قال بنيامين نتنياهو حينما كان رئيس الحكومة الصهيونية التي شكلت عام 1996 إن بإمكان الفلسطينيين أن يطلقوا لقب دولة على ما تبقى لهم من أرض , وحينئذ قال مدير مكتب تخطيط سياسات الحكومة الصهيونية في ذلك الوقت ( ديفيد بار إيلان ) إن بإمكان الفلسطينيين أن يسموها - الدولة التي اقترحها نتنياهو - دجاجا مقليا .
ما قاله نتنياهو كان قبل عشر سنوات أو تزيد واليوم هو رئيس للحكومة الصهيونية فهل لا يزال عرضه مطروحا أم أنه تراجع عنه , هل قام نتنياهو بتحسين عرضه ؟!
إن دعاة السلام أو الاستسلام لا يزالون يخدعون أنفسهم وهم يظنون أنهم يخدعون الجماهير والشعوب المسلمة , يدعون أن الفرصة سانحة للسلام ولإقامة الدولة الفلسطينية المزعومة , ولا أعرف أهم يقصدون هذه الظروف التي نعيشها أم أنهم يعيشون في عالم من الخيال الذي تصوره لهم عقولهم المريضة .
الواقع أن نتنياهو اليوم أبعد عن السلام _ وفقا لمفهوم عباس ونتنياهو _ عما كان قبل عشر سنوات مضت , وما الذي يجبره على فعل ذلك الآن وهو لم يفعله من قبل , فلو كان صادقا لفعل , أهناك جديد يجبر نتنياهو على السماح للفلسطينيين بإقامة الدولة المزعومة ؟! , أم هناك تغير في موازين القوى العالمية والإقليمية تدفع الكيان الصهيوني وعلى رأسه نتنياهو لقبول ذلك ؟! , أم أن هناك تحالف عربي جديد يقف في وجه الكيان الصهيوني ويلزمه بقبول ما لم يقبله من قبل ؟!
إن شيئا من هذه الأمور لم يتحقق فعلى الصعيد الفلسطيني ليس هناك بجديد بل إن الأحداث على الأرض في العشر سنوات الأخيرة كانت في صالح الكيان الصهيوني , فمن الناحية السياسية فإن السلطة الفلسطينية اليوم لا تمثل أحدا من الشعب الفلسطيني غير محمود عباس وزمرته , والكيان الصهيوني وحكومته يعرفون جيدا أن توقيع أي اتفاق حاليا وفى ظل ضعف السلطة وفسادها لا يعنى أي شيء , وأن هذا الاتفاق لن يكون له أي قيمة تذكر بل لن يساوى الحبر الذي يكتب به خاصة في ظل وجود سياسي قوى لحركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس .
كذلك فالشعب الفلسطيني اليوم منقسم بين تيارين لا ثالث لهما وهما تيار الخيانة والتفريط ويقوده عباس وفتح فصائل منظمة التحرير حيث سكوتهم على جرائم عباس إقرار لها , والتيار الآخر وهو تيار المقاومة والجهاد وعلى رأسه حركة حماس والجهاد وغيرهما من قوى المقاومة الفلسطينية , وهذا الانقسام أدى إلى عدم وجود قرار سياسي موحد وعدم وجود قوة ضاغطة على الكيان الصهيوني, بل إن فريق عباس يظهر في جميع المواقف صهيونيا أكثر من الصهاينة أنفسهم , وها هو يعمل على تصفية المقاومة المسلحة في الضفة الغربية وقتل قادة المقاومة وكوادرها .
أما عن الاستيطان فبالرغم من تفكيك المستوطنات في غزة في عهد رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق أرئيل شارون , إلا أن الاستيطان لم يتوقف بل إنه انتشر في أنحاء الضفة الغربية كانتشار النار في الهشيم حتى صارت الضفة الغربية وكأنها قرى ومدن صهيونية يتخللها مجموعة من المستوطنات الصهيونية , ليس هذا فحسب بل زادت همجية المستوطنين وجرأتهم فهم يقتحمون منازل الفلسطينيين ويستولون عليها ولعل أحداث الخليل وما حدث من اشتباكات بين المستوطنين والأهالي خير دليل على مدى توغل المستوطنين وتحكمهم في الضفة الغربية حتى صاروا كأنهم دولة داخل دولة .
أما الحديث الدائر عن ضرورة وقف الاستيطان فهو للاستهلاك الإعلامى فقط فلا يوجد أي نتائج على الأرض بل إنه في خضم هذا الحديث فإن الكيان الصهيوني يسرع في بناء آلاف المستوطنات الجديدة , وخاصة في مدينة القدس المحتلة رغبة منه في إصباغها بالصبغة اليهودية الخالصة .
كذلك الحال بالنسبة للأمة العربية فليس ثمة جديد يجبر الصهاينة على تقدم هذا التنازل الكبير من وجهة نظرهم في مقابل لا شيء من العرب , فالعدو لن يحصل على شيء ولا يدعى أحد أنه سيحصل على التطبيع لأن الكثير من الدول العربية قد طبعت مع العدو الصهيوني جهرا أو سرا وهذا التطبيع كان مجانيا دون أي مقابل ولا يغتر أحد بهذه الجعجعة التي نسمعها من حين لآخر أنه لا تطبيع قبل إقامة الدولة فهذا الكلام فقط لخديعة الشعوب ولحفظ ماء وجه هذا الأنظمة .
بل إن العدو الصهيوني يحصل من الأنظمة العربية على ما لم يكن يتصور يوما أن يحصل عليه , ألم تقم تلك الأنظمة بكيل التهم للمقاومة الفلسطينية , ألم يتحالفوا مع العدو للقضاء على المقاومة , ألم يحاصروا المقاومة بل والشعب الفلسطيني بأكمله , ألا يعتبرون أن مجرد دعم المقاومة الفلسطينية جرم يستحق فاعله المحاكمة , فما الذي يدفع العدو لإقامة دولة فلسطينية .
أما المشهد الدولي فهو دوما في صالح الكيان الصهيوني منذ أن هاجرت عصابات اليهود إلى فلسطين حتى إعلان إقامة الدولة الفلسطينية عام 1948, مرورا بحرب 1967 حتى الانتفاضتين الفلسطينيتين المباركتين وحرب غزة الأخيرة التي أطلق عليها المجاهدون حرب الفرقان , فليس بجديد أن يقف العالم كله مع الصهاينة ولم لا وقد أصبح العالم كله تتحكم فيه دولة واحدة , وهذه الدولة يتحكم فيها اللوبي الصهيوني , وبين الكيان الصهيوني وكل القوى الكبرى في العالم علاقات قوية ومصالح استيراتيجية .
والدليل على وقوف المجتمع الدولي مع الكيان الصهيوني أنه منذ مؤتمر أنا بوليس والقوى الدولية تطالب علنا بوقف الاستيطان ومع هذا لم يتوقف ,وبالرغم من ذلك لا أحد ينتقد إسرائيل ولا أحد يتهمها بعرقلة مفاوضات السلام المزعومة , وكذلك أيضا بالرغم من الجرائم الفجة التي ارتكبها العدو في معركة الفرقان من مجازر ومذابح وإبادة جماعية لأسر وعائلات بأكملها , واستخدام الفوسفور الأبيض ومع كل هذا لم ينتقد أحد هذا الكيان ومن فعل منهم فإنه ينتقد المقاومة الفلسطينية أولا بشدة ثم بعد ذلك ينتقد في حياء أفعال وجرائم العدو الصهيوني .
في ظل هذه الظروف كلها لا يطمع أحد أن يمن العدو الصهيوني عليه بإقامة دولة فلسطينية , بل على دعاة السلام إذا أرادوا حقا إقامة دولة فلسطينية أن يتركوا هذا الطريق الذي يعرفون مسبقا أنه لن يوصلهم لشيء , وعليهم أن يحملوا السلاح مع إخوانهم المجاهدين , أما إن كانوا يريدون منصبا وكرسيا فما عليهم إلا أن يقبلوا بالفتات الذي يرميه لهم العدو الصهيوني والقبول بالدجاج المقلي على حد تعبير ديفيد بار إيلان ولا يصدعوا رؤوسنا بالحديث عن السلام ومفاوضات السلام وهذه الكلمات التي سئمنا منها من كثرة ما سمعناها .
أما رجالات المقاومة الفلسطينية فهم الذين علموا الحقيقة وعرفوا الطريق وعلموا أن الدولة الفلسطينية لن تقوم إلا على أفواه البنادق وعلى جثث الشهداء , فلنشد على أيديهم وندعمهم بالمال حتى يمن الله عليهم ويفتح لهم نصرا مبينا وما ذلك على الله بعسير .
· كاتب مصري إسلامي.
· للتواصل مع الكاتب:
Mdaoud_88@hotmail.comهذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته
"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"
التعليقات (0)