اللهم قد بلغت :
الحكامة تستوجب رفع اليد عن الأراضي السلالية
لماذا تماطل وزارة الداخلية؟
لقد تأكد بما فيه الكفاية وزيادة، أن مصلحة الجماعة وذوي الحقوق آخر ما يفكر فيها في نهج التدبير الذي تعتمده الوزارة الوصية. علماً أن أراضي الجموع من شأنها أن تشكل وعاء عقارياً لتعاونيات شباب عاطل بالمنطقة تساهم في خلق مناصب شغل هامة وثمينة محلياً، وكذلك تفعيل رواج تجاري يعود بالنفع على المنطقة وساكنتها.
فلا مندوحة الآن عن تطهير تدبير شؤون أراضي الجماعات السلالية بالمنطقة. فكفى من غض الطرف على هذا الملف الخطير الذي أنتج نهج تسييره، من طرف وزارة الداخلية، وضعية شادة، لم تعد إلا بالويلات على ذوي الحقوق والتنمية المحلية على امتداد عقود.
ومن مظاهر خطورة هذا الملف، أنه حالياً أضحى ينعكس سلباً على التماسك الاجتماعي والتنمية بالمنطقة.
لقد أدت التحايلات على القانون تحت إمرة الجهة الوصية، إلى تفتيت التضامن القبلي (الجماعة السلالية) وإهدار الثروة العقارية المحلية. وقد تراكمت سلبيات تدبير هذا الملف إلى أن أضحت تهدد الاستقرار الاجتماعي.
شكلت الأراضي التابعة للجماعات السلالية بالنسبة للقائمين على الوزارة الوصية مصدراً للغنى المتوحش السريع وغير المشروع، وعملة يداولونها الأوصياء لمكافأة الموالين والمطيعين للأوامر دون تمحيص. ورغم كل الفضائح العديدة التي تمّ الكشف عنها إلى حد الآن –والباقي سيأتي لا محالة- مازالت تتلكأ في تطبيق القانون الخاص بتلك الأراضي على علّته. سيما بخصوص انتخاب شفاف ونزيه لممثلي الجماعات السلالية، والذين –حسب القانون الجاري به العمل- عليهم أن يجيدوا القراءة والكتابة وأن لا يتجاوز سنهم الستون وينتخبون لمدة محددة. فهل حرصت فعلاَ الوزارة الوصية على تطبيق فحوى هذا القانون ولو تقدر؟
إن الواقع المعاش يفيد أن الجهة الوصية على أراضي الجموع، عملت على اختيار ممثلين لا تتوفر فيهم المواصفات المطلوبة حتى يظلوا بمثابة ألعوبة في يديها، وبذلك انحصرت مهمتهم الرئيسية –في عيونها- في المصادقة على كل ما تقرره، وأحياناً دون فهم المرامي والغايات.
لقد حرصت الجهة الوصية على اختيار تلك العناصر وتمسكت بها بالتواجد لاستدامتها في مركز تدبير الأراضي التابعة للجماعات السلالية ككومبرس وواجهة –سيما وأن مهامها هي:
القيام بتسيير أملاك الجماعة السلالية والسهر على توزيعها
التعرض على عملية تحفيظ المطالب فيها من طرف الغير
تمثيل الجماعة السلالية أمام القضاء في النزاعات
إبرام وإجراء عقود الكراء
إبداء الرأي في جميع المعاملات والصفقات التي تهم الأراضي السلالية
طبعاً يضطلع هؤلاء النواب بالمهام المنوطة بهم حسب النص القانوني تحت وصاية لصيقة لوزارة الداخلية.
والآن، وقد سقطت كل الأقنعة وانكشفت كل التلاعبات والجرائم الاقتصادية والاجتماعية التي طالت الأراضي التابعة للجماعات السلالية والتي لم يبق منها اليوم إلا النزر القليل جداَ –على الجهة الوصية أن ترفع يدها كليا على تدبير هذه الأراضي، خصوصاً وقد تأكد –بما لا تخامر المرء حبّ خردل من الشك- أن هذا القطاع ظل مرتعاً للفساد المستطير تحت إمرة الوصاية.
وعلاوة على هذا، إنّنا نعيش اليوم في عهد الديمقراطية والشفافية و "الشبابُقراطية"، لذا وجب انتخاب ممثلي الجماعة السلالية بشفافية ونزاهة واستناداً على الكفاءة والثقة والصدق خارج مظلة وزارة الداخلية التي دأبت على اختيار مجرد "كومبارس" مطيع، عوض تنصيب أشخاص عاهدوا الله على خدمة الصالح العام وتمكين كل صاحب حق من حقه- كما أن العالم القروي اليوم أضحى يتوفر على شباب واع، مثقف ومؤهل لتدبير شؤون الأراضي السلالية بما يخدم الجماعة والمنطقة وفي اتجاه يدعم التنمية المحلية وليس في اتجاه خدمة مصالح فئوية بقرارات مركزية دون علم أصحاب الحق أحياناً ومن وراء ظهورهم.
إن الوضعية الحالية تتطلب –على وجه الاستعجال وذلك في انتظار صدور قانون يقرّ يرفع يد وزارة الداخلية –انتخاب نواب جدد بشكل ديمقراطي ويتوفرون على قدرة مسؤولة وواعية للتصدي للنزيف والفساد اللذان يطالان النزر القليل المتبقي من الأراضي السلالية. وهذا لجعله، أولاً وأخيراً، في خدمة التنمية والاستثمار العائد بالنتيجة الأكيدة على ذوي الحقوق والساكنة والمنطقة بعيداً عن الحسابات السياسية والمصلحية الضيقة، مادام تأكد أنه منذ 1956 إلى الآن، انتشار الفساد في تدبير هذه الأراضي، مما أضحى يفرض فك الارتباط بين الوزارة الوصية وأراضي الجموع. وفي هذا الصدد يمكن أخد العبرة من تجربة التعاطي مع "الانتخابات التي بدأت تعطي ثمارها بعد فك ارتباطها بتدخل الوزارة.
فلم يعد يشك أحد أن نهج التدبير الذي اعتمدته وزارة الداخلية –كوصية- ظل يشكل أحد المعيقات الرئيسية أمام تحقيق التنمية المحلية المستدامة. كما شكّل آلية من آليات تكريس الجور والظلم –واضح المعالم- في توزيع الثروات الوطنية. وقد همّ هذا التدبير وانعكاساته أكثر من 12 مليون هكتار وما يفوق 15 مليون نسمة من ساكنة المغرب المنتمية لجماعات سلالية في مختلف مناطقه.
والحالة هذه، لم يعد من المقبول المزيد من الانتظار بخصوص إعادة النظر –كلّيا وجملة وتفصيلاً- في جلّ النصوص القانونية والتنظيمية والإجرائية والتدبيرية المرتبطة بالأراضي السلالية، وعلى رأسها ظهير 27 أبريل 1919 الذي ورثناه عن الاستعمار الغاشم. هذا علاوة على أن ملف تدبير هذه الأراضي بات يعتبر اليوم إحدى الجبهات الأمامية الرئيسية للتصدي للفساد كنهج تدبير شؤون البلاد والعباد.
ويتوجب أيضاً القيام بجرد كل من ساهم في التلاعبات التي طالت الثروة العقارية للمغرب، وطنياً ومحلياً، ومن مصادر هذه الثروة الأراضي السلالية والأراضي المسترجعة التي هي أصلاً أراض تعود ملكيتها للجماعة، وكان من الأولى إعادتها لأصحابها عوض هبتها بعد الحصول على الاستقلال. مما أدى إلى مركزة الأراضي، الأكثر خصوبة وجودة، بأيدي من لا علاقة لهم لا بالفلاحة ولا العالم القروي.
وهذا ما ساهم بدوره، منذ البداية، في تجريد الكثير من الفلاحين من أراضيهم وتقويض البنية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب المستقل. وها نحن اليوم مازلنا نحصد ثمار هذا الفعل.
ومن المعلوم أن أراضي الجموع ترجع ملكيتها للقبيلة وليس للفرد. ومن المفروض أن يتم استغلالها والانتفاع منها عن طريق "الجماعة" كوحدة وبنية تنظيمية.
لقد كانت الانطلاقة حسنة، إلا أنه سرعان ما تم الالتفاف عليها وبذلك سقطت الأحلام في الماء.
ففي فجر الاستقلال قامت الدولة بتوزيع جزء ضئيل من الأراضي المسترجعة في عهد حكومة عبدالله إبراهيم، حيث كانت بداية ثورة زراعية حقيقية، لكن مع الأسف الشديد سرعان ما توقفت وأجهضت بعد اغتيال الحكومة المذكورة. وبذلك أصبح الفلاحون الذين سلبت منهم أراضيهم في فترة الاستعمار غير مالكين ودون أرض، لأنها لم ترجع إليهم بعد الاستقلال. وهكذا اضطروا للعمل في أراضي آبائهم وأجدادهم كأجراء بعد هبتها أو تسليمها لفئة من المحظوظين والمقربين. هكذا فقد عاين المغرب فقدان علاقة الفلاح بأرضه، ومن هنا تناسلت كل المشاكل التي أصبحت اليوم معضلات مستعصية الحل، وعلى رأسها البؤس المستدام للعالم القروي.
وخلاصة القول إلى متى يظل العالم من حولنا يثَبُّ ويركض ونحن لإنزال نترنح ونتلفت في سيرنا ذات اليمين وذات الشمال؟
التعليقات (0)