مواضيع اليوم

الحكومات العربية وشعوبها من منها اكثر تخلفا

عمادالدين رائف

2009-07-06 16:21:36

0


اثار عدد من الزملاء سواء بشكل مباشر او غير مباشر قضية العلاقة بين الحكومات العربية وشعوبها، وغالبا ما يلقى باللوم على الحكومات في تخلف الشعوب، ويذهب البعض الى تبرئة الشعوب من اي مسؤولية عن التخلف الذي ترتع فيه اجيالا وراء اجيال.
وليس من الممكن في مقال صحفي ان يتناول المرء كافة الجوانب التي توضح مسؤولية الشعوب عن اوضاعها المزرية .. كما ان التركيز على مسؤولية الشعوب لا يعفي الحكومات من مسؤولياتها .. لكن بالنظر الى الاتهام الذي وجهه لي احد الاخوة المحترمين ضمن مجموعة من الاصدقاء وكان فحواه ان هذه المجموعة تزدري الشعوب وتداري الحكومات وفي ذلك قول ينقصه الدقة والموضوعية، وطال الاتهام اساتذة كبار من امثال الدكتور طارق حجي وشامل عبد العزيز وشاكر النابلسي تصريحا وغيرهم تلميحا، وجدت من الضروري نشر بعض الحقائق التي تشير الى المسؤولية الكبرى التي تتحملها شعوب بلادنا في دوام المأساة التي ترزح فيها.
ولا ادعي انني في هذه العجالة استطيع تسليط الضوء على جوانب لها من الاهمية ما يوضح لماذا يجب نقد السلوك الاجتماعي للشعوب وتوجيه اقصى عبارات النقد للمنطق الفكري السائد في اوساطها، وتسليط الضوء على امراضها التي يصعب حصرها في اقل من دراسة علمية رصينة، وارى من الضروري التاكيد على ان هذا الموقف لا يعني ابدا اشاعة الاحباط في صفوف الجماهير بقدر ما يهدف الى تحفيز الهمم، وشد ازر من يمكن تسميتهم بالمناضلين من اجل رفعة شأن شعوبنا وبلادنا، دون ان يعني ذلك باي حال من الاحوال تبرئة ساحة الحكومات من مسؤوليتها عما تعانيه بلادنا وشعوبنا من تخلف وترد وهوان.
والنموذج الذي اتعرض له في هذه المقالة هو عبارة عن عمل ميداني قمت به شخصيا واخذ مني حوالي سنة ونصف في الميدان زرت خلاله 14 دولة عربية وقابلت خلالها جميع المسؤولين عن الشؤون الاقتصادية والتجارية في تلك البلدان، كما اخذ مني وفريق كامل على رأسه الاخت العظيمة نجاح بدران والاخت القديرة ايمان الخطيب نحو ثلاثة سنوات دراسة وبحث وتخطيط وهذا العمل اسمه برنامج تنمية التجارة البينية العربية.
ويهدف برنامج التنمية هذا كما يشير اسمه الى تعزيز التبادل التجاري بين الدول العربية مما يوفر اسواقا جديدا للمنتجات العربية او توسعة الموجود منها.
وكان لتحقيق هذا الهدف الكبير لا بد من ان تظلله مظلة عربية كبيرة فوجدنا بجامعة الدول العربية افضل من يتبنى هذا البرنامج. وقمت بمقابلة السيد عمر موسى في عام 2004 ثم قابلت السيد الدكتور احمد جويلي الامين العام المساعد السابق للشؤون الاقتصادية.
وقد رحب السيدان بفكرة البرنامج وخصوصا الدكتور جويلي وابدى استعداده لدعم البرنامج بكل الامكانيات ، ورتبت ادارته لقاءات لممثلي البرنامج مع العديد من المنظمات التابعة لجامعة الدول العربية ، وبذلت الاختان نجاح وايمان مجهودات مضنية في التنقل والسفر لعرض البرنامج ، الذي نال استحسان جميع المنظمات والمؤسسات التي التقت بها الاختان.
ثم تم ترتيب زيارات وبرنامج للقاءات المسؤولين في الدول العربية للاجتماع بوزراء التجارة والصناعة والاقتصاد ، وكذلك برؤساء غرف التجارة والصناعة وكذلك مع بعض النقابات ذات الصلة بالصناعة بالاضافة الى زيارات للمصانع واللقاء باصحابها او من ينوب عنهم
ولا يسعني بهذه المناسبة الا ان اوجه الشكر والتحية والتقدير لكل رجالات الدولة الذين قابلتهم في 14 دولة عربية وكذلك لرؤساء غرف التجارة والصناعة الذين ابدوا اهتماما كبيرا بالبرنامج وتعهدوا بتقديم كافة التسهيلات اللازمة وكثير منهم طلب ان يكون مقر البرنامج في بلدانهم وان تكون تكاليفه على نفقة حكوماتهم.
ونزلت الى القطاع الخاص والمصانع الخاصة بروح وثابة وحماس شديد مسنودا ومدعوما بموقف المسؤولين الحكوميين وعزمهم على دعم فكرة البرنامج.
ولم اكن اتوقع ان اصادف مفاجأة افزعتني مضمونها عدم ترحيب اصحاب المصانع بالفكرة، علما بانها لا تلزمهم باي شيء على الاطلاق لا التزامات مالية او ادبية او قانونية او حقوقية انها تلزمهم فقط بقائمة اسعار صالحة لمدة 3 اشهر فقط لهم الحق بتعديلها او الابقاء عليها بعد 3 اشهر.
فيما برنامجنا مليء بالخطوات العملية ومليء بالاغراءات الفعلية منها زيادة صادرات المصنع، وترويجه اعلاميا وترويج منتجاته في معظم الدول العربية، وقد توصلنا في وقت لاحق الى ان تقوم بعض مؤسسات جامعة الدول العربية باعفاء الصادرات التي تتم عن طريق البرنامج من الكثير من الرسوم، الى جانب وضع منتجات المصنع على الويب سايت الخاص بالبرنامج وامكانية تسويقها عبر الشبكة وايضا تسهيلات في التنقل وعمل الفيزا وحجز الفنادق وقاعات الاجتماعات وتزويد المصدرين باسماء الشركات المستوردة والعكس. وكل ذلك دون اي مقابل سوى تقديم قائمة اسعار بمنتجات المصنع مميزة للبرنامج حتى تكون جذابة لفتح اسواق جديدة ومنافسة لمثيلاتها من منتجات الدول الاجنبية.
لكن المفاجأة بل الصاعقة كانت عندما كنت اجد نفسي متهما من قبل صاحب المصنع وهو يسأل اسئلة مثل " وما هي مصلحتكم من وراء هذا البرنامج؟" او " من ورائكم ومن يدعمكم ..؟" ا وان يذهب البعض الى حد الاتهام بالارتباط باجهزة استخباراتية اجنبية . .. فالبعض لم يخجل من القول ان مشروعا كهذا لا بد وان وراءه جهات عدوانية مثل الموساد الاسرائيلي او السي اي ايه ..
واعتبر بعض اصحاب المصانع ان اسعار منتجاته سرا لا يبوح بها لأحد ، وكثيرون رفضوا لفكرة من اساسها وقال بعضهم انها فكرة جيدة لكنها لا يمكن تطبيقها في العالم العربي ، لان الثقة معدومة والعراقيل كثيرة وان العرب لا يحبوا بعضهم بعضا وان المستهلك العربي يفضل المنتج الاجنبي على المنتج العربي.
كثيرة هي التفاصيل التي يستحيل ذكرها في هذه العجالة لكن مؤداها باختصار انني اكتشف ان الشعوب العربية بحاجة الى برنامج لتنمية الثقافة قبل برنامج لتنمية التجارة.
وللاسف الشديد اكتشفت في الميدان وبالملموس وبكل وضوح ان الحكومات العربية اكثر تطورا بمراحل من شعوبها، وانها اكثر ادراكا بالمسؤولية، وانها اكثر استعدادا لخوض تجارب حتى لو كانت حالمة .
لكل من يعتقد ان ما ذكرته تشكيكا بشعوب العرب ان يحاول ان يقدم شيئا عمليا ولو بسيطا جدا بشكل واقعي وحقيقي وفي الميدان، وليس خطابات رنانة ومقالات طنانة
ولا اريد ان استشهد بمقولة "كما تكونوا يولى عليكم ، فالحقيقة التي اكتشفتها بالميدان هي ان من هم اولياء على شعوبنا يحاولن الارتقاء بمن هم مولون عليهم الى مستواهم.
ولا شك ان الخلاف بالراي لا يفسد للود قضية.
ابراهيم علاء الدين
alaeddinibrahim@yahoo.com


 


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !