الحشاشون
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
طائفة الحشاشين أو الحشاشون أو الحشيشية[1]، هي طائفة إسماعيلية نزارية، انفصلت عن الفاطميين في القرن الحادي عشر الميلادي لتدعو إلى إمامة نزار المصطفى لدين الله ومن جاء مِن نسله، واشتهرت ما بين القرن الحادي عشر والقرن الثالث عشر الميلادي، وكانت معاقلهم الأساسية في بلاد فارس وأيضاً في الشام بعد أن هاجر إليها بعضهم من إيران. أسّس الطائفة الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة آلموت في فارس مركزاً لنشر دعوته؛ وترسيخ أركان دولته[2].
اتخذت دولة الحشاشين من القلاع الحصينة في قمم الجبال معقلاً لنشر الدعوة الإسماعيلية النزارية في إيران وسورية. مما أكسبها عداءا شديدا مع الخلافة العباسية والفاطمية والدول والسلطنات الكبرى التابعة لهما كالسلاجقة وخوارزميون و الزنكيون وأيوبيون بالإضافة إلى الصليبيون إلا أن جميع تلك الدول فشلت في استئصالهم طوال عشرات السنين من الحروب.
كانت الإستراتيجية العسكرية للحشاشين تعتمد على الاغتيالات التي يقوم بها "فدائيون" لا يأبهون بالموت في سبيل تحقيق هدفهم. حيث كان هؤلاء الفدائيون يُلقون الرعب في قلوب الحكّام والأمراء المعادين لهم، وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جداً في ذلك الوقت؛ مثل الوزير السلجوقي نظام الملك والخليفة العباسي المسترشد والخليفة العباسي الآخر الراشد وملك بيت المقدس كونراد من مونفيراتو.
وقد جاءت نهاية هذه الدولة في إيران عند الغزو المغولي الثاني بقيادة هولاكو عام 1256م بعد مذبحة كبيرة وإحراق القلاع والمكاتب الإسماعيلية وسرعان ما تهاوت الحركة في سورية أيضاً بعد أن فقدت استقلالها السياسي على يد الظاهر بيبرس سنة 1273م.
التسمية:
إن أقدم تطبيق كتابي لمصطلح "حشيشية" على النزاريين نجده في الرسالة التي كتبها الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله سنة 1123م والمرسلة إلى الاسماعيليين في سورية "(إيقاع الصواعق الارغام)" وكان الهدف من هذه الرسالة نقض مزاعم نزار المصطفى لدين اللهبالإمامة والتأكيد على شرعية الخط المستعلي وقد استُخدم فيها مصطلح الحشيشية مرتين من دون تقديم سبب واضح[3].
وتمّت الإشارة إلى النزاريين مرة أخرى بالحشيشية في أقدم كتاب سلجوقي معروف للأخبار كتبه سنة 1183م عماد الدين الأصفهاني في كتابه "(نصرة النصرة)" من دون تقديم معنىٰ اشتقاقي للكلمة وقد استخدم مصطلحات أخرى للقذف مثل الباطنية والملاحدة[4].
أما المؤرخون الفرس من الفترة الإيلخانية ومنهم الجويني ورشيد الدين اللذان هما المصدران الرئيسان لتاريخ الجماعة النزارية في فارس - فلم يستخدموا مصطلح الحشيشية أبداً، وقد استخدموا مصطلح "الملاحدة" عندما لم تكن الإشارة إليهم كإسماعيليين.
وتبقى الحقيقة أنه لا النصوص الإسماعيلية التي تمت استعادتها حتى الآن؛ ولا أيّاً من النصوص الإسلامية غير الإسماعيلية المعاصرة التي كانت معادية للنزاريين تشهد بالاستعمال الفعلي للحشيش من قبل النزاريين. وحتى المؤرخون الرئيسيون للنزاريين مثل الجويني الذي نسبوا كل أنواع الدوافع والمعتقدات الخبيثة للإسماعيليين فإنهم لا يشيرون إليهم "بالحشاشين" والمصادر العربية التي تشير إليهم بذلك لا تشرح البتة هذه التسمية من جهة استعمال الحشيش[5].
وتبقى هناك آراء أُخرى حول الأصل الاشتقاقي للكلمة منها:
·
· أساسان (Assasins): أي القتلة أو الاغتياليون. وهذه لفظة كان يطلقها الفرنسيون الصليبيون على الفدائية الإسماعيلية الذين كانوا يفتكون بملوكهم وقادة جيوشهم؛ فخافوهم ولقبوهم «الأساسان».
· حساسان: نسبة إلى شيخ الجبل «الحسن بن الصباح» الذي أوجد منظمات الفدائية.[6]
· عساسون: مشتقة من «العسس» الذين يقضون الليالي في قلاعهم وحصونهم لحراستها والدفاع عنها.
· أساسين: مأخوذة من الكلمة الأصلية ( المؤسسين ) حيث أنهم أسّسوا قوتهم في قلعة ألموت.
ومع بداية النصف الثاني من القرن الثاني عشر بدأت التحويرات العربية لمصطلح الحشاشين تلتقط محلياً في سورية وتصل إلى مسامع الصليبيين لتكوّن عدداً من المصطلحات"Assassin,,,Assissini,,,Heyssessini" والتي صار ينعت فيها الإسماعيلييون النزاريون في سورية الأمر الذي أدّى لظهور اسم جديد دخل إلى اللغات الغربية وهو "Assassin" وأصبح يعني "القاتل" ,وقد كانت المخيلة الأوربية خصبة في وصف هؤلاء الحشاشين، وزخرت كتبهم بالكثير من الأساطير حولهم فنجد قصة الرحالة الإيطالي ماركو بولو التي باتت تعرف بـ"أسطورة الفردوس" والذي نقرأ في كتابه في وصف قلعة ألموت ما يلي:
«بأنه كانت فيها حديقة كبيرة ملأى بأشجار الفاكهة، وفيها قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، وبنات جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى، حتى يوهم شيخ الجبل لأتباعه أن تلك الحديقة هي الجنة، وقد كان ممنوعاً على أيّ فرد أن يدخلها، وكان دخولها مقصوراً فقط على من تقرّر أنهم سينضمون لجماعة الحشاشين. كان شيخ الجبل يُدخِلهم القلعة في مجموعات، ثم يُشرِبهم مخدّر الحشيش، ثم يتركهم نياماً، ثم بعد ذلك كان يأمر بأن يُحملوا ويوضعوا في الحديقة، وعندما يستيقظون فإنهم سوف يعتقدون بأنهم قد ذهبوا إلى الجنة، وبعدما يُشبعون شهواتهم من المباهج كان يتم تخديرهم مرة أخرى، ثم يخرجون من الحدائق ويتم إرسالهم عند شيخ الجبل، فيركعون أمامه، ثم يسألهم من أين أتوا؟، فيردون: "من الجنة"، بعدها يرسلهم الشيخ ليغتالوا الأشخاص المطلوبين؛ ويعدهم أنهم إذا نجحوا في مهماتهم فإنه سوف يُعيدهم إلى الجنة مرة أخرى، وإذا قُتلوا أثناء تأدية مهماتهم فسوف تأتي إليهم ملائكة تأخذهم إلى الجنة! [7]»
وتجدر الإشارة إلى أن قلعة ألموت قد أُحرِقت سنة 1256م بينما ولد ماكو بولو سنة 1254م فإذا لم يكن قد زارها وعمره سنتين فهو لم يزرها أبداً. كما أن الطبيعة المناخية لقلعة ألموت التي تغطيها الثلوج طيلة 7 أشهر بالسنة يجعلها غير صالحة لزراعة الحدائق الموصوفة في الكتاب. وعلى كل حال فإن مثل هذه القصص المليئة بالمبالغة والخيال نجدها كثيراً عند ماركو بولو[8].
التأسيس:
حسن الصباح زعيم فرقة الدعوة الجديدة (الأساسيون)
بعد دراسة عقائد المذهب الاسماعيلي في مصر.غادر حسن الصباح القاهرة نتيجة خلافات سياسية.فوصل أصفهان سنة 1081م. ليبدأ رحلته في نشر تعاليم العقيدة الاسماعيلية، وركّز جهوده على أقصى الشمال الفارسي، وبالتحديد على الهضبة المعروفة بإقليم الديلم واستطاع أن يكسب الكثير من الأنصار في تلك المنطقة.
ولم يكن حسن الصباح مشغولاً فقط بكسب الأنصار لقضيته؛ وإنما كان مشغولاً أيضاً بإيجاد قاعدة لنشر العقيدة الإسماعيلية في كل البلاد. وفي ظلّ خطر الإمبراطورية السلجوقية كان يُفضّل معقلاً نائياً ومنيعاً يمكن له أن يكون ملاذاً آمناً للإسماعيليين، فوقع اختياره على قلعة ألموت. قلعة ألموت هي حصن مقام فوق طنب ضيق على قمة صخرة عالية في قلب جبال البورج، ويسيطر على وادٍ مغلق صالح للزراعة يبلغ طوله ثلاثين ميلاً وأقصى عرضه ثلاثة أميال والقلعة ترتفع أكثر من 6000 قدم فوق سطح الأرض، ولا يمكن الوصول إليها إلا عبر طريق ضيق شديد الانحدار.
أستطاع حسن الصباح من دخول القلعة سرا يوم الأربعاء الموافق 4 سبتمبر 1090م بفضل أنصاره المتخفين داخل القلعة وظل متخفياً داخلها لفترة وجيزة قبل أن يسيطر على كامل القلعة وأخرج مالكها القديم بعد أن أعطاه 3000 دينار ذهبي ثمناً لها[9].وبذلك أصبح سيّداً لقلعة الموت، ولم يغادرها طيلة 35 عاماً حتى وفاته.
وكانوا بهذه الفترة يمثّلون امتداداً للدولة الفاطمية في القاهرة قبل حدوث الانشقاق[10].
«ألموت.إنه حصن فوق صخرة على ارتفاع ستة آلاف قدم،تحيط به جبال جرداء وبحيرات منسيّة، ولهوب وممرات جبلية غير مُفضِية. وليس في مقدور أكثر الجيوش عديداً الوصول إليه إلا رِجلاً إثر رِجل، ولا أقوى المجانيق ملامسة أسواره. ويبدو حصن ألموت للقاطنين فيه وكأنه جزيرة وسط محيط من الغيوم، وإذا نُظر إليه من تحت فإنه مأوى الجِنْ » |
.
الإستراتيجية العسكرية:
في سعى حسن الصباح ورفاقه لنشر المذهب الاسماعيلي في ايران.اعتمد على ستراتيجية عسكرية مختلفة عن تلك السائدة في العصور الوسطى. وتمثلت هذه الستراتيجية في الاغتيال الانتقائي للشخصيات البارزة في دول الاعداء. بدلا من الخوض في المعارك التقليدة التي تؤدي الى ايقاع الالاف القتلى من الجانبين. ولاجل ذلك اسس حسن الصباح فرقة متكونة من اكثر المخلصين للعقيدة الاسماعيلية وسماها ب"الفدائيين" .
وكان الفدائيون مدربين بشكل احترافي على فنون التنكر والفروسية واللسانيات والسيتراتجيات والقتل. وكان اكثر مايميزهم هو استعدادهم للموت في سبيل تحقيق هدفهم. وكان على الفدائيون الاندماج في جيش الخصم او البلاط الحاكم بحيث يتمكنوا من الوصول لاماكن ستراتيجية تمكنهم من تنفيذ المهمات المنوطة بهم. وهناك قصة مثيرة يرويها المؤرخ كمال الدين فيقول ان زعيم الحشاشين في سورية أرسل مبعوثا الى صلاح الدين الايوبي وأمره ان يسلم رسالته اليه دون حضور أحد فأمر صلاح الدين بتفتيشه وعندما لم يجدوا معه شيئا خطيرا أمر صلاح الدين بالمجلس فانفض ولم يعد ثمة سوى عدد قليل من الناس، وأمر المبعوث ان ياتي برسالته، ولكن المبعوث قال: "امرني سيدي الا أقدم الرسالة الا في عدم حضور أحد" فامر صلاح الدين باخلاء القاعة تماما الا من اثنين من المماليك يقفان عند رأسه وقال: "ائت برسالتك"، ولكن المبعوث اجاب: "لقد أمرت بالا أقدم الرسالة في حضور أحد على الاطلاق" فقال صلاح الدين:"هذان المملوكان لايفترقان عني، فاذا أردت فقدم رسالتك والا فارحل" فقال المبعوث:"لماذا لاتصرف هذين الاثنين كما صرفت الاخرين؟" فأجاب صلاح الدين:" انني اعتبرهما في منزلة أبنائي وهم وأنا واحد" عندئذ التفت المبعوث الى المملوكين وسألهما:" اذا امرتكما باسم سيدي ان تقتلا هذا السلطان فهل تفعلان؟" فردا قائلين نعم ، وجردا سيفهما وقالا:"امرنا بما شئت" فدهش السلطان صلاح الدين وغادر المبعوث المكان وأخذ معه المملوكين.[12].
طيلة ثلاث قرون نفذ الفدائيون اغتيالات ضد الاعداء الدينيين والسياسيين للاسماعيلة, وكانت هذه الهجمات تشن غالبا في الاماكن العامة على مراى ومسمع الجميع لاثارة الرعب. ونادرا مانجا الفدائيون بعد تنفيذ مهامهم, بل انهم لجئوا في بعض الحالات الىالانتحار لتجنب الوقوع في ايدي الاعداء.
النهج العسكري لدولة الحشاشين كان الى حدا كبير دفاعيا. فرغم انتشار الاسماعيليين في المدن الا ان المعاقل الرئيسية لهم كانت متمثلة في القلاع الحصينة والتي تبنى غالبا فوق قمم الجبال مما يجعلها ملاذا امنا في مواجهة اي غزو محتمل.حيث كان الحشاشون يحرصون على بناء مخازن كبيرة لخزن الماء والطعام داخل القلاع مما يجعلهم قادرين على مواجهة الحصار الطويل. وقد نجحت هذه القلاع في صد اغلب الهجمات الموجهة اليها والصمود لعشرات السنين.
الانشقاق عن الدولة الفاطمية:
اخذت الدولة الفاطمية على عاتقها نشر العقيدة الاسماعيلية في معظم المناطق الاسلامية وقد حققت بذلك نجاحات كبيرة في مصر واليمن والحجاز وبلاد الشام الا ان نشر الدعوة في بلاد فارس قد شكل تحديا مهما للفاطميين. وذلك لان ايران كانت بعيدة عن سلطة الدولة الفاطمية ووقوعها تحت الحكم السلجوقي السني الذي كان لا يتوانا عن قمع اي حركة اسماعيلية. الا ان هناك كثير من دعاة كانوا مستعدين لتحمل تلك المخاطر في سبيل نشر عقيدتهم. وكان من هؤلاء الدعاة حسن الصباح.
ولد حسن الصباح لاسرة شيعية اثنا عشرية واعتنق الاسماعيلية فيما بعد. وانتقل الى القاهرة سنة471هـ1078م لتعلم عقائد مذهبه الجديد بشكل اكبر[13].
كانت الدولة الفاطمية في تلك الفترة تعاني الكثير من المتاعب والفوضى الداخلية والخارجية. الامر الذي اجبر الخليفة والامام الفاطمي المستنصر بالله على الاستعانة بواليه على عكا بدر الدين الجمالي. واعطائه الصلاحيات المطلقة. نجح بدر الدين من تخليص الدولة الا انه استبد بالحكم حتى اصبح هو الحاكم الفعلي للدولة من دون الخليفة.
كان حسن شديد العداء لبدر الدين الجمالي حتى انه ابعد عن القاهرة وعاد الى اصفهان عام 473هـ1081م في ظل ظروف غامضة وبامر من بدر الجمالي[14].
بلغت سطوة بدر الجمالي أن عهد بالوزارة لابنه الأفضل شاهنشاه الذي كان يشاركه في أعمال الوزارة فلما توفي بدر في جمادى الأولى (487هـ =1094م) خلفه ابنه في الوزارة، وأقره الخليفة على منصبه، ثم لم يلبث أن توفي المستنصر بعد ذلك بشهور في (18 من ذي الحجة سنة 487هـ =29 ديسمبر 1094م) عن عمر يناهز سبعة وستين عامًا، وبعد حكم دام نحو ستين عامًا.
وكان الخليفة المستنصر قد سمى أكبر اولاده نزار المصطفى لدين الله خلفا له في الامامة والخلافة. الا ان للوزير الافضل الذي كان يهدف لتقوية مركزه الدكتاتوري خططا اخرى. فسارع للتحرك عقب وفاة الخليفة المستنصر مباشرة في خطوة وصلت الى حد الانقلاب في القصر. فقام بتنصيب الاخ الغير شقيق لنزار "أحمد" على راس العرش الفاطمي ولقبه بالمستعلي بالله.
وكان على المستعلي بالله اصغر ابناء المستنصر وابن اخت الوزير الاعتماد الكلي على وزيره القوي. سارع نزار المخلوع الى الفرار الى الاسكندرية وأعلن من هناك الثورة. وحققت ثورته نجاحات كبيرة.وتقدمت قواته الى مشارف القاهرة الا انها ما لبثت ان تعرضت لهزيمة كبيرة وقع على اثرها نزار في ايدي جنود الافضل ليسجن ويقتل.
وكان الخليفة المستنصر قد ابلغ حسن الصباح بن الامام من بعده سيكون نزار[15]. لذلك فهو لم يتردد في تأييد قضية نزار وقطع روابطه بنظام الحكم الفاطمي وأعتبر المستعلي بالله غاصبا للخلافة والامامة واتبعه بذلك جل الاسماعيليين في فارس.وبايع نزار وابنه الهادي من بعده على الامامة ليُعرفوا فيما بعد بالاسماعيلية النزارية[16]. وبمرور الوقت استطاع "النزاريون" لثأر لنزار وذلك باغتيال الوزير الأفضل سنة 1121م وفي عام 524هـ1130م تم اغتيال الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله في القاهرة من قبل عشرة حشاشين[17][18][19][20].
حكم حسن الصباح (1094م-1124م)/(487هـ-518هـ)
بمجرد أن سيطر حسن الصباح على قلعة ألموت بدأ بنشر دعاته في جميع أرجاء إيران السنية التي كان سكانها يتذمرون من الحكم السلجوقي للبلاد. فأرسل دعاته إلى كوهستان، وهي منطقة جبلية قاحلة -تقع على الحدود بين إيران وأفغانستان الحاليتين- وقد تحوَّل الأمر في كوهستان إلى ما يشبه الثورة الشعبية أو حركة اسقلال من الحكم السلجوقي فقد هبَّ الإسماعيليون في ثورات صريحة في كثير من أنحاء الإقليم وفرضوا سيطرتهم على عدة مدن رئيسية وهي شوشان وقعين وطبس وتون وأخريات[21]. وسرعان ما انتشرت الدعوة في منطقة رودبار المجاورة لقلعة ألموت وحققت نجاحاً لا يقلّ عن مثيله في كوهستان. وكانت المناطق الجبلية ذات ميزة واضحة للتوسع الإسماعيلي. وهناك مناطق مماثلة تقع في الجنوب الغربي لإيران في المنطقة بين خوزستان وفارس حيث البلاد المنيعة والسكان الساخطون على الحكم السلجوقي والتراث المحلي الموالي للشيعة والإسماعيلية[22].
وقد أثار هذا الانتشار السريع والانتفاضات على السلطة السلجوقية عظيم القلق عند السلطان السلجوقي ملكشاه ووزيره الأكبر نظام الملك الذي كان شديد العداء للإسماعيليين ولحسن الصباح.
ولم يتأخر السلاجقة في مواجهة هذا التمرد عسكرياً ففي عام 1192م قام السلاجقة بتحشيد جيوشهم، وفرضوا الحصار على قلعة ألموت معقل الدعوة الإسماعيلية وهاجموا منطقة كوهستان.
ويذكر المؤرخ الجويني بأن حسن الصباح لم يكن معه في قلعة الموت أكثر من ستين أو سبعين شخصاً في ذلك الوقت، ولكنهم نجحوا في صدّ مُحاصريهم، وفي إحدى ليالي سبتمبر من نفس السنة هاجم سكان رود بار بشكل مفاجئ الجيش السلجوقي؛ مما أدّى إلى انسحاب الجيش وانتهاء الحصار عن ألموت، ثم ارتفع الحصار في كوهستان عندما وصلت أخبار وفاة السلطان السلجوقي في نوفمبر 1092م485هـ ولم يحقق السلاجقة أيّاً من أهدافهم[23].
وفي تلك الأثناء أُحرِز أول نصرٍ كبير لهم. وكانت ضحيتهم الأولى الوزير السلجوقي نظام الملك الذي كان ذا سلطة عالية في البلاط السلجوقي؛ ومن أشد المحرّضين على الهجوم على الإسماعيليين ففي 12 رمضان 485هـ (16 ديسمبر 1092م) تقدّم أحد الفدائيين الإسماعيليين وهو مُتخفٍ بثياب الصوفيين نحو محفة الوزير الذي كان محمولاً ومتجهاً إلى خيام حريمه، فهاجم الوزير وطعنه فمات الوزير وقُتِل المهاجم.
بعد موت السلطان ملكشاه حدث صراع بين أبناءه على السلطة فقد تولى السلطة بعده السلطان بركيارق والذي كان مشغولاً تماماً بالصراع ضد أخيه غير الشقيق محمد تابار الذي كان يحظى بتأييد أخيه الشقيق سانجار، وكان على استعداد لأن يطلب المساعدة السريّة من الإسماعيليين لمواجهة أعداءه، فقد كان ممثلو بركيارق في خراسان يحصلون على تأييد الإسماعيليين في كوهستان ضد الجناح المنافس، حتى أنهم قاموا بالعديد من الاغتيالات ضد خصوم بركيارق.
وتمكّن الإسماعيليون من السيطرة على قلعة بشرق البورج في عام 1096م حيث حصلوا على مساعدات قيّمة من حاكم دمغان, وهو ضابط يُدعى مظفر كان قد تحول سراً إلى العقيدة الإسماعيلية، إلا أنه كان يتظاهر بالولاء للدولة السلجوقية حتى عُيّن قائداً على قلعة، فقام بترميمها وعندما اكتملت ترتيباته صدع بحقيقة انتمائه باعتباره إسماعيلياً من أتباع حسن الصباح، وظل يحكم القلعة 40 سنة, وكانت قلعة غيردكوه تطلّ على الطريق الرئيسي بين خراسان وغرب إيران مما جعلها ذات قيمة ستراتيجية كبيرة للقوة الإسماعيلية المتصاعدة.
واستطاع الإسماعيليون تدعيم قوتهم في رود بار أكثر فأكثر بالسيطرة على قلعة لامسار بهجوم شنّوه عليها في الفترة من 1096 إلى 1102 وكان يقود الهجوم "كيا بزرجميد" الذي ظل قائداً للقلعة طيلة عشرين عاماً. وكانت القلعة تحتل مكانا ستراتيجياً فوق صخرة مستديرة تطلّ على نهر شاه رود[24].
استمر الانتشار السريع للدعوة ليصل إلى أصفهان والتي كانت مقر السلطان السلجوقي نفسه، ورغم الصعوبات تمكّنوا من السيطرة على قلعة شاه ديز؛ والتي تقع بالقرب من المدينة. وكان أحمد بن عبد الملك بن عطاش يتولى الدعوة السرية فيها حتى تمكّنوا من السيطرة على قلعة أخرى قريبة من أصفهان تسمّى (حصن خالنكان)[25].
وفي صيف 1100م أوقع بركيارق الهزيمة بمنافسه محمد تابار الذي انسحب إلى خراسان وفي أعقاب النصر أصبح الإسماعيليون أكثر جسارة في نشر دعوتهم، وكسب مزيدٍ من التأييد الشعبي.
لكن بركيارق قرّر وضع حدٍ للقوة الإسماعيلية المتصاعدة في المنطقة. ففي عام 1101م توصل إلى اتفاق مع أخيه سانجار - الذي كان لا يزال يحكم خراسان - على اتخاذ موقف مشترك ضد الإسماعيليين. فأرسل سانجار حملة عسكرية كبيرة إلى معاقل الإسماعيليين في كوهستان وفرضوا الحصار على قلعتهم هناك، وكانوا على وشك الاستيلاء على القلعة لكن الإسماعيليين رشوا الأمير ليرفع الحصار ويذهب لحال سبيله[26]. إلا إن الحملة العسكرية قد عادت - وبشكل أقوى - بعد ثلاث سنوات، وقد نجحت هذه الحملة في تدمير قلاع الإسماعيليين في المنطقة، وسلب ونهب المستوطنات الإسماعيلية وأخذ بعض سكانها كأرقّاء. إلا أن كل هذا لم يكن كافياً في قمع الدعوة الجديدة؛ فقد استطاع الإسماعيليون بعد مدة غير طويلة تقوية أنفسهم في كوهستان مجدداً[27].
ولم يبذل بركيارق جهداً حقيقياً لمهاجمة مراكز الإسماعيليين؛ إلا أنه سمح بإعداد مذبحة للمتعاطفين مع الإسماعيلية في أصفهان. وهكذا أشترك الجند والمواطنون في تصيّد المشبوهين الذين كان يُحاط بهم ويؤخذون إلى الميدان الكبير حيث يقتلون وكان عدد ضحايا هذه المذبحة 800 إسماعيلياً[28], ومن أصفهان امتدت الإجراءات ضد الإسماعيليين إلى العراق حيث قُتلوا في معسكر ببغداد وأُحرقت كتبهم. وكان أحد الإسماعيليين البارزين -يدعى إبراهيم أسدآبادي- قد أرسله السلطان نفسه في مهمة رسمية إلى بغداد, فأرسل السلطان أوامر بقتله, وعندما جاء سجَّانوه ليقتلوه قال لهم أسد آبادي:"حسناً، إنكم ستقتلونني؛ ولكن هل يمكنكم قتل هؤلاء الذين في القلاع؟!"[29][30].
كانت سخرية أسدآبادي في محلها، لقد أُصيب الإسماعيليون بنكسة كبيرة بسبب غدر بركيارق بهم، ولكن ظلت قلاعهم منيعة، كما أنهم لم يستسلموا؛ ففي عامي 1101م و1103م تمكنوا من اغتيال مفتي أصفهان ووالي بيهق ورئيس الكرمية؛ وهي جماعة دينية متشددة ضد الإسماعيلية.
بعد وفاة بركيارق في 498هـ1105م بذل خليفته محمد تابار جهداً حازماً للقضاء على القوة الإسماعيلية نهائياً؛ فقرر أن يبدأ بقلعة أصفهان؛ لذا قاد جيشه بنفسه ضدهم؛ وألقى عليهم الحصار في 2 أبريل 1107م. لم يمضِ وقت طويل على الحصار حتى تمّ الاتفاق على إخلاء القلعة وتسليمها للسلطان مقابل السماح للإسماعيليين بالمغادرة بسلام. وبالفعل أخلى جزء من الإسماعيليين القلعة وانصرفوا إلى مراكز الإسماعيليين القريبة، إلا أن أحمد بن عطاش -زعيم القلعة- وثمانين آخرين رفضوا الانسحاب وقرروا القتال حتى الموت فهوجمت القلعة، وقُتل جميع مَن فيها وأُسر ابن عطاش الذي عرض في موكب طاف شوارع أصفهان ثم سلخ حياً وأُرسل رأسه إلى بغداد[31].
ولكن السلطان السلجوقي الجديد لم يكتفي بذلك، فقرر قيادة حملة عسكرية لتدمير المراكز الرئيسية للإسماعيليين المتمثّلة في قلاع رودبار وغيردكوه؛ وبخاصة قلعة ألموت العظيمة مقر حسن الصباح. ففي عام 1107م-1108م أرسل السلطان حملة عسكرية إلى رودبار تحت قيادة وزيره أحمد بن نظام الملك والذي كان والده أول ضحايا الإسماعيليين أحرزت هذه الحملة متاعب كثيرة للإسماعيليين، إلا أنها فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي في الاستيلاء على قلعة ألموت.