اصدر العاهل السعودي الملك عبدالله قرارا يعد المرأة بالتعيين في مجلس الشورى الاستشاري والمشاركة كناخبة ومرشحة في انتخابات مجالس البلدية عام 2015. واستقبلت أغلبية نساء السعودية الخبر بالفرحة العارمة، حيث اعتبر القرار مرحلة تاريخية جريئة، رغم رغبة البعض بتفعيله الآن وليس في المستقبل. وظهرت بعض الاصوات المشككة في جدوى مثل هذه القرارات وتأثيرها في تمكين المرأة على ارض الواقع، خاصة ان اهتمامات المرأة السعودية وحاجاتها الملحة تتجاوز التعيين في مؤسسات الدولة وتتطلب تغييرا جذريا للقوانين التي تتعلق بالشأن النسوي وحقوقهن المدنية والشرعية المغيبة. وبعيدا عن التأييد او المعارضة والتشكيك نطرح سؤالا مهما يتعلق بعلاقة الحكم التسلطي مع المرأة، خاصة عندما يمتطي هذا الحكم قضاياها ويطرح نفسه ناصرا ومؤيدا لحقوقها قامعا لتهميش المجتمع لها، وفي بلد كالسعودية حيث تجد الاغلبية الساحقة من المجتمع نفسها مغيبة عن القرار في ظل ملكية مطلقة ذات رؤوس متعددة تعتمد على مبدأ الزبونية وحلقاتها لترسخ ولاء المجتمع لها، لماذا فجأة طرحت القيادة السعودية نفسها وكأنها قائدة لحركة نسوية تصارع بطركية المجتمع، ومن وصف بالمكابرين المتشددين في اقصاء المرأة وتهميشها. ولماذا يصبح النظام التسلطي منذ اكثر من عقد مضى يطرح قضية المرأة وكأنه يعيش هاجسها ومصاعبها ويتعاطف مع قضاياها.
ويبدو ان النظام السعودي قد التحق بطيف سابق من الملوك والرؤساء الذين تبنوا قضية المرأة واعتبروا نهضتها جزءا من مشروعهم السياسي، ونذكّر هنا بأتاتورك وتسلقه على ظهر قضية المرأة الى شاه ايران الذي هو ايضا تبنى المرأة مرورا بطغاة العرب في القرن العشرين البائدين والحاليين وكلهم وجدوا في المرأة قضية تطرح كجزء من مشروع سياسي اكبر من المرأة واهم منها، الا وهو شرعية هؤلاء المبنية على القمع وتهميش المجتمع بنسائه ورجاله. وان كان النظام السعودي قد تأخر في اللحاق بالقافلة الا انه اليوم يدخلها من باب عريض وقد كان تأخره يعكس المرحلة التاريخية التي عاشها المجتمع ولكنه اليوم التفت الى قضايا المرأة ونذر نفسه محررا لها من قوى التهميش. وهناك عدة اسباب لهذا التحول المرحلي في مسيرة النظام السعودي، اولا: من خلال قضية المرأة يستطيع النظام السعودي ان يجني الربح الكثير بثمن رخيص خاصة على الصعيد الدولي، والكل يعلم ان الدولة السعودية تعتبر حسب المعايير الدولية من اكثر الدول اضطهادا للمرأة بقوانينها واقصائيتها. تصدر الملك عبدالله الدفاع عن حقوق المرأة يستجدي شرعية دولية فقدتها السعودية في نظر المجتمع العالمي، كونها متأخرة عن الاتجاه العالمي المطالب بتمكين المرأة، فبعد ساعات من الاعلانات الاخيرة في السعودية، اثني على النظام طيف كبير من زعماء الغرب المحرجين امام جمهورهم بسبب علاقتهم الوطيدة مع نظام قمعي كالسعودي، ففرحت كلينتون وصفق ساركوزي ومدح هيغ، وكأن السعودية فكت الحصار عن شعبها وكسرت اكبر حاجز في وجه تحوله الديمقراطي. وقد رضي الغرب وزعماؤه المذكورون بثمن بخس وكل ما في الامر مجموعة كراسي اضافية لمجلس فاقد للصلاحيات او اصوات في بلديات فاشلة لم تقدم ما تتطلبه البيئة التحتية للمدن.
ثانيا: من خلال خطاب تمكين المرأة يحاول النظام توطيد علاقة زبونية مع الشرائح النسائية فتصبح هذه الشرائح المدافعة المستميتة عن النظام، ولن نستغرب ان يعين النظام امرأة لتكون ناطقة رسمية باسمه، خاصة في مخاطبة الغرب وربما تكون الشخصية هذه سليلة الامراء او من عامة الشعب، المهم هو ان القوة الناعمة قد تنجح اكثر من الوجه الذكوري السعودي في تنميق قواعد القمع والتستر عليه وبذلك تلتحق السعودية بنظيرتها الانظمة العربية التي سبقتها في ابراز الوجوه النسائية كناطقة باسم انظمة القمع والاستبداد. ومن خلال تمكين عدد قليل من النساء يحاول النظام السعودي ان يتجاوز صورته السوداء في العالم الغربي والعربي والاسلامي. ثالثا: تسوية النظام السعودي تمكنه من اشراك المرأة في حربه مع معارضيه، خاصة التيار الاسلامي المتردد في تقييمه لمثل هذه الاصلاحات المزعومة. والحرب القائمة على قضية الاختلاط وسياقة السيارة التي يشنها بعض الشخصيات الدينية كغطاء لمعارضة سياسية في اصلها تجابه اليوم، ليس من قبل النظام، بل بجنود جدد يعتقد النظام انه حاميهم ومدافع عنهم. تحول نسوية النظام من دولة تشارك في تهميش المرأة بقوانينها الى دولة تساند المرأة ضد ما يوصف بشرائح متخلفة يعيش في القرون الوسطى. وعندما يمتطي النظام قضية المرأة يحولها الى جندي من جنوده تستميت في الدفاع عنه ضد معارضيه من كل الاطياف السياسية فيكسب النظام مرتزقة جديدة من دون ان يكلفه ذلك ثمنا باهظا يخرج عن المألوف.
رابعا: بعد ان اثبتت المرأة السعودية انها دخلت مرحلة جديدة في حراكها الذي انتقل من كتابة المقال الى الحراك الالكتروني والحقيقي في الشوارع، خاصة في ظل الربيع العربي الذي شجع الكثير من النساء على الخروج الى الشارع بتظاهرات سلمية ولو كانت صغيرة للمطالبة بحقوق مشروعة، مثل العمل والدراسة وحقوق الانسان، خاصة المساجين الذين يقبعون في السجون السياسية السعودية من دون محاكمة كل هذا الحراك الحقيقي يخيف النظام السعودي بسبب انه جديد على البيئة ولن يقمع بسهولة من دون دفع ثمن باهظ، لذلك نجد النظام يستبق الامور ويستقطب الحراك النسائي تحت مظلته حتى لا يخرج عن السيطرة ويحرج النظام ويربكه امام شعبه وامام العالم الخارجي. تعد نسوية النظام باحتواء الحراك النسائي الذي شطح شطحات كبيرة خلال السنة الماضية وقد يتطور الى سقف عال لن يستطيع النظام بعدها ان يتعاطى معه بسهولة. وخامسا: نعتبر ان مناصرة المرأة شعاراتيا وشكليا لا ينقص او يهدد الحكم التسلطي مباشرة، بل بالعكس يصب ذلك في مصلحة النظام ذاته خاصة اذا كان النظام يعتمد على بطريكية سياسية ويمزج بين التسلط والابوة في سرعة بهلوانية هدفها التضليل والمراوغة، فالتسلط يتحول الى قيادة فوقية هرمة تستحضر السمع والطاعة تماما كما يحصل بين الاب وابنه.
لهذه الاسباب نعتقد ان النظام السعودي بدأ مناصرة المرأة شكليا واعلاميا مع بعض الاجراءات الايجابية في مجال التعليم والبعثات وتوفير فرص العمل. ولكن نطرح ايضا سؤالا ثانيا يتعلق باسباب خلفية تدفع المرأة لان تصدق الحكم التسلطي وتضع نفسها طواعية تحت مظلته كزبونة جديدة وقفاز ناعم من قفازاته. يجب ان نعترف ان تخاذل المجتمع الذكوري وعدم اجماعه على قضية حقوق المرأة يدفع هذه الاخيرة الى الارتماء في احضان الدولة القمعية، كذلك انعدام القدرة على التنظيم النسائي في اطار جمعيات نسائية مستقلة تكون جزءا من المجتمع المدني المستقيل يترك المرأة من دون اي خيار سوى اللجوء الى النظام، الذي هو السبب الرئيسي في تردي الحقوق المدنية والسياسية وقمع المرأة والرجل معا. ورغم ان بعض النساء يحاولن التخلص من بطريكية المجتمع والحد من سلطتها الا انهن يجدن انفسهن يدخلن تحت سلطة بطريكية الدولة وهيمنتها القانونية والسياسية والاجتماعية. وهروب المرأة من حلقة تسلط رجال المجتمع يجعلها تهرب الى حلقة تسلط اقوى من النساء والرجال معا، وقد تجد المرأة صعوبة في محاربة أبوة الدولة وتسلطها، خاصة ان هذه الابوة تختلف عن الابوة المعروفة والقابلة للنقاش والحوار والكسب في معارك عائلية الا ان المعركة مع الدولة قد تكون طويلة وشاقة لا مكان فيها لعاطفة او حنان. ومن هنا يجب ان تحذر المرأة من مرحلة نسوية النظام، خاصة ان هذا النظام يفتقد لسيادة القانون ومعايير الشفافية وهو لا يزال قائما على علاقات مشخصنة بين الحاكم والمحكوم وليس على مبدأ سيادة المؤسسات الممثلة للمجتمع. ومن هنا تكمن الخطورة في دخول المرأة الى حلقات زبونية شخصية مع النظام التسلطي، حيث ستواجه طيفا كبيرا من المخاطر المعروفة في مجتمع لا يزال يرتاب من علاقات جديدة بين متسلط وضعيف تكون المرأة محورا لها. وقد تتعرض المرأة للابتزاز وأسوأ من ذلك في ظل انعدام سيادة القانون والشفافية. ونعتقد ان مرحلة نسوية النظام الجديدة هذه سيستفيد منها النظام اكثر من المرأة وان تم تعيين بعض الوجوه النسائية في مجلس الشورى فسيكون هذا امتدادا لسلطة الرجال الذين يحكمون السيطرة على مفاصل الدولة التكنوقراطية والبيروقراطية، وستظل غالبية النساء تتساءل عن جدوى ذلك ومدى تأثيره على مسيرة امورهن الحياتية ووجود امرأة في رأس المؤسسات ليس ضمانة لتمكين مجمل النساء، حيث تنبثق منافسات بين النساء انفسهن على مجالات جديدة ضيقة جدا، ومن وصل من النساء القلائل قد يعمل جاهدا على اقصاء الاخريات للحد من المنافسة على مواقع قليلة جدا ولن تحتوي شرائح كبيرة في المجتمع، خاصة في ظل الوضع السعودي الراهن، والمرأة لا تمثل كل النساء بل ربما هي تمثل طبقتها الاجتماعية وتدافع عن مصالحها مما يجعلها تصطدم بطبقات نسائية اخرى ومطالبها. من هنا يجب الحيطة والحذر من قبل النساء قبل ان يرتمين في احضان الحكم التسلطي ونسويته الجديدة، وان كانت هناك علاقة عشق حميمة بين الديكتاتور والمرأة قديمة في تاريخها الا انها تتجدد كل يوم وقد لحقت السعودية بالحلقة المفرغة مؤخرا لتصبح قضية المرأة شرعية النظام الحالية.
كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية
د. مضاوي الرشيد
التعليقات (0)