مواضيع اليوم

الحسن و الحسين و معاوية .. و رسائلهم

محمد شحاتة

2010-08-01 21:55:08

0

جريمة قتل ..

 لم تفلح مئات السنين العابرة فوق ثراها أن تطفئ نارها المشتعلة حتى الآن ..

ولم تنجح رياح الدهر أن تجفف دماءها النازفة حتى اليوم .. ولم يستطع أحد من عشرات الملايين من المسلمين الذين تواردوا على مدى قرون كاملة أن يعيد الشمل الذي تفرق .. وأن يوحد الطرق التي انشعبت وأن يرأب الصدع الذي تشقق على أرض كربلاء حيث مقتل الحسين حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من آل البيت الطاهرين على يد رموز من بني أمية ...

إنها جريمة القتل الوحيدة ليس على مستوى المسلمين فحسب بل على مستوى التاريخ البشري التي بقي ملف التحقيق فيها مفتوحاً على مدار المئات من السنين .. قضاتها يعدون بالملايين .. وشهودها أحياء وميتين .. سطرت في تحقيقها مئات الألوف من المجلدات والكتب والأبحاث .. وأهرقت في كتابة أوراقها بحور من المداد .. وتجاوزت أدلة الاتهام فيها وزن الجبال عند أحد الفرق .. ومثلها من دفوع الاستبراء من إثمها عند أخرى .. ومثيلهما من دوافع الصمت والنزوع إلى الحياد عند غيرهما ..

وبالرغم من أن تاريخ المسلمين قد حفل بحوادث اغتيالات وقتل رموز ورءوس كبرى ولها أوزانها الثقلى لدى المسلمين من أمثال الفاروق عمر بن الخطاب الخليفة الثاني وعثمان بن عفان الخليفة الثالث وعلي بن أبي طالب الخليفة الرابع وغيرهم وغيرهم من الصحابة والأولين والسابقين إلا أن حادثة مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب لا تزال هي الأخطر والأهم والأشد أثراً في تاريخنا ..

و لأنها المنطقة الشائكة في حياة المسلمين .. ولأنها المفترق الذي انشعبت منه وعنه فرق.. و اتجاهات ..ومذاهب ..ومدارس.. وجماعات تتآلف وتتضاد.. وتتجانس وتتعاكس.. بل وتتكافر وتتنافر ..فإنها لا زالت المنطقة الساخنة التي لم تنطفئ نارها بعد .. ولازالت دماؤها السخينة لم تبرد بعد ..

وبمناسبة أخر فتوى تكفيرية أفتاها الشيخ علاء أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية بكفر بني أمية، لتورطهم في قتل الإمام الحسين وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في موقعة كربلاء الشهيرة، وقال فيها إن أبا سفيان وابنه معاوية- أحد كتاب الوحي- ليسا من الصحابة .. وقد برر أبو العزائم فتواه بتكفير بني أمية قتلهم الإمام الحسين وعلى رأسهم يزيد بن معاوية وقادة جيشه في كربلاء وواليهم في العراق الحجاج بن يوسف الثقفي بأنها تستند إلى الحديث الشريف الذي يؤكد أن "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"..
فإننا وبين أيدينا الرسائل المتبادلة بين آل البيت ممثلين في الحسن والحسين وآل أمية ممثلين في معاوية بن أبي سفيان .. قد رأينا أن نقترب من هذه المنطقة الملتهبة ونتعرف من خلال الرسائل المتبادلة بينهم في شأن الأحق بالبيعة وخلافة أمر المسلمين . ومصدرنا في ذلك كتاب (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الأصفهاني لنلقي الضوء على زوايا كثيرة وقضايا خطيرة أنبت عنها تلك الرسائل ....
ولنبتدر برسالة الحسن بن علي رضي الله عنه حيث كتب الحسن إلى معاوية مع جندب بن عبد الله الأزدي
: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله الحسن أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان:
سلام عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن الله تعالى عز وجل بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ومنةً على المؤمنين، وكافة إلى الناس أجمعين " لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين " فبلغ رسالات الله، وقام على أمر الله حتى توفاه الله غير مقصر ولا وان، حتى أظهر الله به الحق، ومحق به الشرك، ونصر به المؤمنين، وأعز به العرب، وشرف به قريشاً خاصة، فقال تعالى: " وإنه لذكر لك ولقومك " فلما توفي صلى الله عليه وسلم تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه، ولا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد في الناس وحقه، فرأت العرب أن القول كما قالت قريش، وأن الحجة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم فأنعمت لهم العرب وسلمت ذلك، ثم حاججنا نحن قريشاً بمثل ما حاجت به العرب، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها، إنهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف والاحتجاج فلما صرنا أهل بيت محمد وأوليائه إلى محاجتهم، وطلب النصف منهم باعدونا، واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا، والعنت منهم لنا، فالموعد الله، وهو الولي النصير.
وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا، وسلطان نبينا صلى الله عليه وسلم وإن كانوا ذوي فضيلةٍ وسابقةٍ في الإسلام، فأمسكنا عن منازعتهم مخافةً على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزاً يثلمونه به، أو يكون لهم بذلك سبب لما أرادوا به من فساده، فاليوم فليعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضلٍ في الدين معروف، ولا أثرٍ في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدى قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله خيبك وسترد فتعلم لمن عقبى الدار، تالله لتلقين عن قليلٍ ربك، ثم ليجزينك بما قدمت يداك، وما الله بظلام للعبيد.
إن علياً - رضوان الله عليه - لما مضى لسبيله - رحمة الله عليه - يوم قبض، ويوم من الله عليه بالإسلام، ويوم يبعث حياً - ولأني المسلمون الأمر بعده، فأسأل الله أن لا يزيدنا في الدنيا الزائلة شيئاً ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامته، وإنما حملني على الكتاب إليك الإعذار فيما بيني وبين الله سبحانه وتعالى في أمرك، ولك في ذلك إن فعلت الحظ الجسيم، وللمسلمين فيه صلاح، فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي، فإنك تعلم أني أحق لهذا منك عند الله وعند كل أواب حفيظ، ومن له قلب منيب، واتق الله، ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، ما دخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله، ومن هو أحق به منك، ليطفئ الله النائرة بذلك، وتجمع الكلمة، وتصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيك نهدت إليك بالمسلمين، فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
انتهت الرسالة وبدأ الدور في إلقاء الضوء عليها وتفنيدها من حيث لغتها الرصينة وعباراتها البليغة وألفاظها الواضحة القوية الجلية لا ندرك جماليتها سوى في أيام لغتنا الضحلة هذه .. ثم نعرج على أهم قضية (منطقية) يستند عليها الشيعة في وجوب حصر الخلافة في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بقول الحسن رضي الله عنه وعن والديه وجده .(( أن قريشاً قد احتجت على العرب بحقها في خلافة النبي بأنها قبيلته وأسرته وأولياؤه وإذا كانت هذه حجة قريش على العرب فإن آل بيت النبي هم الأقرب والأولى بخلافة النبي من قريش فلزمت بذلك الحجة على قريش إلا أن قريشاً باعدت آل بيت النبي وظلمتهم وأولتهم إلى العنت والمراغمة ))..

بل إن الحسن ينقل تعجبه واندهاشه من توثب المتوثبين على حق آل البيت في خلافة النبي ومع ذلك ودرءاً للفتنة والمغامزة ودرءاً للفساد فقد أمسك آل البيت عن منازعتهم وذلك حسباناً لفضلهم وسابقتهم في الإسلام ..

ثم انتقل الحسن إلى أقصى درجات العجب والاندهاش من أن يطمح معاوية بالذات ويتطلع إلى أمر هو ليس من أهله وليس له فضل في الدين معروف ولا أثرة سابقة ولا علامة فارقة في الإسلام وذلك باعتبار أن معاوية بن أبي سفيان ابن ألد أعداء قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. وفي هذا تتوارى عبارة أن الإسلام يجب ما قبله ..

ثم انتهت الرسالة بإبراز الغاية منها ألا وهي الإعذار والإنذار من الحسن إلى معاوية بألا يسير في ركاب الباطل بمنازعته آل بيت النبي في حقهم بخلافة النبي .. وأن يدخل ضمن من دخل من الناس في مبايعة الحسن بن علي بن أبي طالب في خلافة أمر المسلمين ....

فماذا كان جواب معاوية على رسالة الحسن ؟!

 هذا ما سنتناوله في القادم بإذن الله .....

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !