يثير تقرير التنمية الإنسانية العربية لسنة 2004 الفزع فى ردهات الأنظمة العربية ، بالرغم من كونه تقرير مثل مئات التقارير التى تعلن عالمياً فساد الأنظمة الحاكمة فى تلك البقعة من العالم التى يتحكم فى مصائر شعوبها العربية حكومات ألف ليلة وليلة .
عنوان التقرير هو " الحرية والحكم " مما يجعله مصدراً يثير القلق ويزيد من الهلع والخوف لدى الحكام العرب من فضح الأستراتيجيات الغير إنسانية التى تمارسها حكوماتهم العربية والتى توهم بها مواطنيها بأنها حكومات وطنية تعمل من أجل نشر النماء والرخاء فى ربوع بلادهم التى أصبحت من أملاكهم الشخصية الوراثية .
هناك كثير من القوى الداخلية والخارجية تعارض نشر هذا التقرير لما يحتويه من حقائق وتجاوزات ضد الإنسان المسلوبة حقوقه ، فالأنظمة الحاكمة تخشى وترفض الحرية بالمفهوم الإنسانى ، وتريد مفهوم آخر للحرية العربية يتلاءم مع التقاليد والعادات العربية التى تكرس جميعاً للعنصرية والدكتاتورية الوراثية وأغتصاب حقوق الإنسان تحت مسميات سياسية أو دينية أو إجتماعية ، فالحكومات العربية ومؤسساتها المختلفة قد تأقلمت مع سياسات الفبركة والنفاق والتدليس والتعتيم عن الحقائق التى ترسخت فى أذهان العاملين بها أو فى أذهان شعوبها .
الحرية الحبيسة فى بلادنا العربية لن ترى النور الحقيقى إلا إذا تخلص الفرد والمثقف العربى من ثقافته التى تقيده بتقاليد الجاهلية والهمجية والدكتاتورية التى حكمت المنطقة العربية طوال عصور ماضية ، مازال الصوت الثقافى والتاريخى يتغنى بها كأفضل عصور الديموقراطية والأزدهار والحضارة ، لأننا شعوب تحتل المرتبة الأولى فى سرد الأشعار والمعلقات الطويلة وأخبار السير والبطولات العربية التى يزخر بها قاموسنا الشعبى ولا نحاول إصلاحه جذرياً بل نخاف أن يندثر وتفقد أجيالنا القادمة صور ذلك التراث الكبير ، ويحاولون إحيائه وتطويره ليتناسب مع عصرنا الساذج الذى من السهل الدخول إليه وإقناعه بأننا أمة تمتلك كل عناصر القوة والطاقة والحضارة والشطارة ، أمة تلعب بالبيضة والحجر كما يقول المثل المصرى !
شعوب عربية تتلمذت فى مدارس الرؤساء العرب الخاصة ، تلك المدارس التى تتلاعب بأفكارها وتخدع وتتملق شعوبها ، خير مثال حى هو النظام المصرى الذى يرفض تعديل الدستور لأن الوقت لا يتسع لذلك " وأغلب الظن أن صدر النظام يضيق لذلك " ، ذلك الدستور الذى لا يسمح بالأنتخابات الرئاسية الحرة المبنية على أسس ديمقراطية سليمة .
حتى الرئيس مبارك فى لقاءه مؤخراً مع قناة العربية التى كان واضحاً أهتمام المذيع الرئيسى بشخص المرحوم الشيخ زايد وكأن الأسئلة الهامة قد أبتلعها الطوفان ولم يجد لديه إلا أسئلة وليس سؤال واحد عن الشيخ زايد ليسد به فراغ المقابلة التى يجريها مع رئيس مصرى عربى ، كان واضحاً أهتمام الرئيس فى إجابته عن السؤال اليتيم فى آخر المقابلة أن يؤكد على إرادة الشعب فى أستمراره رئيساً لمصر ! ولم ينسى المذيع العبقرى أن يسأل الرئيس مبارك عن أحفاده المصريين أقصد أحفاد أولاده ، وهل لديه وقت لزيارتهم والأطمئنان على صحتهم وصحة إللى خلفوهم لأن هذه هى مشكلة المشاكل عند المصريين الذين يرفضون أن يذهبوا إلى مدارسهم وأعمالهم إلا بعد الإطمئنان على أحفاد الريس ، هذا نموذج من الإعلام المريض الذى يمجد الرؤساء والملوك العرب ويترك الشعوب مرمية فى شوارعها الخلفية تئن من وطأة مشاكلها وهمومها اليومية !
من الأمور التى يزداد اليقين بها أننا شعوب نحب أن نتكلم عن قضايا ومشاكل الآخرين وننسى ونتناسى قضايانا الحيوية داخل الدولة ، ومن السهل أن يتحد النظام وأبناء الشعب وأحزاب المعارضة فى الهجوم على الأحتلال فى العراق أو فى فلسطين وحتى فى بلاد الواق الواق وتسخير كل الوسائل للحديث عن سجن أبو غريب وجماعات الزرقاوى وجماعات المقاومة أو الأرهاب ، لكننا نتشرزم ونتفرق عندما يصل الامر إلى الحديث فى قضايانا الداخلية لوطننا أو دولتنا وكأن هناك عفريت بيلعب بعقول البشر يصيبهم بالغيبوبة وتصاب عيونهم بالعمى عن رؤية مشاكلهم وكم لديهم من سجون أفظع من أبو غريب ، ذلك العفريت الذى أخترعته الأنظمة العربية بشعارات القومية والعروبة وغيرها من الشعارات التى أنزلت الهوية والإنتماء للوطن إلى الحضيض .
إلى متى سيظل المواطن العربى يخشى الحقائق ويخشى مواجهتها ؟ أم أنه لم يكتشف بعد أن ما ينشره العالم من تقارير ومنها تقرير التنمية الإنسانية العربية لسنة 2004 هى تقارير تتحدث عن واقعنا المعاصر وليس عن واقع وزمان أبو زيد الهلالى ؟
2005 / 2 / 3
التعليقات (0)