لقد كان للعلوم شأن كبير في ظل الإسلام حتى صار المسلمون يملكون ناصيتها كما ملكو ناصية العالم وأسسوا تلك الحضارة الإسلامية العظيمة التي أرست دعائم العلوم وصححت العديد من المعتقدات العلمية الخاطئة التي ورثتها الإنسانية من الحضارات السالفة ،لقد كانت دور العلم مفتوحة للطلبة الأوربيين الذين كانوا يوفدون من بلادهم لطلب العلم وقد كان أمرائهم وملوكهم يوفدون الى بلاد المسلمين للعلاج على أيدي العلماء المسلمين ونستذكر قول الفيلسوف والطبيب والمؤرخ الفرنسي "غوستاف لوبونGustave Le Bon " الذي كان يتمنى لو ان العرب "المسلمين" استولوا على فرنسا لتغدوا باريس مثل قرطبة في اسبانيا فقال تعبيراَ عن عظمة الحضارة العلمية في الإسلام :"ان أوربا مدينة للعرب (المسلمين) بحضارتها".
ان المسلمين لم يفرقوا بين علوم الشرع وعلوم الحياة "فاذا كان بالشرع يقام الدين فان علوم الحياة هي ايضاَ تلك العلوم النافعة التي يحتاج اليها الإنسان ليصلح بها حياته ويعمر بها أرضه ويستكشف بها كونه وبيئته فتتحقق بذلك اهليته كخليفة لله في الأرض ".
القراءة مفتاح العلوم وقد نزلت أول كلمة في أول آية من القرآن الكريم وهي " أقرأ " والتي آذنت لبزوغ عهد جديد بعد الجاهلية والضلالة وهو عهد العلم والتقدم العلمي.
في غزوة بدر الكبرى "17 رمضان سنة 2 هجرية -17 مارس 624 ميلادية " وهي المعركة التي قامت بين المسلمين بقيادة النبي محمد"ص"وقريش بقيادة عمرو بن هشام المعروف "بابي جهل" وانتهت بانتصار المسلمين ومقتل ابي جهل،أيمانا من النبي محمد"ص"بقيمة العلم والتعلم جعل فداء الأسير من المشركين لنفسه بتعليمه عشرة من الصحابة الكتابة والقراءة وهذا يوضح لنا مدى أيمان الإسلام بأهمية العلم ومقدار تعلمه،لقد أعطى الاسلام والرسول محمد "ص" العلم والعلماء مكانة كبيرة ومرموقة ولنا في الحديث النبوي "حبر العالم مساوي لدم الشهيد" خير مثال على تلك المكانة وذلك الدعم الكبير للعلماء .
بعد وفاة رسول الإسلام محمد بن عبد الله"صلى الله عليه وسلم" في المدينة المنورة بويع أبو بكر بالخلافة وحارب قبائل العرب في حروب الردة وبعدها فتح المسلمون بلاد الروم البيزنطيين والفرس الساسانيين. ففتحوا الشام ومصر والعراق وفارس. بعدها ازدهرت الحضارة الإسلامية في الدول التي دانت بالإسلام ودانت له طواعية تحت ظل الخلافة الراشدة وحكم الدولتين الأموية والعباسية. ولقد ظلت الخلافة الراشدة ثلاثين عاما "632 م – 661 م". وكان الخليفة عمر أول من أقيمت المدن الإسلامية في عهده كالكوفة وفسطاط ومدن إسلامية عديدة وقد أنشئت دور العلم والمكتبات والمستشفيات وتمت رعاية العلماء في تلك المدن والملاحظ ايضاَ نشاط حركة التعليم في المساجد التي بنيت في تلك الفترة .
وحاول الخلفاء الأمويون بدمشق غزو مدينة القسطنطينية عام 717 م. وإبان حكمهم غزوا جميع البلاد في شمال أفريقيا. وكان أول نزول لقوات الدعوة الإسلامية في عصر الدولة الأموية وضمت أرض الأندلس بشبه جزيرة إيبريا "أسبانيا والبرتغال". فكان أول انتصار للمسلمين هناك عام 92 هجرية "711 م" في معركة وادي البرباط, لتبدأ مسيرة الغزوات الإسلامية بجنوب إيطاليا وصقلية. فلقد بلغت الدعوة الإسلامية برنديزي والبندقية بإيطاليا على بحرالأدرياتيك. وخضعت كل جزر البحر الأبيض المتوسط من كريت شرقا حتى كورسيكا غربا للحكم الإسلامي فهم كلما فتحوا دولة او مصر من الأمصار قاموا بالتعرف على علماء تلك الأمصار واختلطوا بهم وتعلموا منهم وأقاموا المساجد وفتحوا الحلقات الدراسية العلمية وأوفدوا من علماء وأطباء تلك الأمصار الى عاصمة الدولة الإسلامية ومدنها للتعليم والتعلم من العلوم الدينية والحياتية.
وفي ظلال الحكم الإسلامي ظهرت مدن تاريخية منها ماهو كان قائم وازدهر ومن ما هو جديد كالكوفة وحلب وحمص والبصرة ودمشق وبغداد والرافقة الرقة والفسطاط والقيروان وفاس ومراكش والمهدية والجزائر وقرطلة وغيرها. كما خلفت الحضارة الإسلامية مدنا متحفية تعبر عن العمارة الإسلامية كاسطنبول بمساجدها ودمشق بعمائرها الإسلامية والقاهرة وحلب والمهدية والقيروان بتونس وبخاري وسمرقند وحيدر أباد وقندهار وبلخ وترمذ وغزنة وبوزجان وطليطلة وقرطبة وأشبيلية ومرسية وأصفهان وتبريز ونيقيا وغيرها من المدن الإسلامية. وفي القارة الأفريقية نجد أن60% من سكانها مسلمون. وفي العالم نجد المسلمين يشكلون حاليا أكثر من ربع سكان أهل الأرض وكان بالتوازي مع نشر الرسالة الإسلامية نشر والاهتمام بالتعلم والعلم فكان الاسلام يحض على تعلم العلم مهما كانت مشاق ذلك العلم وقد أضاف المسلمون الكثير للعلم والحضارة الانسانية العلمية.
لقد قال المستشرق الكندي " رينيه جيبون ": لم يدرك كثير من الغربيين قيمة مااقتبسوه من الثقافة الإسلامية ،ولافقهوا حقيقة مااخذوه من الحضارة العربية في القرون الماضية"
ان بداية أحياء العلوم التي يمكن ان نعتمدها كنهضة للحضارة العلمية الإسلامية كانت مع نشأة حركة الترجمة فقد تم ترجمة العديد من المؤلفات العلمية من مختلف اللغات الى اللغة العربية والتي نشطت في أواخر القرن الأول الهجري اي القرن الثامن الميلادي بشكل ملفت بعد انهيار دول الإغريق والفرس حيث تم نقل ذخائرها من العلوم الى العربية واطلع العلماء المسلمين لأول مرة على مالدى غيرهم من معارف وعلوم كانت تأسيساَ كبيراَ من الناحية الحضارية .
ان أهم الاختراعات كان الورق وصناعته حيث كان سراَ يحتفظ به الصينيون و تم تطويره بعد معركة تالاس سنة 751 ميلادية مما ادى الى تأسيس مصانع الورق في مدينة سمرقند ومع حلول العام 900 ميلادي بدأت صناعة الكتب التي ساهمت في نشر العلوم وكذلك إيصالها ألينا.
عندما تعرف الأطباء المسلمين والعرب على الطب اليوناني عبر مدرسة الإسكندرية في مصر ومدرسة "جنديسابور " في مدينة جنديسابور في بلاد فارس وأراد "سابور ذو الأكتاف "ان تكون جنديسابور مركز للنشاط العقلي فاعتنى بجمع كتب الفلسفة اليونانية وأمر بترجمتها الى الفارسية واستقدم اليها من ذاع صيته وشهرته من العلماء والحكماء أمثال الطبيب الشهير "تيودورس"،كانت جنديسابور ذات مستقبل علمي مشرق وهي مدينة خصبة ذات نخيل وورد في معجم البلدان لياقوت الحموي انه في سنة 489ميلادية أغلق الامبراطور زبنون مدرسة "الرها" لاعتناق اساتذتها المذهب النسطوري وهو مذهب فئة من النصارى المنشقين عن كنيسة روما انشأ هذه الطائفة "نسطور"احد رهبان أنطاكية وبطريرك القسطنطينية ،ذلك لمخالفتهم لمذهب الامبراطور اليزنطي وقد فر عدد كبير من هؤلاء الاساتذه والأطباء والعلماء الى جنديسابور فرحب بهم أكاسرة بني ساسان ووفروا لهم الحياة الكريمة فاتخذها النسطورين وطناَ لهم وانشأوا فيها مستشفى كبير ورتبوا بها المحاضرات والتدريس لتعليم الطب ،لقد كانت اللغة السريانية هي لغة الدراسة في الطب والعلوم الطبيعية وقد كانت مدرسة جنديسابور احد الروافد التي تلقى منها العرب العلوم اليونانية والسريانية . كان الاتجاه الى ترجمة الكتب الطبية للغة العربية فقد ترجم ماسروجويه الطبيب اليهودي الذي يعتبر من ابرز المترجمين في ذلك العصر للخليفة مروان بن الحكم"64هجرية-65هجرية "موسوعة طبية يونانية تسمى "الكناش" "لمزيد من التفاصيل ارجع الى طبقات الأطباء وتاريخ الحكماء صفحة 80" وبعدها ازدهر الطب وبنيت المستشفيات وقد اعتبر بعض المؤرخين ان الخليفة الوليد بن عبدالملك "ت96هجرية"هو أول من بنى مستشفى نموذجي في الإسلام وذلك سنة 88 هجرية وقد زود تلك المستشفى بصيدلية تحتوى مختلف أنواع الأدوية.
كان حنين ابن اسحق "194هجرية-260هجرية"كما يقول المستشرق الألماني " ماكس مايرهوفMax Meyerhof " في مقدمة كتاب العشر مقالات في العين ان ابن اسحاق صمم على ارواء غلته من العلوم الطبية ووجد ان ذلك لن يأتي له الا بتعلم اللغة اليونانية فسافر الى بلاد الروم ويقول ابن العبري في كتابه مختصر تاريخ الدول ان حنين بن اسحاق احكم هناك اللغة اليونانية والفارسية والسريانية واندفع في ترجمة الكتب من تلك اللغات حتى صار من اكبر المترجمين الذين أفادوا الحضارة العلمية الإسلامية والعربية .
يعقوب بن اسحق الكندي"185هجرية/805ميلادي-256هجرية/873 ميلادية"كتب رسالة في معرفة قوى الأدوية المركبة والذي ظهر أول تطبيق للقياس الكمي والرياضيات في الطب والصيدلة مثل المقياس الرياضي لقياس قوة الأدوية ،كما اكتشف أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي "250هجرية-864ميلادية-311هجرية/923 ميلادية"الحصبة والجدري وفي كتابه "شكوك حول جالينوس "اثبت خطأ نظرية جالينوسGalenus للأخلاط .
لقد ساعد العالم والطبيب المسلم أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي"936م-1013م" في إرساء ألجراحه الحديثة وذلك من خلال كتابه " كتاب التصريف" وهو كتاب في الطب والممارسة الطبية والذي اخترع فيه العديد من الأدوات الجراحية بالإضافة الى الاستخدامات الجراحية للخيوط والملقط والضمد والإبر الجراحية والمشرط والمجرفة والملعقة الجراحية والخطاف الجراحي والمناظير ونشر العظام .
لقد احدث ابن الهيثم "أبو علي بن الحسن بن الهيثم 354هجرية/965ميلادية-430هجريه/1040 ميلادية " تقدماَ هاماَ في جراحة العيون ولقد اعتبر أول من شرح عملية الإبصار والإدراك البصري في كتابه "كتاب البصريات" وقدم العالم المسلم ابن سيناء "أبو علي بن عبدالله بن علي بن سيناء 370هجرية/980ميلادية-427هجرية/1037ميلادية" الطب التجريبي واكتشف الأمراض المعدية وابتكر عملية الحجر الصحي وتجربة الأدوية وقد وصف العديد من مواد التخدير والعقاقير الطبية والعلاجية في كتابه "القانون في الطب" وقد ساهم ابن سيناء في إرساء الطب الحديث من خلال إدخال التجريب المنظم والكمي في علم وظائف الأعضاء وهو أول من وصف البكتريا والكائنات الفايروسية وهو أول من ميز بين التهاب الأنسجة الصدرية والتهاب الغشاء الرئوي وطبيعة مرض السل المعدية والاضطرابات الجلدية والأمراض المنقولة جنسياَ وهو من فصل بين علم الطب وعلم الصيدلة.
وكان ابن زهر "أبو مروان عبدالملك بن زهر بن عبدالله بن مروان 464هجرية/1072 ميلادية-557هجرية/1162ميلادية وهو أستاذ الفيلسوف ابن رشد" يعتبر أول جراح تجريبي معروف فقد كان المسؤول عن ادخال الأسلوب التجريبي في ألجراحه وذلك في القرن الثاني عشر وهو أول من قام بالاختبارات التجريبية على الحيوانات لتجربة العمليات الجراحية قبل تطبيقها على المرض من البشر وهو أول من قام بتشريح الجثة بعد الوفاة وله من الكتب "الطرز"في الطب و"الخواص" و "الأدوية المفردة".
لقد وضع ابن النفيس"أبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحرم القرشي الدمشقي "" أسس علم وظائف الأعضاء الدوري وهو أول من وصف الدورة الدموية الرئوية للشريان التاجي "مكتشف الدورة الدموية الصغرى" والتي تشكل الأساس لنظام الدورة الخاطئة بشأن الخلاط والنبض والعظام والعضلات والأمعاء والحواس والقنوات الصفراوية والمريء والمعدة وقد وضع نظريات يعتمد عليها لحد الآن ويعتبر أعظم فيزيولوجي العصور الوسطى وقد ظل الغرب يعتمد على نظريته في الدورة الدموية حتى اكتشف "وليام هارفي" الدورة الدموية الكبرى ومن مؤلفاته "شرح تشريح قانون ابن سيناء " وله كتاب "الشامل في الصناعة الطبية " وكتاب "شرح الأدوية المركبة "وكتاب "شرح فصول ابقراط "وكتاب "الهذب في الكحل" الموجود في مكتبة الفاتيكان وكتاب "موجز القانون او الموجز في الطب"وكتاب " المختار في الأغذية " وكتاب "بغية الطالبين وحجة المتطببين " وكتاب "وبغية الفطن من علم البدن"وكتاب "الرماد" وكتاب "شرح كتاب الاوبئة لابقراط" وكتاب "شرح مسائل حنين بن اسحاق"وكتاب "تفسير العلل وأسباب الأمراض "وكتاب "شرح الهداية في الطب" .
كما اكتشف ابن خاتيمه وابن الخطيب"لسان الدين ابوعبدالله بن الخطيب" ان الأمراض المعدية تسببها الكائنات الحية الدقيقة التي تدخل جسم الإنسان وقام منصور بن الياس برسم مخططات شاملة لهيكل الجسم والجهاز العصبي والدورة الدموية .
اما ابن ملكا البغدادي "أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البغدادي 480 هجرية/1087ميلادية-560هجرية/1165ميلادية" وهو طبيب وفيلسوف اشتهر في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي لقب بأوحد الزمان ولد ونشأ في البصرة ثم ذهب الى بغداد ،لقب بفيلسوف العراقيين في عصره.
اما في مجال اهتمامه بالطب فقد كان لأبي البركات هبة الله بن ملكا البغدادي اهتمام كبير بالطب منذ صغره، حتى أنه كان يجلس عند باب كبير الأطباء في زمانه أبي الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسين "435 ـ 494هـجرية" يستمع لشرحه لطلابه كي يتعلم مهنة الطب. يقول المؤرخ الطبيب ابن أبي أصيبعة في كتابه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء): وكان مبدأ تعلمه صناعة الطب أن أبا الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسن كان من المشايخ المتميزين في صناعة الطب، وكان له تلاميذ عدة يتناوبونه في كل يوم للقراءة عليه.
في الطب النفسي فقد اعتنى ابن ملكا اهتماماَ كبيراَ، فعالج الأمراض النفسية التي تصيب الناس، وحاول جاداً أن يعالجها بالطريقة النفسية التي أدهش لها علماء الطب في العصر الحديث، فقد ذكر ابن أبي أصيبعة في عيون الأنباء... أن مريضاً ببغداد كان عرض له علة "الماليخوليا"، وكان يعتقد أن على رأسه دناً "وعاء كبير للخمر من الفخار"، وأنه لا يفارقه أبداً، فكان كلما مشى يتحايد المواضع التي سقوفها قصيرة ويمشي برفق، ولا يترك أحداً يدنو منه حتى لا يميل الدنُّ أو يقع عن رأسه، وبقي بهذا المرض مدة وهو في شدة منه، وعالجه جماعة من الأطباء ولم يحصل بمعالجتهم تأثير ينتفع به، إلى أن عُرض على ابن ملكا... ففكر في أنه ما بقي شيء يمكن أن يبرأ به إلا بالأمور الوهمية، فقال لأهله: إذا كنت في الدار فأتوني به، ثم إنه أمر أحد غلمانه بأن ذلك المريض إذا دخل إليه وشرع في الكلام معه، وأشار إلى الغلام بعلامة بينهما، أنه يسارع بخشبة كبيرة فيضرب بها فوق رأس المريض على بعد منه كأنه يريد كسر الدن الذي يزعم أنه على رأسه، وأوصى غلاماً آخر، وكان قد أعد معه دناً في أعلى السطح، أنه متى رأى ذلك الغلام قد ضرب فوق رأس صاحب الماليخوليا أن يرمي الدن الذي عنده بسرعة إلى الأرض. وكان ابن ملكا في داره، وأتاه المريض وشرع في الكلام معه وحادثه، وأنكر عليه حمله للدن، وأشار إلى الغلام الذي عنده من غير علم المريض فأقبل إليه، وقال والله لا بد لي أن أكسر هذا الدن وأريحك منه، ثم أدار تلك الخشبة التي معه وضرب بها فوق رأسه بنحو ذراع، وعند ذلك رمى الغلام الآخر الدن من أعلى السطح. فكانت له جلبة عظيمة، وتكسر قطعاً كثيرة، فلما عاين المريض ما فعل به ورأى الدن منكسراً، تأوه لكسرهم إياه، ولم يشك أنه الذي كان على رأسه بزعمه، وأثر فيه الوهم أثراً برئ من علته تلك. وقد قال ابن أبي أصيبعة عن عمله هذا: "وهذا باب عظيم في المداواة، وقد جرى أمثال ذلك لجماعة من الأطباء المتقدمين مثل جالينوس وغيره في مداواة الأمور الوهمية".
وقد اشتهر هبة الله بن ملكا بجرأته في مداواة المرض والعمليات الجراحية، فكان لا يتردد في أخذ القرارات في إجراء العمليات الجراحية الخطيرة، كما أنه كان ينصح طلابه بأن الطبيب الناجح إذا اقتنع بأن ليس لديه مناص من إجراء العملية الجراحية فإنه يجب أن لا يعطي المريض الانطباع في أنه ليس مقتنعاً، مما يجعل المريض متخوفاً، وربما يقوده تخوفه إلى صعوبة شفائه. يذكر ابن أبي أصيبعة في عيون الأنباء.. أن ابن ملكا جاءه رجل به داحس، إلا أن الورم كان ناقصاً، وكان يسيل منه صديد، فحين رأى ذلك بادر إلى سلامية إصبعه فقطعها، فقال له تلاميذه: يا استاذنا لقد أجحفت في المداواة، وكان يغنيك أن تداويه بما يداوي به غيرك، وتبقى عليه إصبعه، ولاموه وهو لا ينطق بحرف، وفي اليوم الثاني جاء رجل آخر مثل ذلك سواء، فأومأ إلى تلاميذه بمداواته، وقال افعلوا في هذا ما ترونه صواباً، فداووه بما يداوي به الداحس، فاتسع المكان وذهب الظفر وتعدى الأمر إلى ذهاب السلامية الأولى من سلاميات الإصبع، ولم يتركوا دواء إلا وداووه به أو علاجاً إلا وعالجوه به، وهو مع ذلك يزداد ويأكل الإصبع أسرع أكل، وآل أمره إلى القطع، فعرفوا حق قدره، وقال تلامذته: وفشى هذا المرض في تلك السنة، وغفل جماعة منهم عن القطع فتأذى أمر بعضهم إلى قطع اليد، وبعضهم إلى هلاك أنفسهم.
في الكيمياء كان دور الريادة للعلماء المسلمين فأضافوا له الشيء الكثير ولنا في رائد علم الكيمياء جابر بن حيان "أبو عبدالله جابر بن حيان بن عبدالله الازدي "وهو من أعظم علماء القرون الوسطى وعرف عند الأوربيين باسم Geber فهو الذي ادخل المنهج التجريبي الى علم الكيمياء وهو مخترع القلويات ألمعروفه اليوم في مصطلحات الكيمياء الحديثة باسمها العربي "Alkali"وماء الفضة وهو صاحب الفضل فيما عرفه الأوربيون عن ملح النشادر وماء الذهب والبوتاس واكتشف الصودا الكاوية والقطرونNaoH وهو أول من ادخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحل بواسطة الأحماض وهي الطريقة السائدة الى يومنا هذا وهو أول من اكتشف حامض النتريك وحامض الهيدروكلوريك واعتقد بالتوليد الذاتي وأضاف جوهرين الى عناصر اليونان الأربعة وهما "الكبريت والزئبق" وأضاف العرب جوهر ثالث لهما وهو "الملح" وهو أول من اكتشف حامض الكبريتيك واسماه "زيت الزاج" وادخل تحسينات على طرق التبخر والتصفية والانصهار والتبلور والتقطير واستطاع أعداد الكثير من المواد الكيمياوية كسلفيد الزئبق وأكسيد الارسبنArsenioud Oxide ونجح في وضع أول طريقة للتقطير في العالم فقد اخترع جهاز تقطير يستخدم فيه جهاز زجاجي له قمع طويل لايزال يعرف حتى اليوم في الغرب بأسمAlembic من "الامبيق" باللغة العربية وقد صنع ورق غير قابل للاحتراق وشرح بالتفصيل كيفية تحضير الزرنيخ والانتيمون ،من كتبه "أسرار الكيمياء"و"نهاية الإتقان"و"أصول الكيمياء"و"علم الهيئة"و"الرحمة" و"المكتسب " و "الخمائر الصغيرة"و "صندوق الحكمة"و"كتاب الملك" وكتاب"الخواص"وكتاب"السموم ودفع مضارها".
ومن أهم إسهاماته انه ادخل عنصري التجربة والمعمل في الكيمياء وأوصى بدقة البحث والاعتماد على التجربة والصبر على القيام بها وهو من رواد العلوم التطبيقية وتتجلى إسهاماته في هذا الميدان في تكرير المعادن وتحضير الفولاذ وصبغ الأقمشة ودبغ الجلود وطلاء القماش المانع لتسرب الماء واستعمال ثاني اوكسيد المنغنيز في صنع الزجاج وقد عرف ابن حيان الكيمياء في كتابه "العلم الإلهي" :"بأنه الفرع من العلوم التطبيقية الذي يبحث في خواص المعادن والمواد النباتية والحيوانية وطرق تولدها وكيفية اكتسابها خواص جديدة" وقد وضع نظرية رائدة في مجال الاتحاد الكيميائي في كتابه "المعرفة بالصفة الإلهية والحكمة الفلسفية " حيث قال: :يظن الناس خطأ انه عندما يتحد الزئبق والكبريت تتكون مادة جديدة والحقيقة ان هاتين المادتين لم تفقدا ماهيتهما وكل ماحدث لهما أنهما تجزأتا الى دقائق صغيرة وامتزجت هذه الدقائق بعضها ببعض فأصبحت العين المجردة عاجزة عن التمييز بينهما وظهرت المادة الناتجة من الاتحاد متجانسة التركيب ولو كان في مقدرتنا الحصول على وسيلة نفرق بين دقائق النوعين لأدركنا ان كلاَ منهما محتفظ بهيئته الطبيعية الدائمة ولم يتأثر مطلقاَ"وهذه النظرية في الحقيقة لاتختلف عن "نظرية الضربة" التي ظهرت بعد ذلك بألف سنة ونسبت الى العالم الانكليزي "دالتون" وقد قسم جابر بن حيان المواد حسب خصائصها الى ثلاثة أنواع وهي "الاغوال"اي المواد التي تتبخر و"المعادن"و"المركبات" وهي التي يمكن تحويلها الى مساحيق .
في الفيزياء قام ابن الهيثم "أبوعلي الحسن بن الحسن بن الهيثم ""354هجرية/965ميلادية-430هجرية/965ميلادية" بدراسة الفيزياء التجريبية وهو احد رواد علم البصريات الحديث وادخل المنهج العلمي التجريبي وقام باستخدامه ليحدث تغيير جذري في فهم رؤية الضوء وذلك في كتابه " البصريات"والذي وضع جنباَ الى جنب مع كتاب اسحق نيوتن "المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية "والذي يعتبر من أهم الكتب تأثيراَ في تاريخ الفيزياء وهو يعتبر ثورة في مجال البصريات والإدراك البصري.
هبة الله أبي البركات البغدادي فقد اكتشف التناسب بين القوة والتسارع وهو مايعتبر "القانون الأساسي لعلم الميكانيكا الكلاسيكية"والذي يمثل مؤشر لقانون نيوتن للحركة .
في علم الفلك فقد عرف علماء المسلمين المواقيت الزمانية والمكانية وحددوا جهة القبلة ومواقع البلاد الإسلامية حسب خطوط الطول ودوائر العرض،في الفلسفة أبو نصر محمد الفارابي وهو الفيلسوف صاحب نظرية الوجود والتي تنص على ان الموجود الممكن الوجود والموجود الواجب الوجود فهناك موجودات كثيرة لكن موجود واحد واجب الوجود الذي اوجد كل الموجودات وهو الله سبحانه وتعالى .
لقد تم اكتشاف العديد من المكتشفات في العصور الوسطى ومن بعض هذه الابتكارات وهي من أنتاج العصر الذهبي للإسلام فالعلماء المسلمون وانجازاتهم العلمية كبيرة جداَ لايمكن ان تسعها مقالة واحدة لكننا سنوجز فيما يلي بعض الاكتشافات التي يستخدمها العالم اليوم وهي من اكتشاف العلماء المسلمين فمن بعض الابتكارات أول كاميرا في العالم هي من اكتشافهم وكانت كاميرا بدائيه واختراع الصابون ومعجون الأسنان والشامبو والتقطير النقي والتسييل والبلورة والأكسدة والتبخير والترشيح والكحول المقطر وحامض اليوريك والمحرك ألمرفقي والصمام ومضخة المكبس الشفط الترددية وصناعة الساعات الميكانيكية عن طريق المياه والأوزان والإقفال المجمعة وصناعة النسيج ومنشار العظام والملقط وطواحين الهواء والتطعيم ولقاح الجدري وقلم الحبر والترميز والتحليل المتواتر ووجبات الطعام الثلاثية والزجاج الملون وزجاج الكوارتز والسجاد والإسطرلاب الميكانيكي والإسطرلاب الملاحي والإسطرلاب المتعامد وإسطرلاب خطوط العرض.
نستطيع ان نوجد مقارنات ولو بشكل موجز حول اثر العلماء المسلمين في العلم الحديث لنجد أن العالم أبا عثمان الجاحظ، والذي ولد في القرن الثامن الميلادي في البصرة، اكتشف نظرية الانتقاء الطبيعي قبل تشارلس داروين بألف عام، وأن مؤسس علم البصريات لم يكن إسحاق نيوتن، بل سبقه في ذلك بسبعة قرون محمد بن الحسن بن الهيثم، المولود في البصرة أيضاً في القرن العاشر الميلادي، والذي يعتبر أول عالم فيزياء في التاريخ، ومؤسس المنهج العلمي الحديث قبل علماء وفلاسفة عصر النهضة الأوروبية بقرون عدة، وأن علاء الدين بن النفيس، الذي ولد في دمشق في القرن الثالث عشر الميلادي اكتشف الدورة الدموية قبل وليام هارفي بأربعة قرون، وأن حسابات وجداول عالم الفلك السوري ابن الشاطر المولود في دمشق في القرن الرابع عشر الميلادي، اعتمدها نيكولاس كوبرنيكوس في اكتشاف المنظومة الشمسية. و إن المرجع الرئيسي في الطب في أوروبا خلال سبعة قرون كان كتاب "القانون في الطب" لابن سينا المولود في القرن العاشر في خوارزم هذا بعض قليل من بعض المقارنات التي تطول لمجلدات لو أردنا ان نؤسس مقارنة بين ماتوصل له العلماء المسلمون وما أثره وتأثيره على العلم الحديث.
واليوم تمر امتنا بمرحلة عصيبه وهجمة شرسة قل نظيرها وخصوصاَ على مستوى الفكر فالهجمة هي هجمة على العقول قبل كل شيء ولسنا بأقل من الغرب في شيء سوى أننا قد نسينا هذا التاريخ العظيم الذي تحفل به هذه ألامه او تناسينا كل هذا ارث الذي هو جزء من ديننا وثقافتنا وهو أعمار الأرض التي حبانا الله بها ففي تقدمنا ووحدتنا سوف نضطلع بالدور الذي أراده الله لنا فلم يكن احد يسسئل عن هذا العالم اوذاك ماهو مذهبه وماهي طائفته بل كان الكل متكامل من اجل بناء هذا المجد وسوف يسخر منا الحاقدون ويقولون لازلتم تتباكون على ماضي قد رحل فانتم اليوم أخر الأمم ونقول لهؤلاء بان التاريخ جزء لايتجزأ من الحاضر وامتداد للمستقبل ولابد لنا من ان نذكر تاريخنا لكي نتفكر في حاضرنا وما وصلنا اليه من تشرذم وخيانه وبيع ذمم واقتتال لامبرر له سوى لخدمة أعدائنا والذين يريدون بنا شراَ.
التعليقات (0)