مواضيع اليوم

الحمار يجرب الغناء فيتألق

حسن توفيق

2009-04-09 19:38:30

0

الحمار يجرب الغناء فيتألق.. وعلى سواه يتفوق

 من مقامات مجنون العرب - 2 -


حملت الريح جثة الأغنية البليدة.. وألقتها في أرض بعيدة.. فتحسنت حالة الحمار.. وزال عنه ما انتابه من دوار.. وخطرت على باله فكرة حلوة.. غمرت قلبه بالفرح والنشوة.. فقرر أن يشرح فكرته للمجنون.. وهو يؤكد أن نجاحها مضمون.. أما المجنون فقد رأى أن الفكرة هي عين العقل.. ولكن لا بد من عبور القول إلى مرحلة الفعل.. وهكذا انطلق الإثنان.. من مكان إلى مكان.. وهما يتحاوران ويفكران.. ثم اشترى المجنون قناعا لرجل وسيم.. من الطراز الذي تقع في غرامه الحريم.. واستأجر من دكان «الدوبي» ملابس فخمة.. واتجه الاثنان لمنطقة تسودها العتمة.. حيث تم تدريب الحمار على أن يمشي على اثنتين.. وأن يغمز بالعينين.. ووضع المجنون القناع على وجه الحمار.. فأصبح أجمل من شمس النهار.
في المؤتمر الصحفي الذي ازدحم بالإعلاميين.. أكد المجنون أن المطرب الذي أمامهم سيسحق كل المطربين.. ثم تولى الإجابة على الأسئلة نيابة عن الحمار.. أما الحمار فقد بدا في غاية الوقار.. وفي اليوم التالي كتبت الجرائد عن المطرب - المعجزة.. وكيف أن صوته يطغى على كل الأجهزة.. وانفردت جريدة واحدة.. بنشر قصيدة خالدة.. يؤكد فيها صاحبها أن المطرب الجديد.. أفضل من «زرياب» الأندلسي الفريد.. وهو أفضل من كل مطربي العصر.. فضلا عن إتقانه غناء الشعر.. وقد أشاد الشاعر بالمطرب الوسيم.. وسماه «ناهق الحكيم»:
الحمارُ المثقفُ المعروفُ
هو في الليلِ مطربٌ فيلسوفُ
قَطَّ لم يأكل الحشيشَ ولكنْ
بنجومٍ من صوته معلوفُ
ويجيد الأنغام عزفاً وصوتاً
ويُحيي الجمهورَ أين يطوفُ
بجمال الغناءِ يُسْكِرُ جيلاً
والجميلاتُ في هواه صفوفُ
روح «زرياب» قد تقمصَ فيه
وكذا الأرواح فينا ضيوفُ
وهو لا يبدع النهيقَ ولكنْ
فلسفاتٍ قد صورتُها حروفُ
جاء في معشرٍ تساوَى لديه
آدميٌّ مفكرٌ.. وخروفُ
ومن الخلقِ ناطقٌ كان أَوْلَى
لو كسا جِلدَه من الثوب صوفُ
ومن الخلق ناطقٌ كان يمسي
في عدادِ الحمير لولا الألوفُ

.. جاء موعد الحفلة الساهرة.. فارتدى الحمار الملابس الفاخرة.. وعلى عنقه وضع رباط عُنق.. ألوانه تكاد تغزو الأفق.. ولم ينس بالطبع أن يضع على وجهه القناع.. حتى لا يكشفه الذين جاءوا للاستماع.. وأخفى الحمار ذيله في البنطلون.. كما أشار عليه بهذا المجنون.. أما المجنون فقد انتحل صفة «المستشار الفني».. ولم يخش عاقبة التجني.. وجاء الشبان ومعهم الفتيات.. وما هي إلا لحظات.. حتى ظهر المطرب الوسيم.. الفنان ناهق الحكيم.. وتحمست الأكف للتصفيق.. وقال الصحفيون إن التصفيق.. شهادة للمطرب لا تحتاج إلى تعليق.
بدأ الحفل برقصة «الحوافر».. فتجاوب معها كل حاضر.. ثم نهق «ناهق الحكيم».. أغنية «الحب القديم».. فأُغمي على إحدى الفتيات.. بعد أن شرد ذهنها في الزمان الذي فات.. ومع احتدام الرقص.. كاد المطرب أن يندمج في «الرفص».. لكنه تذكر أن الناس يتصورون أنه مطرب من البشر.. فأزاح عن ذهنه ما قد بدر.. وغنى «ناهق الحكيم» عدة أغنيات.. كلها قوبلت بجسر من التنهدات.. من بينها أغنية «ارفص حبيبك قبل ما يرفصك».. وأغنية «رفصتين.. رفصتين.. الدنيا لينا إحنا الاتنين».. وأغنية «يا منهقين للناس.. مالكم ومال الناس؟..».قدم المجنون هدايا للصحفيين.. قبل أن يغادروا قاعة الحفل منصرفين.. وفي
صباح اليوم التالي.. كتب الصحفيون الدرر واللآلي.. وتوقعوا للمطرب الجديد أن ينجح باستمرار.. خصوصا أن صوته في حالة ازدهار.. وقارن بعض الصحفيين بشكل ماكر لئيم.. بين «ناهق الحكيم».. والأصوات التي أصبحت مثل «الشكمان»
القديم.. وأجمعوا على أنه جرب الغناء فتألق.. وأنه على سواه قد تفوق.
اغتاظ المطربون مما جرى.. وقالوا: ماذا نفعل يا ترى؟.. واتفقوا على استئجار بعض الفتوات.. لكي يكيلوا لناهق الحكيم أوجع اللكمات.. ويشبعوه من بحر الصفعات.. وبالفعل تم تأجير هؤلاء.. وانطلقوا جميعا دون إبطاء.. وكل منهم يترصد.. ويتحرك لضرب ناهق الحكيم حتى يتعهد.. بأن يكف تماما عن الغناء.. وإلا فإنه سيلاقي أشد البلاء.
فوجىء الفتوات بأن «ناهق» أقوى منهم.. وبأنه رفسهم بعنف ثم ابتعد عنهم.. وحين اختلى الحمار مع المجنون.. قال له بنهيق حاد ومسنون:
أرأيت كيف أن الصحفيين يكذبون؟.. لقد قررت اعتزال فن التنهيق.. ما دام في الأرض كل هذا التلفيق!.



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !