للشباب الذي انعقد منذ أيّام بإشراف السيد محمد الغنوشي الوزير الأول في اختتام الحوار مع الشباب الذي يوصف بالشامل وأذن به رئيس الدولة في الـ 21 من مارس الماضي.
ما يدعو إلى الاستغراب في رسالة الشباب إلى رئيس الدولة تلك الثقة العالية التي صيغت بها و النبرة الدعائية المألوفة التي حرّرت بها، فكم هو متنوّع و متعدّد ومختلف شباب تونس هذا الذي اختزل في نصّ الرسالة بـ" شباب تونس من كل الجهات ومن مختلف الحساسيات من داخل الوطن وخارجه".
الرسالة تعيد إلى ذهن قارئها مشكلة عويصة من مشاكل بلادنا، بل وربّما أمّ مشاكلها و أخطرها،وهي المحاولات لطمس حقيقة التنوّع و التعدّد في البلاد مقابل ابراز الصورة الشموليّة الجامدة التي تذكّر بالشموليات التي قبرت في السابق وهنا قد يجوز ان نعيد التذكير بالتداخل المقيت بين جهازي الحزب الحاكم وجهاز الدولة ن وهو سبب رئيس لمشاكل البلاد و تأخّرها.
لم يكن مكان انعقاد الحوارات الشبابية محايدا ليحضره مختلف الشباب التونسي على اختلاف انتماءاتهم و توجّهاتهم و أعمارهم و ميولاتهم، فمقرات التجمع الدستوري الديمقراطي و دور الشباب و الثقافة التي تعتبر امتدادا لتلك المقرّات استقبلت بضع مئات من الشباب التجمّعي المتعوّد على زيارتها ، بالإضافة إلى بعض الشباب غير التجمّعي ممن توسّم الخير في نوايا الحكومة في الاستماع إلى مشاكل الشباب و هواجسهم قبل أن يصدم بالطريقة و المناخ الذان تدور بها تلك النقاشات التي عفا عليها الزّمن خصوصا مع غلبة الطابع التلقيني و التوجيهي و الترهيبي في كثير من الأحيان على تلك" السجالات " و "الحوارات "التي دارت بين جدران مغلقة و لم تصلنا أخبارها الصحيحة عبر وسائل إعلام محايدة يمكن أن تعكس حقيقة ما نوقش ومن ناقش.
توقيت الحوارات في حدّ ذاته طرح أكثر من إشكال و سؤال، سنة 2008 هي سنة الحوار مع الشباب، لم لم تكن سنة 2007 أو 2010 أو 1987، الإجابة تبدو واضحة، فحزب الحاكم يريد اليوم تعبئة الشباب الذي سمح له "بمنته ومزيّته" المشاركة في انتخابات 2009 المرتقبة.
وهو يحاول بذلك تغيير الصورة الحقيقة التي ترسّخت في الأذهان ، شباب مغيّب و يعزف عن المشاركة السياسية ، كما يحاول بهذه الحوارات و الاستشارات الدعائية الوصاية على اصوات الشباب إن صوّت بالطبع في الانتخابات المقبلة و معلوم إنّ هذه الفئة العمرية تتوق إلى المختلف و تحاول التخلّص من المألوف و السائد.
في ضاحية من ضواحي العاصمة تونس ، قررت ذات يوم المشاركة في الحوار مع الشباب ، من باب التفاؤل بصدق النوايا ومن باب حبّ الإطلاع و الفضول الصحفي المشؤوم الذي قادني في نهاية المطاف إلى سماع كبرى عبارات التخوين و الشتم.
مداخلتي القصيرة كانت حول السيّد المشرف على الحوار و وصايته التي وصفها بـ"المنهجية" على موضوع الجلسة التلقينية، تدخّلي أيضا كان تلقائيّا و طبيعيا ، تساءلت فيه عن مدى صحة ما قيل عن دور "التجمّع" الريادي في الاشراف على الحوار و عن كان ذلك يعني وصاية على الشباب أم لا؟، ولم لا نبدأ برأب الصدع بالحدّ من تدخّله الكبير و تنويع المشهد بحضور بعض الكفاءات الشبابية المعارضة لتنصت فقط و تطرح بعض الموضوعات و إن سمح لها لم لا تشارك بإبداء الرأي؟
خرجت كما كان متوقّعا ملعونا مدحورا ، "أجذّف عكس التيار" ، و "اعمل لمصلحة الأجنبي ضدّ الوطن" كما قال بعضهم، لكنني لم أخرج لوحدي بل مع البعض ممن استفزته محاولة إلجامي وصدق كلامي ، لنتأكّد في النهاية جميعا أنّ مكاننا ليس وسط التجمعيين.
فذلك الاسلوب من الحوار لم يكن يعطي صورة حقيقية عن الشباب التونسي التعدّدي و التائق إلى الحريّة و الباحث عن الابداع و الاجتهاد، و لا مشاكله كانت محلّ نقاش ونقصد هنا مشاكله الحقيقية كالبطالة و المشاكل البيداغوجية و الاجتماعية لدى الطلبة ، زوارق الموت و نزوع بعضهم إلى التطرّف و الجريمة.
ميثاق وطني شبابي سيصدر كما بلغنا يوم 7 نوفمبر المقبل بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين للتحول، والتوقيت هنا كفيل بإثبات "تجمعيّة" الحوار وميثاقه بما لا يدع مجالا للشكّ، على غرار الرسالة التي وجّهت لرئيس الدولة و التي اشرف عليها السيّد الوزير الأوّل (ولا أدري هنا هل كان حاضرا بصفته مسؤولا في الدولة أم بصفته الحزبيّة).
ربّما هي الرغبة في السيطرة و الوصاية على الشباب الذي لن يكون كتلة متجانسة ولو حرصوا، وربّما هو الغباء، الذي يجعل البعض يدّعي تارة حيادية الحوار و شفافيته و استقلاليته ثم يحدّد تاريخا بنفسجيّا يعرف الجميع دلالاته.
يحقّ لكلّ حزب سياسي أن يعقد حواراته وندواته و ينصت إلى شبابه وقتما شاء و حيثما شاء ، لكن الادعاء بأنّ فعاليّة لأحد الأحزاب كفيلة بالجزم أنّ شباب تونس – وما أدراك ما شباب تونس- "يؤكد اليوم وفاءه للحزب الحاكم" دون استثناء ودون مراعاة للحقّ في الاختلاف هو جوهر الإشكال.
لمّا عقد الشباب الديمقراطي التقدّمي الفصيل الشبابي للحزب الديمقراطي ملتقياه الصيفين و ندواته المختلفة أصرّ في ورقاته على أن ما نوقش و سيناقش هو من منظور شباب هذا الحزب ولم يعمّم ما نشره و ما خلص إليه على كلّ شباب تونس، ولم يتحوّل – باختصار- إلى ناطق باسم الشباب التونسي و إن كان الشباب التقدّمي يرغب و يسعى إلى أن يكون قريبا من هواجس الشباب كافة وفق اجتهاداته و قراءاته لواقع تونس وما تحتاجه اليوم و في الغدّ.
إذا فالتماهي الذي أراد الحزب الحاكم تسويقه وهو ينصت إلى شبابه قبيل الاستحقاقات الكبرى التي تنتظر بلادنا العام المقبل لم تعد تنطل على إي شاب، لأنّ الحوار المسؤول و الشامل لا يتوجّه إلى فئة بعينها و يقصي فئات بأكملها .فالحوار الشامل و الحرّ ينطلق من ذهنية الوفاق و الرغبة في الإشراك و الإنصات و الصبر على الاختلاف ، و يطرح أمهات القضايا ولا يلتفّ عليها ، و إلا بماذا نبرّر يا ترى غياب التناول الجدّي لمسائل البطالة و الفروقات الاجتماعية و الهجرة السرّية والحقّ في التنظم وحريّة الإعلام و التعبير و استقلال القضاء و الشفافية في المعاملات الاقتصادية و الاحتكام إلى الصندوق؟
لا مبرّر إذن غير الخوف من الرأي المخالف و الرهبة من التعدّدية التي قالوا إنها واقع معيش ، و الخوف من الاحتكام إلى الصندوق و الاحتكام إلى الشعب ،و الشباب جزء كبير ومكوّن أساسي من هذا الشعب و محاولات اقصائه او احتوائه هي بالضرورة محاولة لاحتواء مستقبل البلاد وحاضرها في مسار أثبتت الأيام فشله وعدم قدرته على حلّ مشكلات البلاد.
التعليقات (0)