طار قلبه فرحا عندما وصلته دعوة من صديق عمره ورفيق دربه لحضور مناقشة رسالة الدكتوراة الخاصة به وقال في نفسه أخيرا سيرى صديقه الذي فرقتهما الأيام بعد الانتهاء من دراستهما الجامعية ويعيش معه لحظات جنى الثمار وتحقيق الأحلام وظل يعد الأيام والليالي مستبطئا إياها هلمى يا أيام على عجل اجمعي الشمل وقربى البعيد ولملمي الفرقاء.
في قاعة المناقشة جلس ينتظر مع الأهل والأحباب والأصدقاء الإعلان عن بدء المناقشة وما هي إلا دقائق معدودة حتى بدأت المناقشة وقد لبس صديقه حلة الطالب وبدا كأنه عريس في ليلة عرسه ترى في عينيه خليط من نظرات الترقب والخوف والفرحة والحزن الترقب لما ينتظره من لحظات المناقشة التي تمر بطيئة ثقيلة والفرحة لما سيجنى بعد سويعات ثمرة جهده ونهاية مرحلة مضنية من حياته والحزن لافتقاده أعز الناس إليه أبويه الذين فارقا الحياة قبل أن يريا هذا اليوم الذي لطالما تمنياه وحلما به فهو ابنهما الذي شرفهما من دون إخوته بتفوقه وطموحه وسعيه للوصول إلى أعلى المناصب والدرجات العلمية وكم مشت الأم متبخترة بين قريناتها من النساء مزهوة عندما تسمع من يناديها بأم الدكتور بعد أن صدر القرار بتعيين ابنها معيدا في كليته التي تخرج منها للتو هذا العام..
بدأت المناقشة وقد أسند ظهره إلى الكرسي ومال برأسه على مسنده ناظرا إلى صديقه وهو يقدم لرسالته وقد راح في عالم آخر غاب خلاله عمن حوله رجع بذاكرته سنوات إلى الوراء تذكر ما مضى في حياته من الأحداث جمعت المفارقات العجيبة..
كانوا ثلاثة هو وصديقه الذي يناقش الدكتوراة وثالثهما أستاذ في أحد الكليات البعيدة، جمعتهم صداقة حميمة وجمعهم السن والطموح والسنة الدراسية فقد كان ثلاثتهم يدرسون في الثانوية العامة..
أما هو فقد كان متواضعا في طموحه كان كل همه أن يحصل على شهادة الليسانس ويعمل ويتزوج وينجب أولادا يربيهم تربية حسنة يجمعه وزوجته وأولاده بيت لا يهم أن يكون كبيرا لا يهم أن يكون أنيقا المهم أن يشعر فيه بالاستقرار والأمان الذي افتقدهما في حياته الأسرية أما صديقه المناقش فقد كان متوسط الذكاء لا ينبىء وضعه الدراسي عن عبقرية أو طموح أما ثالثهما فقد كان طموحا يسعى جاهدا للوصول إلى درجة علمية عالية بل كان هدفه أن يصل إلى التدريس في الجامعة فكان بذلك أكثرهم مذاكرة وأثبرهم على التحصيل والجد ..
مرت الأيام وجاءت النتيجة على غير المتوقع أما هو فقد فاقت نتيجته التصور فقد حصل على المركز الأول على مدرسته وأما صديقه المناقش فقد كانت درجته متوسطة وأما ثالثهما فقد جاءت نتيجته أقل منه بقليل..
دخل الثلاثة الجامعة ومرت السنوات وعاش أحلاما أخرى عاش حلم التفوق والتقدم العلمي وعاش حلم الدرجة العلمية التي تؤهله للعمل بالتدريس في الجامعة وقد أجج هذا الحلم في نفسه وجعله قاب قوسين أو أدنى من الحقيقة ما كان يحصل عليه في كل سنوات دراسته الجامعية من درجات عالية وتقديرات ممتازة فقد حصل على المركز الأول في كل سنوات دراسته حتى أصبح الكل ينادونه بالدكتور لما توقعوا له من مستقبل باهر في العمل الجامعي..
لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن بعد التخرج وحصوله على الامتياز مع مرتبة الشرف كان قرار الجامعة بالعمل بنظام المسابقات للتعيين بها وترقب الثلاثة المسابقة .. وجاءت المسابقة المنتظرة.. الجامعة تطلب معيدين لجميع كلياتها .. ما عدا الكلية التي تخرج منها..
عمل صديقه المناقش معيدا بكليته وثالثهما كذلك وظل هو ينتظر سنوات وسنوات حتى تحطم الحلم وصار علقما مرا وانتهى به المطاف للعمل بالتدريس في إحدى المدارس ..
منذ عام كانت مناقشة الصديق الثالث للدكتوراة ، وها هو الآن يشارك صديقه مناقشة الدكتوراة ويعيش الاثنان بعيدا عنه في عالم حلمه وخياله الذي ملأ في يوم من الأيام عليه كيانه وها هو يقبع في عالم النسيان يعلم الأطفال موقع بلاده المنكوبة بالاستبداد والتخلف وهى منزوية على خريطة العالم الذي يعدو سريعا نحو التقدم والرقى..
أفاق من ذكرياته على صوت هيئة التحكيم وهى تستعد للنطق بالنتيجة وجاءت النتيجة تستجر الأفراح والأحزان" حصول الباحث على مرتبة الشرف الأولى " فانسابت الدموع من عينيه ..لكنها دموع مختلطة هل هي دموع الفرح لصديقه؟ أم دموع الحزن على طموحه الذي ذبل وحلمه الذي راح..
التعليقات (0)