الحقيقة
حقيقة الشيء ، هي أصله و جوهره و لبه و معدنه الذي يدل عليه عياناً أو عقلاً أو اعتباراً .. و الحقيقة هي أساس العلوم و عمادها الذي قامت عليه و لا زالت تقوم إلى الآن . و الحقيقة حسب التعريف المنطقي ، جاءت من الحق .. هي أيضاً اتفاق العقل مع نفسه بلا تناقض ، هنا يقال لها الحقيقة الصورية أو الذهنية . و الحقيقة تُحمَل أيضاً على الصح و الصواب و العقلانية و المنطق .
و في اللغة، حقيقة الأمر أي يقين شأنه ، و حقَّ الأمر أي صار واجباً و ثابتاً لا خلاف فيه ، و حقَّ الرجل الأمر ، أي أصبح على يقين منه . و الحق هو الواجب ، فعندما يقال حق عليك أن تفعل كذا و كذا ، أي واجب عليك . و من ذلك أيضاً الحقوق التي هي الواجب و الموجب .. الواجب على الشخص و الموجب له ( البعض يفهمها الموجب فقط ) أي هي الأمور المنطقية التي لا خلاف فيها و التي على الشخص القيام بها و أداؤها تجاه المجتمع أو الغير .. و ما يجب له من المجتمع و الغير و لا يمكن أو يجوز لأحد منازعته إياه أو نزعه منه .. الحقيقة مرتبطة بالعقل و حقيقة الشيء هي شرط وجوده و تحققه واقعياً أم منطقياً . و يقال أيضاً حقائق الأشياء أو الأمور ، أي قوانينها الدالة عليها و التي لا تتحقق إلا فيها و بواسطتها و بسببها و لا تقبل سواها . كالقوانين الفيزيائية و الرياضية و الكيميائية و غيرها من قوانين العلوم التطبيقية التي هي عبارة عن حقائق ثابتة لا تقبل التغيّر و لا التبدل و لا التحوير و لا التزوير أو التزويق و التنميق أو التلاعب .. فالعملية الحسابية ( 1 + 1 = 2 ) هي حقيقة منطقية ثابتة على مر العصور لا تقبل الجدل و لا النقاش و لا التلاعب ، و لا يمكن تغييرها بأي طريقة كانت ، و لا يمكن البرهان على عكسها أو تخطئتها .
و من الحقيقة جاء التحقق أي التثبت من أمر ما أو قضية معينة و خصمها إما بالقبول أو الرفض .. بالصحة و الصواب أو الخطأ و البطلان . و كذا الأمر التحقيق أي التمحيص و التدقيق وصولاً إلى نتيجة قاطعة ثابتة مؤكدة كالتحقيق من قبل البوليس مع شخص حول جنحة أو حادث معين تثبت فيه إما براءته أو إدانته .. أو تحقيق الكتب مثلاً أي إثبات صحة المعلومات الموجدة فيها و تدقيقها و تصويبها ، و تحقق عنده الخبر أي صحَ .
باختصار .. حقيقة الشيء أو حقائق الأشياء هي أصولها و ثوابتها الدائمة التي لا يمكن نقضانها أو تغييرها ، و هي الأصول التي يعتمد عليها في مجالات العلوم التطبيقية و الحياة العامة للوصول إلى الهدف النهائي . و لولا ذلك لما وصل الإنسان اليوم إلى ما وصل إليه من تقدم هائل في التكنولوجيا و العلوم التطبيقية الأخرى . و لو حاول الإنسان التزوير في هذه الحقائق أو ليّها و تحويرها إشباعاً لغريزة عاطفية معينة ، لما وصل إلى ما وصل إليه و لما كان الذي نراه الآن من تقدم و حضارة ، قد كان .. فالحقيقة أو الحقائق هي بالنهاية ثوابت عقلية و ليست مشاعر عاطفية .
و رغماً عن ذلك ، يتم التعامل الآن مع مفهوم الحقيقة بعمومياته المثلى أو قيمته المطلقة و مفهومه العام ، بشكل مغاير لمنطق التعامل ، ذلك إذا اعتبرنا هنا أن الحقيقة هي أحد أوجه الصدق و الأخلاق و الثابت الغير متحول .
فـ هنالك من يجهلها و هم كثر .
و هنالك من يتجاهلها و هم كثر .
و هنالك من يكرهها و هم كثر .
و هنالك من يحذرها و هم كثر .
و هنالك من يتحرج منها و هم كثر .
و هنالك من يخفيها و هم كثر .
و هنالك من ينكرها و هم كثر .
و هنالك من ينزعج منها و هم كثر .
و هنالك من يهرب منها و هم كثر .
و هنالك من لا يريدها و هم كثر .
و هنالك من يتجنبها و هم كثر .
و هنالك من تؤذيه و هم كثر .
و هنالك من هی تصدمه و هم كثر .
و هنالك من هو يصدم بها و هم كثر .
و هنالك من تجرحه و هم كثر .
و هنالك من يراها و يعمى عنها و هم كثر .
و هنالك من يحورّها و هم كثر .
و هنالك من يحرفها عن مواضعها الأصلية و هم كثر .
و هنالك من يبدلها و هم كثر .
و هنالك من لا يهمه أمرها و هم كثر .
و هنالك من يخاف منها و هم كثر .
و هنالك من لا يجرؤ على قولها و هم كثر .
و هنالك من هو مغَيّب عنها و هم كثر .
و هنالك من هي مغَيّبة عنه و هم كثر .
و هنالك من لا يتقبلها و هم كثر .
و هنالك من لا يطيقها وسعاً و هم كثر .
و هنالك من هو بعيد عنها كل البعد و هم كثر .
و هنالك من يدّعيها زوراً و بهتاناً و هم كثر .
و هنالك من هو جاهل بها و هم كثر .
و هنالك من لا يحتمل معرفتها و هم كثر .
و هنالك من يقلبها عكسها و هم كثر .
و هنالك من يخلطها بما هو غيرها و هم كثر .
و هنالك من يتاجر بها و هم كثر .
و هنالك من يتوهمها و هم كثر .
و هنالك من يطمسها و هم كثر .
و هنالك من يحاربها و هم كثر .
و هنالك من يقتلها و هم كثر .
و هنالك من يقولها و لا يعمل بها و هم كثر .
و هنالك من يدوسها بقوائمه الاثنين أو الأربع و هم كثر .
و هنالك من يفر منها فر الحُمر الوحشية من القسورة و هم كثر .
و هنالك من يلوكها بلسانه لا تبلغ حناجرهم و هم كثر .
و هنالك من لا يسطع لها فهماً و لا علماً و هم كثر .
و هنالك من يزعم حيازتها و هم كثر .
و هنالك من يزعم أنه ممثلها على الأرض و هم كثر .
و هنالك من يخدع الناس و يسوسهم بها و هم كثر .
و هنالك من يستعبد الناس بها و هم كثر .
و هنالك من يحتكرها لنفسه و هم كثر .
و هنالك من يبحث عنها كادحاً كدحاً لأجلها .. متجرداً من أي عاطفة أو تبعية فكرية ألا تبعية العقل و الاستبصار العقلي المنطقي .. متحملاً المشقة و الأذى و التعب و النبذ من المجتمع .. و أولئك هم القلة القليلة .
( وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (البقرة:42)
( لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) (الزخرف:78)
نزار يوسف
التعليقات (0)