الحمار هو رمز الغباء في الأدب العربي، ولكن هذا يصدق على الحكايات التي تدور في أوساط الحيوانات، وأما القصص التي تُحكى عن حمار وصاحبه، كقصة حمار جحا الشهيرة، فغالباً ما يكون الحمار فيها مهملاً، ويمكن استبداله بأي مركوب آخر، خلا أن واضعي القصة غالباً ما يختارون الحمار، وكأنه من باب: "إياك أعني واسمعي يا جارة"، وهذه قصة لطيفة لرجل صوفي مع حماره، تقول القصة:
إن رجلاً صوفياً ركب حماره، واتجه إلى إحدى الحفلات الصوفية النائية الموقع، فلما وصل ربط حماره عند الحارس ودخل، فرحب به أهل الحضرة، وأشاروا عليه أن يستريح قليلاً ريثما تُعد العُـدَّة للذكر، وكان أهل هذه الحضرة يعانون فقراً شديداً، فأفتاهم شيخهم بأن يغتصبوا حمار الضيف، ويبيعوه ويشتروا بثمنه طعاماً وشراباً، لإعداد مجلس ذكر يليق بالضيف، وبالفعل صنعوا.
وأوعز الشيخ للمنشد أن ينشد هذه العبارة، إذا حمي الإنشاد واشتد: "ذهب الحمار، وولى يا فتى".
وبينما الضيف فرح مسرور بهذا الكلام ومنتشٍ بهذا الذكر، أنشد المنشد: "ذهب الحمار، وولي يا فتى"، فأنشد معهم رغم عدم معرفته للمناسبة مراعاة لآداب الطريقة، وانقضى المجلس، وبات الرجل على خير حال، فلما أصبح طلب حماره من الحارس، فقال له: رأيتك تنشد مع المنشدين: "ذهب الحمار، وولى يا فتى"؛ فظننتك راضياً عن بيعه".أ.هـ.
وهذه القصة اللطيفة تبين كيف يمكن أن يصل السكر الصوفي بصاحبه إلى هذه الحالة العجيبة من الاستسلام واللامبالاة.
والسكر الصوفي هو أحد أنواع السكر الكثيرة، التي منها سكر الخمر، وسكر الهوى والشهوة الجنسية، وهي في زماننا على أشدها من زنا إلى عري ومجون في وسائل الإعلام، بالإضافة إلى سكر الساحرة المستديرة "الكرة"، ولم يعد الأمر في حاجة إلى أن يذهب صاحبنا الصوفي بحماره إلى أماكن السكر؛ فأدوات السكر سهلة وميسورة لكل أحد في بيته، في سوقه، وفي مقهاه من باب أولى، ولم يعد الأمر في حاجة إلى المنشد؛ فهناك المئات بل الألوف من اللاعبين والراقصين والمغنيين يخدرون الناس عن المهمة التي خُلِقوا من أجلها.
ولم يعد الأمر مقتصراً على حمار يسرق، بل ثروات الأمة ككل تُنهب، وشبابها يُدمَّر، وفوق هذا: دينُها يُحارَب، وهُويتُها تطمَس، وأما تلك المقطوعة التي دسها المنشد خلسة في إنشاده، فلم تعد لها حاجة أيضاً؛ فقد حل محلها شريط الأخبار -شريط أسود داكن صغير يتحرك في المنطقة الميتة من الشاشة-.
وبينما الجمهور مشدوهون إلى الراقصة أو المغنية أو حتى لاعب الكرة، يتحرك الشريط: قتل... تشريد... حرب... البهائية تكسب معركة قضائية... الشيعة يسبون على أهل السنة في كذا... زلزال مدمر في بلدة كذا...
وما زال الشريط يتحرك، ولكن الجمهور لا يتحرك!! لعلهم تماثيل من الشمع، نعم لا بد أنهم كذلك! وإلا لما تحملوا هذا الشريط الأسود، ولكن فجأة اشتدت الرقصة، واشتعلت الأغنية، وعانقت الكرة الشباك، فقام هؤلاء يقفزون... يفرحون يتعانقون، أو أخطأت الكرة هدفها فقاموا يصرخون... يستغيثون... يبكون، إذن فهم ليسوا تماثيل من شمع، ولكنهم سكارى: "لم ير الحب سكارى مثلهم"، "ولم تر الكرة سكارى مثلهم"، بل "لم تر الدنيا بأسرها سكارى مثلهم".
تـُرى إذا أفاق هؤلاء من سكرتهم، وسألوا عن الذي أصاب أمتهم، هل سيجدون من يتطوع بالإجابة قائلاً:
"كتبنا لكم في شريط الأخبار أننا قد سرقنا الحمار ولا عزاء للسكارى، أم سيضن عليهم النظام العالمي الجديد حتى بهذا التوضيح"؟؟!!
التعليقات (0)