بعد طول انتظار ومخاض عسير، جاء الفرج أخيرا ليتم الإعلان عن حكومة بنكيران في نسختها الثانية، ولأن عجائب ومفاجآت الزمن المغربي لا تنتهي، فقد كانت التشكيلة الحكومية الجديدة معبرة إلى حد بعيد عن استثناء مغربي في العبث السياسي. فريق يضم تسعة وثلاثين وزيرا (حتى في الصين لا نجد مثل هذا العدد)، بينهم تسعة من " التقنوقراط " في حكومة تقدم للمغاربة على أنها ائتلاف من أربعة أحزاب سياسية، وكل هذا في ظل دستور 2011 الذي يوصف بالمتقدم والديموقراطي.
قرار انسحاب حزب الإستقلال من الحكومة أعلن عنه في شهر ماي الماضي. ومنذ ذلك الحين دخل عبد الإلاه بنكيران في مفاوضات العهد الحكومي الثاني، حيث كان واضحا بالإستناد إلى مسار العملية التفاوضية أن الوافد الجديد للبيت الحكومي هو حزب التجمع الوطني للأحرار الذي كان حتى وقت قريب بمثابة " العدو الأول" للبيجيدي. حيث وصل الأمر في وقت من الأوقات إلى ملاسنات شخصية بين قيادتي الحزبين... وبما أن السياسة لا تؤمن بعداوات أو صداقات دائمة، فإن استوزار مزوار كان على هذا المستوى منتظرا وعاديا، لكن ما ليس عاديا ولا مقبولا في كل الأعراف الديموقراطية هو مشاركة الأحرار في الحكومة من أساسها. فالتحالف الجديد يبلد المغاربة ويحتقر الاختيارات التي أسفرت عنها صناديق الإقتراع. إذ كيف يمكن استساغة تحالف بين قوتين حزبيتين بمرجعيتين متباعدتين وبرؤيتين متناقضتين؟. وما الجدوى من العملية الإنتخابية برمتها إذا كان تشكيل الحكومة يفصل على مقاسات الكوطا؟.
لقد بدا واضحا أن طول الفترة التي انتظر خلالها المغاربة هذا التعديل، لم يكن راجعا إلى اختلافات حول الرؤى والبرامج بين الحزبين الأساسيين في الفريق الحكومي، بقدر ما كان سببه هو الإختلاف حول توزيع الحقائب (أو الغنائم) الوزارية على الأرجح. والنتيجة: وزارات متداخلة في الإختصاصات ومسؤوليات غير واضحة، لأن إرضاء الشركاء كان هو الهاجس الأول لبنكيران الذي وجد نفسه محاصرا ومطالبا بتقديم كثير من التنازلات، فتفتقت عبقريته عن إبداع مهام وزارية غريبة وغير مفهومة لتوسيع العائلة الحكومية. وخلق ستة مناصب جديدة في حكومة تضم وزارة تعنى بالحكامة، يؤكد أن السيد بنكيران يحفظ جيدا المثل العامي القائل: " زيد الشحمة فضهر المعلوف"، ويعمل به أيضا.
وبالحديث عن الزيادة التي يبدو أنها اللغة الوحيدة التي يفقهها بنكيران، تزامن الإعلان عن الطبعة الثانية من الحكومة مع قرار أرباب المخابز بالرفع في سعر الخبز بين 10 و30 سنتيما... فبعد الزيادات المعلنة التي طالت بعض المواد الإستهلاكية كالحليب والبنزين، أصبح المواطن المغلوب على أمره مطالبا بزيادة جديدة في مادة حيوية لا غنى عنها في تقاليد الأمن الغذائي للمغاربة. وكل هذا يحدث بسبب السياسات اللاشعبية التي يمضي بنكيران قدما في إقرارها، والتي مثل القرار الأخير بالعمل بنظام المقايسة في إطار إصلاح صندوق المقاصة أخطر تجلياتها. ومع ذلك لا تجد الحكومة حرجا في استغباء المواطنين وتزييف حقائق السوق، وذلك بالترويج للمقايسة في الوصلات الإشهارية والبرامج التلفزيونية التي يشاهدها المغاربة، وهم يدركون ويعيشون بوضوح تأثير الزيادات الأخيرة في المحروقات على قدرتهم الشرائية.
إن السياق الإجتماعي والإقتصادي الذي يعرفه المغرب يفرض تدابير عملية لتجاوز الأزمة والإستجابة لنبض الشارع ومطالبه، لذلك يعيش المغاربة باستمرار مع كل " دخول " سياسي جديد على الأمل والانتظار. لكن يبدو أن النخبة السياسة في بلادنا تعيش في كوكب آخر. وقد كشفت الخمسة أشهر الماضية على الأقل عن هدر كثير من الوقت في مفاوضات حركتها الرغبة في تحقيق امتيازات شخصية أكثر من الحفاظ على المصلحة العامة. أما الرهانات والتحديات الكبرى التي يواجهها البلد، فإنها تتفاقم يوما بعد يوم، ومع ذلك يراد لنا أن نردد لازمة " العام زين" إلى أجل غير مسمى.
محمد مغوتي. 11 – 10 – 2013.
التعليقات (0)