ما يثير استغرابنا – حقيقة – أن تبقى ذكرى كربلاء لا تترجم جماهيريا إلا عبر الخطابة المنبرية، وما يثيرالعجب أكثر انزواء الأقلام المثقفة عن هذه الذكرى بدعوى طائفيتها وأثرها السلبي على الشعور الوطني، وهو مما لا يتناسب والمثقف الموضوعي.
هناك من المثقفين من يؤمن بهذا الشعار، فيبتعدون عن كل ما يظهر كربلاء في كتاباتهم، حفاظا على أواصر المحبة والوطنية وتنديدا بأي بمظهر يذكي الطائفية وطبعا تذكر كربلاء وظلامات أهل البيت عليهم السلام أبرز مظاهرها، فحين يبارك الأخوة لبعضهم البعض ويتبادلون القبلات ببدء سنة هجرية، يكون الشيعة قد نصبوا العزاء والحزن واللطم بذكرى عاشوراء فتثار حماستهم في لعن يزيد كل عصر.
ولذا ابتعد – وللأسف الشديد – كثير من كتابنا وأدباؤنا عن الكتابة شعرا ونثرا في كربلاء سوى قلة، بينما انحصر أغلب شعرهم سابقا في الطف ( الشعر في الجزيرة العربية خلال قرنين: 1150- 1350هـ، للدكتور عبد الله الحامد ) فراح شغل مثقفينا الشاغل الحديث عن ردود فعل الآخرين عندما يشاهدون الشعائر الحسنية، وكأن البكاء على أمر مضى عليه 1370سنة – وهو أهونها - لا يعده الآخرون أمرا مستهجنا.
هنا أقف متأملا في هذا الكلام حيث نقف متأملين في هذا الكلام حيث نقف كجنود مجندة في جيش الطاغية يزيد إعلاميا ونلعق الثقافة قبل الدين بحسب بما يدرا علينا وخصوصا عندما نستخدم متاريس ورماح وسيوف هلامية ( الوطنية – الطائفية ).
مصطلح ( الوطنية ) كـ ( الحرية ) ذو آفاق وأبعاد فكرية لا يمكن تحديدها؛ فعندما نقول لأحدهم ما هو الانتماء الوطني ؟ هل هو الانتماء للجغرافيا السياسية؟ ماذا عمن يهربون من الوطن خوفا من طقسه قبل حربه ويصعب عليه أن يقف تحت حرارة وطنه فضلا من الوقوف أمام العدو.
الحسين عليه السلام كجده النبي الأعظم صلى الله عليه وآله سلم لم يهتم بالجغرافيا والحدود، وإنما كان همه دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فالدين باق وظاهر، والجغرافيا السياسية إلى زوال قد أسقطها الحسين عليه السلام في الهند قبل العراق؛ لكن – اي الحسين عليه السلام - يقبل الإنسانية في جون والسيد في الحر والعثماني في زهير فكان هادما للطائفية القبلية التي أعادها الأمويون.
وأما الطائفية ( السياسية، الدينية، الفكرية ) تتمثل في الابتعاد عن فكر الحسين عليه السلام والدعوة إلى الابتعاد عن ذكرى كربلاء، حيث لا تصب – هذه الدعوى – في الإيمان بالتنوع في الوطن والقبول بالآخر، والتواصل معه فكرا ومعتقدا.
إن الطائفية التي تحارب النهج الحسيني وتستميت في الدفاع عن طائفة يزيد شارب الخمر وتدعونا إلى عدم إظهار وإبراز ذكرى كربلاء لأنها تتنافى والوطنية الحقة .. بل هي التي تشعر المواطن بحقه الكامل في التعبد بالطريقة التي يراها استكمالا للحق الأسمى حيت حرية المعتقد التي تكفله الوطنية.
.. ربما .. أقول ربما سنسمع قريبا بأن الحسين عليه السلام لم يكن وطنيا، وكان طائفيا ..
التعليقات (0)