تعيش مختلف مناطق المغرب هذه الأيام على إيقاع السباق الإنتخابي بين الأحزاب السياسية المتنافسة في اقتراع 25 نونبر. و في كل المدن و البلدات يجند المرشحون كل طاقاتهم لإقناع المواطنين بوضع الثقة فيهم و في أحزابهم التي ستنقذ البلاد و العباد إذا فازت في هذه الإنتخابات.
تعود المغاربة دائما في كل الإستحقاقات الإنتخابية التشريعية التي عرفتها بلادنا منذ الإستقلال على الإستماع إلى كثير من الوعود المعسولة التي تتردد على ألسنة المرشحين في كل مكان. و تتحول فترة الحملة الإنتخابية إلى مهرجان ضخم للكذب في مشهد يستحق أن يدخل موسوعة غينيس من أوسع أبوابها. لكن المضحك المبكي في هذا السياق هو أن المغاربة و لكثرة ما تعرضوا له من نصب و احتيال خلال التجارب السابقة من طرف سماسرة الإنتخابات و البرلمانيين الذين يظهرون فجأة في كل محطة انتخابية، ثم يتوارون عن الأنظار طيلة عهدتهم بالبرلمان، هؤلاء المغاربة إذن أصبحوا يعرفون جيدا أن كل الخطب الرنانة التي تتلى على مسامعهم في مختلف التجمعات الإنتخابية ليست إلا كلام الليل الذي يمحوه النهار. المغاربة يعرفون أن أغلب هؤلاء السياسيين الذين يتسولون أصواتهم لا يمتلكون أية قدرة على تحقيق تلك الوعود التي يطلقونها هنا و هناك. إنهم يخرجون إلى الشوارع و الساحات العمومية من أجل فرجة مجانية على مشاهد مسرحية تعلو فيها الإتهامات و الإتهامات المضادة، و تختلط فيها أصوات منبهات السيارات مع الشعارات و الخطب الحزبية المتشابهة التي تنقلها مكبرات الصوت.
في الدول الغربية ذات التقاليد الديموقراطية العريقة، يتم استغلال الحملات التي تسبق المواعيد الإنتخابية لمخاطبة الناخبين المترددين من أجل إقناعهم بالتصويت لصالح هذا الحزب أو ذاك. و تتأسس قوة الإقناع بالدرجة الأولى على طبيعة البرامج الإنتخابية التي تقدمها الأحزاب المتنافسة. و تبعا لذلك تتكون لدى كل ناخب قناعة راسخة بمساندة المرشح الأقرب إلى اهتماماته و تطلعاته و بالتالي التصويت لصالحه. أما في الحالة المغربية فالأمر مختلف تماما، حيث الإنتماء الحزبي يكاد يكون منعدما، وتوجهات الناخبين تحكمها شروط أخرى تتراوح بين الولاء للشخص و التعصب للقبيلة أو العائلة، بالإضافة طبعا إلى دور أصحاب " الشكارة " في تأثيث المشهد الإنتخابي، حيث تتعدد تقنيات و أساليب شراء الذمم سواء بالواضح أو المرموز. لذلك فإن فئات عريضة من الذين يعتزمون المشاركة في استحقاقات 25 نونبر لا يبالون ببرامج الأحزاب و وعودها و لا يسألون عنها أصلا. هذه البرامج التي ليست إلا نسخا باهتة من بعضها البعض تصور المستقبل بألوان وردية، و تغرق في العموميات و تتنافس في صياغة الشعارات و تزايد على بعضها البعض في الأرقام و البيانات. و هكذا تتحول الحملة الإنتخابية إلى سوق لترويج الوعود الكاذبة، ويتحول المواطن المغربي فجأة إلى شخص محبوب و محترم و ذي شأن عظيم يتهافت عليه المتهافتون و يتوسل إليه السياسيون، حتى يكاد يتمنى لو أن أيام المغرب كانت كلها انتخابات.
مفهوم "الحملة" في قاموس المغاربة مرتبط بموسم الأمطار، و أحيانا تكون الحملة عنوانا للكوارث و المآسي عندما تتحول " أمطار الخير " إلى سيول من الفيضانات. و يبدو أننا نعيش هذه الأيام فيضانات من نوع آخر بمياه حزبية راكدة، لكن ركودها يجرف المغاربة إلى مزيد من الإنتظارية و اليأس و يفرض تأجيل التغيير الذي ينشده أبناء هذا الشعب إلى أجل غير مسمى... و مادام المشهد الحزبي في المغرب يواصل إنتاج نخب سياسية متوارثة بخطابات و عقليات مفلسة، فإن العزوف السياسي و الإنتخابي سيزداد حدة لأن أغلبية المغاربة يدركون بشكل أو بآخر أن مغرب ما بعد 25 نونبر لن يختلف عما قبله. لذلك فإن الإمتحان الحقيقي الذي ستعرفه الممارسة السياسية في بلادنا خلال الموعد الإنتخابي المرتقب يتجلى في نسبة الإقبال على صناديق الإقتراع. و لا يظهر في الأفق ما يثبت أن نسبة المشاركة ستكون أفضل حالا مما كانت عليه في انتخابات 2007. فهل آن أوان سقوط الأحزاب؟. محمد مغوتي.17/11/2011.
التعليقات (0)