الحكم بغير ما أنزل الله : ؟
بقلم : محمد بن عمر- عضو اتحاد الكتاب التونسيين و مؤسس دعوة الحق الإسلامية
فقوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) جاء عاما لكل أمة ، فكل من لم يحكم بما أنزل الله فى التوراة أو الانجيل أو القرآن يحكم الله عليه بالكفر والظلم والفسوق ، وذلك هو حكم الله عليه يوم القيامة ، وذلك شأن يخص الله وحده ، والله تعالى هو الذى يحاسب عليه .
فالله تعالى أنزل الدين كتابا سماوي سواء كان التوراة أو الإنجيل أو القرآن ولم ينزل مع الكتاب السماوي سيفا أو مدفعا. وإنما أنزل في الكتاب تقرير الحرية للبشر فى أن يؤمنوا أو يكفروا. وفى مقابل تلك الحرية الدينية هناك يوم للدين اسمه يوم الدين أو يوم الحساب حيث الثواب و العقاب . والله تعالى هو مالك يوم الدين و لا يشرك فى حكمه أحدا.. فلا مجال لأحد لأن يتقمص ذات الله ويتحدث باسم الله فيتهم من يشاء بالكفر ويلقى بمن يشاء فى الجحيم اذا اختلف معه سياسيا أو دينيا ..
وبعيدا عن سياسة التكفير فى العقائد ـ التى نرفضها انطلاقا من كون أي حكم بشري يكون على فعل بشري قد تم فعلا و ظهرت آثاره أما الكفر و الإيمان فهو فعل قلبي لا يقدر على معرفته معرفة يقينية غير الله عز وجل و لذا نترك الحكم فيها لرب العزة جل وعلا يوم القيامة فيما نحن فيه مختلفون ـ فإننا نقرر أن الحكم بغير ما أنزل الله منهج سار عليه سلف هذه الأمة منذ أن تأسس فيها الحكم العضوض القائم على القهر والاستبداد فى الخلافة الأموية والعباسية والفاطمية وغيرها ، وفى ذلك المناخ تمت صياغة نوع من التدين يخدم الحاكم المستبد ويجعل بيده قتل و سجن من يشاء باسم الشرع .. وورثنا ذلك الإفك على أنه شريعة
الله .. ودين الله بريء من تلك الأحكام التى ما أنزل الله بها من سلطان .
ومن أسف فان التيار الدينى الذى انشغل بالسياسة ليس لديه من الثقافة الدينية مايمكنه من تمحيص ذلك التراث ليعرف الحق منه ، والنتيجة أنهم يطالبون بحكم لم ينزل الله تعالى به سلطانا ، فحد الردة حكم بغير ما أنزل الله ، وحد الرجم حكم بغير ما أنزل الله ، وحد شرب الخمر حكم بغير ما أنزل الله، وحكم تارك الصلاة حكم بغير ما أنزل الله ... وفيما عدا حكم شرب الخمر فان القتل هو عقوبة لكل تلك الجرائم عندهم مع أن الله تعالى جعل عقوبة القتل فى القصاص فقط ونهى عن قتل النفس التى حرم الله الا بالحق القرآنى وحده فقال فى سورتى (الأنعام والاسراء) (ولاتقتلوا النفس التى حرم الله الا بالحق). وجعل جريمة الافتاء بقتل نفس خارج القصاص مثل جريمة قتل الناس جميعا ، وجعل فضيلة من يعارض تلك الفتوى مثل الذى يحيي الناس جميعا ، يقول تعالى ( من أجل ذلك كتبنا على بنى اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) (المائدة 32 ).
وفى القتال فى سبيل الله الذي لا يجوز خارج راية الدولة الإسلامية دولة التوحيد نرى ملامح القصاص أيضا، فليس فى الحرب فى تشريع القرآن أى نوع من الاعتداء. بل هو رد للاعتداء بمثله . أى قصاص، يقول تعالى : (وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين ) والحرمات قصاص : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) (البقرة 190 194 )
وفيما عدا ذلك أوضح القرآن أن عقوبة الزنا هى الجلد ، وليس الرجم، وحدد عقوبات السرقة والقذف وقطع الطريق والشذوذ الجنسى. وهى أمور تخص حقوق العباد وتعمل على ضبط التعامل بين البشر.
أما حقوق الله تعالى صلاة وحج وايمان وعبادات فليس لبشر أن يتدخل فيها بالثواب أو العقاب وإنما هى لله تعالى وحده يجزى عليها فى الدنيا والآخرة..
وذلك هو حكم الله تعالى فى القرآن .
إلا أن الحكم الكهنوتى الذى عرفه المسلمون بالمخالفة للإسلام جعل الحاكم متألها ينشىء أحكاما يشارك بها الله تعالى فى شرعه ودينه .
وحين ظهر التيار الدينى السياسى أخذ ينادى بالعودة إلى العصور الوسطى ويتهم الدولة بأنها تحكم بغير ما أنزل الله ، مع أنه يطالب بتطبيق شريعة معظمها أحكام بشرية لفقهاء مختلفين متشاكسين ، وأحكامهم ما أنزل الله بها من سلطان .
القرآن الكريم هو المعيار الوحيد في حياة المسلمين:؟
القرآن المجيد هو الفيصل الوحيد في كل التشريعات التي تهم حياة المسلمين : ؟
إن تعطيل حد السرقة في عهد عمر يعتبر اجتهادا منه لا غير و نحن في العصر الحديث لسنا مجبرين على اعتماد تجارب السلف و كيفية تعاطيهم مع التشريع الإلهي الذي هو تشريع أزلي شرعه الله لكل الأنبياء عليهم السلام و الذي تؤكده عشرات الآيات مثل قوله تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ... سورة الشورى الآية 13 و حتى تعاطي الرسول الكريم مع الوحي الإلهي يعتبر تعاطيا ظرفيا متغيرا يمكننا الاستفادة منه لا جعله شرعا منزلا كما تذهب أنت و كل الإسلاميين في العصر الحديث ..؟ فبنص القرآن المجيد: " تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و لا تسألون عما كانوا يعملون " سورة البقرة .
و كل ما تركه السلف يمكن الأخذ منه أو رده في حالة عدم مخالفته النص القرآني الأزلي الذي يبقى المعيار الوحيد في صحة العمل من بطلانه.. فلو وجدنا في الكيفية التي قام بها الرسول الكريم لأداء مناسك الصلاة أي قول أو فعل يخالف كلام الله من دعوة للتسبيح و ذكر الله ذكرا كثيرا و من ركوع و سجود فهو رد من وجهة نظرنا مهما كان سنده صحة أو ضعفا .
و الله إني لأعجب كيف تبحثون عمن تأخذون الأحكام و التشريعات الإسلامية و ليس فيها حكم غامض بل يكفي أن تستنيروا بآيات القرآن المجيد و تستعرضون أي سلوك أو عمل لتدلكم آيات القرآن عن مدى مشروعية أي عمل ، و قلب المؤمن "خبيرو" كما نقول في العامية
أما رجال الكهنوت "فيغمضون" ما كان واضحا قصد المتاجرة بآيات الله لا غير.
التعليقات (0)