حين يعود بي التفكيرلأحلامي الطفولية..وبدايات شبابي..أجدها قد إضمحلت جميعها في وعاء(الواقع)، أو : الحلم الحي الذي تنال فيه الكوابيس حصة الأسد...فالواقع هو الحلم الذي نعيشه كل لحظة دون الحاجة لأن يغمض لنا جفن ، بل على العكس تماما يجب أن نبحلق أعيننا مااستطعنا...وهو حصيلة أحلام جميلة كانت تتراءى لنا فيما مضى من حياتنا...أحلام كانت روافد أحلام..لتصب (اليوم) في نهر: الحياة .. والقدر .. والمصير..و.. : حظنا من الدنيا... ، وفي سياق الحديث ، أذكر حديثا شاهدته في إحدى القنوات التلفزيونية ، حيث سألت مقدمة البرنامج ضيفها (الصحافي والإعلامي المشهور)قائلة : - هل كانت مهنة الصحافة حلما طفوليا تحقق اليوم ؟ فأجابها قائلا : - في الحقيقة لم تكن مهنة الصحافة كذلك..لكن سأسوغ لك حكايتي معها في ثلاث كلمات..: صدفة..فمتعة..فواجب..! ، أعجبني تعليق هذا الإعلامي كثيرا ، إلى حد أن صورة تلك المقابلة ظلت عالقة في ذاكرتي وبكل تفاصيلها، أما كلمات الإعلامي فظلت تدق بداخلي كالأجراس تذكرني دوما بكلمات الحقيقة التي تعلمُنا معنى أن تكون الفرصة الجديدة (حلما جديدا)علينا أن نعيشه و بكل تفاصيله..لأنه ببساطة : الحلم الذي تحقق لتوه..فلا يحق لنا إذن تأجيله أو إلغاؤه بدعوى أن باقي أحلامنا لم تتحقق بعد..أو أنه لم يكن مسطرا في جداول برامجنا(التي نجهلها أصلا)...؟!
فمهنة الواحد منا لم تكن من أحلامه (في أغلب الأحيان) لكن ذلك لايعني أن لا يمتهنها بتفان وإتقان..لأنها ببساطة : الوحيدة ـ ومن بين جميع أحلامه ـ أصبحت (واجبا)عليه القيام به على أكمل وجه...ولكي نرتقي بمجتمعاتنا ، يكفينا أن نحب مهننا لنبدع فيها ، لنساهم بذلك في بناء[الحلم الأوحد] المجتمع الراقي...والرقي يبدأ بالثقافة...لأن المجتمع المثقف يعرف الحق والواجب..ويعرف قيمة الإبداع...ويتذوق الفنون..ويقدر الجهود مهما كانت صغيرة..
لكن ما أستغربه ـ من منطلق ملاحظاتي العينية ـ لنماذج من مختلف دولنا العربية أن الطبقة المتعلمة والمثقفة يكدح طلابها قبل التخرج ويمنون أنفسهم بذلك اليوم ،وينتظرون دخولهم لعالم الشغل على أحر من الجمر..بل إن منهم من يصبح (ما بعد التخرج)هاجسا يؤرقه لتقلص فرص التوظيف..ومع كل هذا الذي يعانونه تجد أنهم لو دُمجوا ووظفوا ما يلبثون أن يصبحوا ـ في مناصبهم ـ مثالا لعدم الإكتراث وعدم الكفاءة..ولا تكاد تصدق أن هؤلاء هم أنفسهم من كانوا بالأمس يفعلون المستحيل للحصول على ذلك المنصب....وهؤلاء للأسف واجهتنا الأمامية التي نطمح أن تساهم بقسط أكبر من تحمل المسؤوليات.
ولا ننسى حديث الهادي المصطفى : ((إن الله يحب أن يرى إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)).
التعليقات (0)