الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد المصري
لست ضد الدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد المصري كما أنني لست من مناصريه، وبالرغم من ذلك فأنا من المعجبين بالتجربة الوفدية جدًّا، ولكن ذلك لن يجعلني أقيم تلك التجربة بعد مرور أكثر من مائة يوم، مثلما تفعل الدول المتحضرة على حد وصف النخبة في حزب الوفد التي انضمت إليه مؤخرًا.
وقد هالني بعد تجربة الوفد الديمقراطية كم المنضمين للحزب من الشخصيات العامة، حتى إنني أشفقت على الرجل من المقابلات التي يجريها يوميا مع نجوم المجتمع، من الفنانين ورجال الفكر والثقافة علاوة على السياسيين البارزين.
بدت الأزمة الأولى بعد انضمام الداعية الإسلامية الدكتورة سعاد صالح، وتصريحاتها التي تسببت في الهجوم عليها وعلى الحزب العريق، الذي من إرثه المحافظة على العلاقة السوية بين الأقباط والمسلمين في مصر، وهو ما شكل صدمة شديدة في الحزب الذي طالما كانت الوحدة الوطنية هي إحدى دعائمه الأساسية.
وفي ذلك الوقت توقعت ما سوف يحدث في الوفد من أزمة بعد ذلك، والتي برزت في أول صدمة تلقاها هؤلاء الكبار من أمثال الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، إثر أزمة البدوي مع صحفيي الدستور، ولو أن الدكتور السيد البدوي أنفق ما أنفقه للحفاوة بهؤلاء على شباب الحزب لاستقطاب عناصر شابة تؤمن بمبادئ الوفد لكان خيرًا له.
هذه هي أول الأخطاء التي وقع فيها الدكتور السيد البدوي، أما ثانيها فهي انضمام بعض الشخصيات التي كان لها سوابق ضد الشعب المصري، مثل رجل الأعمال رامي لكح، وهو ما جعلني أشعر في قرارة نفسي بأن الدكتور البدوي ما زال في ريعان الفتوة ويشعر بأن الحزب الوطني سوف يترك له الساحة خالية كي يلعب فيها حزب عريق مثل الوفد وحده، ولكن كان كتّاب الحزب له بالمرصاد، بعد أن تناولوه بـ"التلسين" تارة وبـ"التشنيع" أخرى، مثلما في بعض الصحف القومية، كما حدث مع الدكتور محمد البرادعي، وإن لم يكن على القدر نفسه من التشنيع.
لا أريد أن اطرد في طرح تلك المأساة التي مر بها حزب الوفد قبل الانتخابات البرلمانية، ولو أن الدكتور البدوي توقف مع نفسه قليلا، لتعلم من درس انتخابات الشورى، التي لم ينجح فيها أي مرشح لحزبه، ولعلم أن نفس السيناريو سوف يتكرر في مجلس الشعب، ولكان اتخذ قرار مقاطعة الانتخابات منذ البداية كما دعت إلى ذلك بعض القوى السياسية الأخرى، ولكنه سار وراء أمل كاذب، سربه إليه بعض مهندسي السياسات بالحزب الحاكم.
إن البدوي غرته تجربة الوفد الديمراطية وتهليل الجميع لها، ولكن غاب عنه أن هناك فرقًا بين أن يشيد الناس بك، وبين أن يختارك الناس لتكون ممثلاً لهم، وذلك لا يخضع للتاريخ فقط، بل يخضع للإيمان بالفكر الذي تنادي به أولاً، وكذلك المصالح التي سوف تعود على الناخب جراء اختياره ذلك.
ولعل من السقطات التي لا تغتفر للبدوي هو فصل النائب محمد عبد العليم داوود من الحزب بعد مشادته الكلامية مع الدكتور محمود أباظة رئيس الحزب السابق تحت قبة البرلمان، والتي اتهم فيها أباظة بأنه يتلقى أموال من الخارج، وما فعله داوود إنما هو نوع من محاربة الرجل للفساد الذي وعد به ناخبيه في دائرته، وأظهره ضد الكثير من الشخصيات العامة والوزراء، حتى جاء الوقت ليثبت الرجل مدى إيمانه بمبادئه، فجاء الصدام مع رئيسه محمود أباظة.
أما الخطأ الفاحش، إن جاز التعبير، فهو ما وقع فيه البدوي خلال ترشيحات الحزب للانتخابات البرلمانية والتي قاربت الـ200 مرشح، والتي ضمت مجموعة كبيرة من نجوم الفن أمثال الفنانة القديرة سميرة أحمد، والكابتن طاهر أبو زيد، وهما من الشخصيات التي نكنّ لهم كل الاحترام والتقدير، ولكن هل نسي الدكتور البدوي أن هناك فرقًا بين الشخصية العامة التي نراها في التليفزيون وبين الشخصية الشعبية التي يختارها الشعب؟! ثم دعنا نتساءل بشكل أعمق: هل قام هؤلاء المرشحون بالدعاية الكافية حتى يدخلوا انتخابات حاسمة مثل انتخابات الشعب؟! وأي خدمات قدمها هؤلاء إلى أهالي دوائرهم حتى يحصدوا أصواتهم؟!
والسؤال الأشد تعقيدًا، وليت السيد البدوي يجيبنا عليه، هو: لماذا انسحب الوفد من الصراع البرلماني؟! والبدوي كان يعلم مسبقًا أنه لن ينجح أكثر من 20 مرشحًا وفديًّا على أقصى تقدير، أم أنه صدّق أكذوبة الصفقة التي عقدها الرئيس السابق للحزب محمود أباظة مع الحزب الوطني الحاكم؟!
أنا لا أكتب هذه الأسئلة كتقييم لحزب عريق مثل الوفد من منطق التشنيع، لأنني لا تحكمني انتماءات حزبية أو سياسية، ولكن لكي أنبه البدوي إلى أخطاء وقع فيها عندما صدق الكذبة بأنه سوف يحصد أغلبية في مجلس يجهز أعضاؤه لأنفسهم منذ أكثر من 5 أعوام ووراءهم حزب يسخر كل إمكاناته لهم، سواء من ناحية الدعم المستمر منذ سنوات عديدة، أو من ناحية عمليات التزوير الذي قام بها بالفعل لصالح مرشحيه، ومع ذلك لم يستطع- الوطني- أن يقوم بنفس السيناريو مع مرشح قوي مثل النائب محمد عبد العليم داوود، الذي فاز بأغلبية كاسحة في دائرته، بالرغم من وجود عمليات تزوير واسعة ضده.
في النهاية، كنت أتمنى أن يكمل الوفد سباق الانتخابات البرلمانية إلى نهايتها، ولا يقاطع الإعادة، كما أتمنى أن يتوقف الوفد عن فصل أعضائه الذين نجحوا بالفعل في الانتخابات، أو الذين خاضوا الانتخابات مخالفين قرار الحزب.
وعلى البدوي أن يبدأ من جديد في ضم كوادر شابة إلى حزبه، ترتوي مبادئ الوفد، يناضلون في سبيلها، وينشطون وسط الجماهير، من أجل إعدادهم لمعركة الانتخابات القادمة، والتي من المؤكد أنها ستكون عام 2015، كما أن عليه أن يدع فكرة ضم عناصر لها وزن فكري ومجتمعي، لأنها لن تضيف شيئًا إلى الحزب بل إنها ستكون عائقًا أمام بروز قيادات شابة تتشرب مبادئ الوفد، وتحمل لواءه خلال الفترة القادمة.
كاتب وباحث إعلامي مصري
التعليقات (0)