الحكمة من الذبح واشتراط إنهار الدم. بقلم بوجمعة بولحية. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد. أيها الإخوة الكرام إن الهدي والأضحية والعقيقة، والثلاثة من النسك. والأضحية من النسك التي عرفت في شرع السابقين. ولقد شرع الله لأمة الإسلام عيد الفطر وعيد الأضحى، وهما من شعائر الإسلام، وشرع سبحانه للمسلمين التقرب إليه في عيد الأضحى بالذبح وهو من أحب الأعمال إلى الله يوم النحر، فهو قربة يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه، وينبغي لمن أراد أن يضحي أن يعلم أن هذه الأضحية قربة إلى الله فلابد أن تكون خالصة لوجهه سبحانه، وأن تتحقق فيها الشروط التي وضحها المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولقوله سبحانه وتعالى: "ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ". السؤال الذي يجب ان نطرحه اليوم - كأولوية - وان نوجه اليه نقاشاتنا العامة هو: ضوابط وشروط الذبح الشرعي.وما هو حد الصعق الكهربائي القاتل من غيره ؟ وما الذي يقلق المسلمين منه ؟ ثم كيف نعيد اليهم الشعور بانهم يحصولون على اللحم الحلال ؟ وكيف لنا أن نعرف أن الخروف لم يقتله الصعق ؟ وهل توجد هناك علامة معينة ؟ لإن الحكم على واقعة ما يتوقف على معرفة جزئياتها ومكوناتها وحيثياتها، وشرح حالاتها، وعرضها على معاني الشريعة وقواعدها، ومبادئها ثمَّ تطبيق القواعد الكلية التي تناسبها، ومن ثمَّ إبداء الحكم عليها ؛ لأن للشريعة حكماً في كل واقعة تحدث من هذه الوقائع ، فما وافقها ولم يخالفها كان مقبولاً سائغاً، أما إذا خالفها فمردود، ولا يقال إن في هذا حرج وضيق ؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ ، ولا بد على العالم أن يبن حكم الشرع في أي مسألة حادثة ويتحرى حكم الشارع فيها ولا يكون همه إيجاد مخارج ، إلا أن يصل الأمر إلى حد يعتبره الشرع ضرورة. ومن القضايا الهامة التي فشت وانتشرت بين المسلمين في اوروبا وخاصة المانيا هو الحم المذبوح بالصعق الكهربائي، فقد أصبح المسلمون اليوم،يستهلكون كميات كبيرة من هذه اللحوم المذبوحة بالصدمة الكهربائية الذي يتوقف حِلُّها على توفر الصفة المشروعة في ذبحها، كلحوم الأبقار والأغنام والدجاج، وقد وقع المسلمون في اوروبا ـ لاسيما المحتاطون لدينهم ـ في تردد وحيرة من أمر هذه اللحوم، هل توفرت فيها شروط وضوابط التذكية الشرعية أم لا؟! أن صعق الحيوان بالكهرباء قبل ذبحه قد يؤدي إلى قتل الحيوان إذا كان بدرجة عالية ، وقد يفقده الوعي من غير قتل إذا كان بدرجة خفيفة أو متوسطة . فإذا قتله لم يحل أكله لأنه ميتة باتفاق الفقهاء. وحرام الله تعالى أكل كل من الميتة, والدم,والمنخنقة, والموقوذة, والمتردية, والنطيحة, وما أكل السبع( إلا ما أدرك ذكاؤه أي إتمام ذبحه قبل أن يموت), ومن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم. قال الدكتور محمد الأشقر حفظه الله : " إن كانت الصعقة قاتلة فالحيوان موقوذ ، وإن كانت مفقدة للوعي دون أن تقتل ، فإن أُدرك الحيوان بعدها فذبح على الطريقة الشرعية حل ، وإن لم يذبح ولكن بدئ بسلخه وتقطيعه دون ذبح فإنه لا يكون حلالا " انتهى ."مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (العدد العاشر، بحث للدكتور محمد الأشقر بعنوان: " الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة ") . ويبقى السؤال : ما هو حد الصعق الكهربائي القاتل من غيره ؟ الجواب على ذلك بما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ، رقم (95) ، مستندا على تقارير الخبراء المختصين في هذه الشؤون : " الحيوانات التي تذكي بعد التدويخ ذكاة شرعية يحل أكلها إذا توافرت الشروط الفنية التي يتأكد بها عدم موت الذبيحة قبل تذكيتها ، وقد حددها الخبراء في الوقت الحالي بما يلي : 1- أن يتم تطبيق القطبين الكهربائيين على الصدغين أو في الاتجاه الجبهي - القذالي ( القفوي ) . 2- أن يتراوح الفولت ما بين ( 100 - 400 فولت ) . 3- أن تتراوح شدة التيار ما بين (75. إلى 1 أمبير ) بالنسبة للغنم ، وما بين (2 إلى 2.5 أمبير ) بالنسبة للبقر . 4- أن يجري تطبيق التيار الكهربائي في مدة تتراوح ما بين ( 3 إلى 6 ثوان ) ج- لا يجوز تدويخ الحيوان المراد تذكيته باستعمال المسدس ذي الإبرة الواقذة أو بالبلطة أو بالمطرقة ، ولا بالنفخ على الطريقة الانجليزية . د- لا يجوز تدويخ الدواجن بالصدمة الكهربائية ، لما ثبت بالتجربة من إفضاء ذلك إلى موت نسبة غير قليلة منها قبل التذكية . ه- لا يحرم ما ذكي من الحيوانات بعد تدويخه باستعمال مزيج ثاني أكسيد الكربون مع الهواء أو الأكسجين ، أو باستعمال المسدس ذي الرأس الكروي بصورة لا تؤدي إلى موته قبل تذكيته " انتهى . وبناء على ما سبق : فالصعق الكهربائي الذي يخالف الشروط الواردة في القرار السابق يعد وقذا ، لا تحل به الذبيحة ، فيجب على من يحتاج إلى هذا الأمر الاجتهاد في تحديد انطباق الشروط من عدمها.
وذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله علامة أخرى ظاهرة يُعلم بها أن الحيوان قد مات من الصعق أم تم ذبحه قبل الموت ، فقال : " إذا كان ينزل الدم بعد قطعه فمعنى ذلك أن الذبيحة لم تمت بالصعق ، إنما خُدِّرت ثم ذبحت ، وعلى هذا تكون حلالاً ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ) ولا يمكن أن يجري الدم الجري العادي إلا والذبيحة حية . أما إذا ماتت فإن الدم يتغير ويتخثر ، ولا يمكن أن يخرج ، اللهم إلا شيئاً يسيراً . وعلى كل حال إذا كان هذا الصعق الذي ذكرنه لا يصل بها إلى حال الموت فإن ذبحها قبل خروج روحها يعتبر تذكيةً شرعية ، لقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ) كل هذه الأشياء التي استثني منها ( إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ) وجد بها سبب الموت ، لا سيما المنخنقة ، فإنها أشبه ما تكون بالصعق الكهربائي ، ومع ذلك استثنى الله سبحانه وتعالى من تحريمها ما إذا ذكيت أي ذبحت قبل أن تموت فإنها تكون حلالاً ، وعلى هذا فيكون هذا الصعق وسيلةً لتسهيل الذبح فقط ، فإذا جرى الذبح عليها قبل خروج الروح فهي حلال ، أما إذا كان الصعق يؤدي إلى موتها فإنها لا تباح حينئذ " انتهى. "نور على الدرب" (فتاوى الجنايات/الأطعمة والذكاة والصيد) والله أعلم . وعلى كل حال لا يمكن لنا أبدا أن نحديد بدقة ضوابط الذبح بالصعق و هل يؤدي إلى الموت أم لا، لأنه تكون له قيمة صفر ومعدل صفر، وهذا مخالف لمبدأ عدم التاكد من ضوابط وشروط الذبح الشرعي لما ثبت بالتجربة من إفضاء ذلك إلى موت نسبة غير قليلة منها قبل التذكية . إذاً لابد أن تكون هناك ضوابط وشروط الذبح الشرعي. كما لا يمكن الاستغناء عنها . وتظهر الحكمة من الذبح لمراعاة صحة الإنسان ودفع الضرر عنه، بفصل الدم عن اللحم، فالدم المسفوح له ضرره على صحة الإنسان، فهو مرتع خصب للميكروبات والجراثيم، يقول الإمام النووي في الحكمة في اشتراط أنهار الدم: تميز اللحم والشحم من حرامهما وتنبيه على أن تحريم الميتة لبقاء دمها القبيح فيها. والحكمة في تخصيص الذكاة في المحل المذكور، وفي قطع هذه الأشياء الحلقوم ، والمريء، والودجان خاصة، لأن هذا المحل هو مجمع العروق، فيخرج الدم السيال من جسم المذبوح بغزارة ، ومن الحكمة أيضاً أن هذه الكيفية لها أثر في سرعة إزهاق الروح فيكون اللحم طيباً، وهذه الطريقة هي أخف على الحيوان. أما الذبح عن طريق الصدمة الكهربائية فلا يخرج منها الدم، ولذلك حرّم الله الميتة؛ لأنه لا يخرج منها دم.
التعليقات (0)