الحقوق الملكية للخلق محفوظة للخالق
من خلال القراءة المتأنية لتاريخ الأمم والحضارات العديدة التي سبقتنا في التاريخ الموغل بالقدم وحتى يومنا هذا لم يدعي أحد أنه الخالق لهذا الكون متحدياً الحقوق والقوانين الملكية لله في خلقه للكون والبشر وما على الأرض وما بينها وبين السماء.
وفي الكثير من الأحيان يأتي من يدعي أنه إبن الله أو شريكه في الملك أو شفيع لديه أو مساعده مع إعترافه أن الله هو الخالق وهو الذي منحه تدبير بعض الأمور كالمناخ أو الرزق أو غيرها من الوظائف الأخرى كالحرب والمطر والري والزراعة.
إن فكرة الألهة المتعددة فكرة قديمة إنتشرت بين الحضارات السامية وغيرها من الحضارات التي تكونت على ضفاف الأنهر العظيمة مثل نهر النيل والفرات والكنج وغيرها من الأنهر والبحيرات العظيمة، ومن الملاحظ أن فكرة الألهة المتعددة تقوم على اساس عائلة إلهية تتكون من الأله الخالق وزوجته وأولاده وهم الذين يستلمون عن والدهم تدبير العديد من الوظائف التي اشرت إليها أعلاه، لذا فإن الثقافة الدينية لهذه الحضارات كانت تتقبل فكرة أن يدعي بعض الملوك أنهم نتاج لهذه العائلة الإلهية وبأن اباهم الخالق منحهم حقاً إلهياً لإستعباد هذه الشعوب وحكمها كما يشاؤن ودون إعتراض من العبيد الذين كانوا يقدمون الولاء والطاعة وحتى الأضحية البشرية لبعض الألهة لكي تغفر لهم زلاتهم أو ترضى عليهم أو حتى تساعدهم في أن تكون نتاج المزروعات في حقولهم ومراعيهم خصبة أو تبعد عنهم سنين القيظ المهلكة للحرث والدواب والإنسان، إن المتابع لهذه الثقافة الدينية المتوارثة عبر الحضارات العديدة يستطيع أن يستشف هذه الفكرة بجلاء ويكوّن بالتالي نظرة عامة وقاعدة بسيطة تعني أن الأسرة الإلهية تقوم على الأب والأم والأولاد، فبينما أن الأولاد توزعت عليهم مسؤليات تدبير شؤن البشر والدواب والزراعة والظواهر الطبيعية إلآ إنهم إحتفظوا بوظيفة الخلق لأبيهم ولم يتجاسر أحدهم على الإدعاء أنه هو الخالق لكل شيء دون ابيه، إن الحقوق الملكية للخلق محفوظة للخالق دون الأرباب الأدنى منه، ففي الحضارة السومرية والبابلية والأشورية والكلدانية نستطيع أن نرى هذه الأرباب بصورة واضحة من خلال تسلسلها العائلي ووظيفة كل رب بشأن من شؤن الحياة، وحتى في الحضارة اليونانية والإغريقية والرومانية نرى أن هذه العائلة مازالت هي المسيطرة على حكم الكون وإن إختلفت أسماء الألهة وتعددت وتغيرت وظائفها إلآ أن الفكرة مازالت موجودة ومكررة، وفي الحضارة المصرية إختلفت المسألة فمن تعدد الأرباب إلى التوحيد ومن ثم إلى التعدد مرة أخرى ولكن في كل مرة تختلف الأسماء مع بقاء العائلة ووظائفها التدبيرية للكون، لكننا عندما نضع مجهراً فوق الجزيرة العربية وقبائلها المنتشرة في وسطها وعلى التخوم الملاصقة للحضارات القديمة نستطيع أن نرى أن الآلهة كانت لديهم مختلفة عما يجاورهم من الحضارات بصورة شاملة، هم يؤمنون بوجود الخالق لكنهم يعتقدون بوجود شفعاء يتقربون بهم إلى الله وظهر ذلك جلياً في قولهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) الزمر: 3، ومع هذا الشرك الذي وقع في البشرية قديمًا وحديثًا أيضاً فالأكثرية منهم يؤمنون بتوحيد الربوبية، وإنما يشركون في العبادة، كما قال تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) يوسف: 106، ومن هنا نرى أن البشرية في مسارها الطويل الموغل في القدم وإن كانت تشرك بالله آلآ إنها كانت تعترف بالله عدى قلة منهم كفروا بالله وجحدوا وجود الرب كـفرعون والملاحدة الدهريين والشيوعيين في هذا الزمان – وجحودهم به من باب المكابرة، وإلا فهم مضطرون للإقرار به في باطنهم وقرارة أنفسهم – كما قال تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) النمل: 14، وعقولهم تعرف أن كل مخلوق لا بد له من خالق. وكل موجود لا بد له من موجد. وأن نظام هذا الكون المنضبط الدقيق لا بد له من مُدبر حكيم قدير عليم. من أنكره فهو: إما فاقد لعقله، أو مكابر قد ألغى عقله، وسفه نفسه، وهذا لا عبرة به.
التعليقات (0)