الحسيني:في كل زمان هتلر والمحرقة مستمرة
"هٶلاء الذين لايتذکرون الماضي محکوم عليهم بإعادته"، هذا الکلام البديع قول مأثور للکاتب والفيلسوف الإسباني جورج سانتيانا، فيه الکثير من المعاني والعبر البليغة، ذلك أن التاريخ عبارة عن مدرسة للبشرية جمعاء وتقدم خلال مختلف مراحلها أحداثا وتطورات ولاسيما الحروب والمجاعات والکوارث والمصائب المختلفة، کدروس لمن يفهمها ويستوعبها ويدرك أهدافها ومراميها، ومايقصده و يعنيه هنا هذا الفيلسوف بالذين لايتذکرون الماضي هم الذين لا أو لم يستفيدوا من الذي جرى لأسلافهم و يرتکبون أخطاءهم التي أذاقتهم المصائب و الويلات ، ولهذا فإنهم سيجدون أنفسهم يوما أمام سيناريوهات شبيهة أو مماثلة للتي جرت لآبائهم و أجدادهم.
التمعن في العديد من المراحل التاريخية وماجرى خلالها من أحداث وحروب و قضايا مختلفة، نجد دائما أن هناك ثمة خيط رفيع يربط فيما بينها جميعا، ولاسيما الحروب والإيغال في إرتکاب الأخطاء الشنيعة وتکرارها بشکل خاص من قبل الطغاة الذين هم في حالة دائمة من الهروب للأمام، وأن الذي شکل جانبي المعادلة في کل الأحداث التاريخية قطباه الاساسيان، أي الظالم والمظلوم، الحق و الباطل، الخير والشر، الحارق والمحروق، وأن تسليط الأضواء على ماقد ارتکبه هتلر من جرائم ومجازر کبيرة تجعله وبحق خليفة لفرعون في إجرامه و ساديته ليس ضد السامية وانما ضد البشرية کلها.
سنوات الحرب العالمية الثانية بکل صفحاتها السوداء، يتحمل مسٶوليتها هتلر بنفسه ولاسيما عندما أقدم على فعلته النکراء بحرق اليهود وإبادتهم و الحقيقة ان تذکر المشاهد المأساوية الدامية لما ارتکبه هتلر تعطي لنا انطباعا بأنه لم يحرق اليهود فقط وانما أحرق الإنسانية والحضارة وکل قيم الخير والحق والجمال، وهذه الحقيقة يقر بها کل من يحمل في داخله ضميرا حيا يرى الاشياء على حالها ويسمي الأشياء بأسمائها.
اليوم و بعد مرور أکثر من 4 قرون على فرعون وطغيانه وکذلك مرور أکثر من 60 عاما على جرائم وفظائع هتلر ، فإننا نجد وکأن فرعون قد بعث من جديد ليسوم الناس و يعذبهم أو أن هتلر قد وقف بين ظهرانينا ليدمر الحجر ويحرق البشر من جديد، والحق أن في داخل کل ظالم و طاغية ومتعنت فرعون يقترف جرائم و مجازر هتلر خصوصا عندما نرى الإرهاب يکاد أن يضرب في مختلف أصقاع العالم، وأن البشرية مدعوة لکي لاتسمح وفي الألفية الثالثة بعد الميلاد لهذه النماذج بأن تٶدي نفس الدور الذي أداه فرعون أو هتلر أو من کان على شاکلتهما، و يجب أن تبادر البشرية في هذا العصر للقيام بدور مختلف تماما عن ذلك الذي جرى في العصور السابقة بأن تسبق الحدث السيئ وتصنع عوضا عنه الحدث الجيد والمفيد للإنسانية.
عالم الإجتماع العراقي المعروف علي الوردي يقول:" التاريخ الذي درسناه في المدارس جعلنا نحفظ الملوك وفتوحاتهم دون أن نسأل عن مشاعر الشعوب المكبوته بعد الفتح".
وهنا يجب علينا دائما أن نضع أنفسنا مکان المظلوم والمحروق و المقموع، فذلك ماسيجعلنا على بينة کاملة من مجريات الأمور کلها ويدفعنا لکي لاننظر و نتأمل النصف المملوء من الکأس، وان القرآن الکريم بحد ذاته قد حفز الإنسان على مواجهة الظالم و على عدم القبول بظلمه خصوصا إذا مامس الأبرياء بضر و شر کبير کما جاء في الآية الکريمة:" إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيه"، ذلك أن الزمان يدور والأحداث قد تعاد نفسها ولکن في أزمان مختلفة کما يٶکد القرآن الکريم:" وتلك الايام نداولها بين الناس"، وإن الذي يکره الحرب والعنف والدمار والحقد والکراهية والعنصرية ويسعى من أجل السلام و الحب والود والوئام والإستقرار و الطمأنينة عليه أن يبذل مابوسعه من أجل ذلك حيث أنه وکما يقول المثل الصيني "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام ألف مرة".
البشرية اليوم هي أحوج ماتکون لموسى کي ينقذها من فرعون وهتلر هذا العصر فالبشرية لاتريد الحرب والحقد و الکراهية وانما تريد السلام والمحبة والود والتعايش السلمي والقبول بالآخر ولاريب من أن البشرية کلها مطالبة بأن تقف إلى جانب موسى ضد فرعون ليتم إطفاء نار هتلر وبذلك تٶکد بأن الطغاة من أمثال فرعون وهتلر لم يبق لهما ولأفکارهما و ممارستهما من أي مکان في هذا العصر.
* السيد محمد علي الحسيني.
التعليقات (0)