مواضيع اليوم
|
|
لا شك أن الغاية من الوجود البشري تحدد الماهية التي يجب أن تكون عليها النفس البشرية في علاقاتها المتنوعة مع الكون، وخالق الكون، وأجزاء الكون.
وقد جاءت الشرائع السماوية سندا لهذا الكائن في تحديد هدفه الوجودي، وتحديد المنهاج الكفيل بتحقيق ذلك الهدف، وأعطي الإنسان قدرة عقلية ميزته عن سائر الخلق؛ ليستعين بها في الفصل بين الحق والباطل، والاهتداء إلى المنهج السوي المستقيم” وهديناه النجدين”،وأُعلمَ أن رحلته القصيرة في هذه الدنيا ليست كل شيء، بل هناك وراء هذه الحياة، حياة هي الحيوان، وفيها الخلود، ولها يجب أن يكد ويعمل. وفي سياق هذا التكليف الرباني والتمييز عن سائر الخلق؛ كرم الإنسان، وأعطي مكانة لم يعطها غيره، وكان مشروع الحرية في حياته جزءا من التكوين الفكري المناط به للتحرك نحو الهدف، وارتبط ارتباطا مصيريا بخالقه، واستجاب بفطرته لهذا الناموس، فكانت أسئلة الوجود الكبرى تلاحقه ولا تغيب عنه أبدا. وإذا كان هذا التفكير( في الوجود) قد انتظم في ذاكرته بفطرة عفوية، أو فعل لا إرادي، من خلال طبيعته المتميزة القائمة على تفعيل دور العقل في البحث والإرشاد،فإن الخطاب الرباني قد سهل عليه مهمة الاهتداء، وقرب إليه أسباب الهداية وحجج الاقتناع،وإذا كان القرآن قد جلل الرسالات كلها بخاتمة شاملة؛ فإن إجابة القران عن سؤال الوجود كانت شافية كافية، بل إنها طرقت الذاكرة البشرية مع أول مصافحة عملية لها، إثر نزول القران على قلب الحبيب- صلى الله عليه وسلم-؛ ففي سورة العلق -وهي سورة تتحدث عن وجود الإنسان وخلقه ومساره ومآل أمره- حددت معالم هذا الوجودـ وأشبعت ذاكرة الإنسان بما تحتاجه من أدلة دامغة على حقيقته؛فأول أية تربط الموجود بالواجد: “اقرأ باسم ربك الذي خلق “ وهنا –أيضا- تحديد لغاية الوجود؛ أي من خلال مفهوم الربوبية بإضافة الموجود إلى الرب لا إلى الخالق؛ أي “ربك” بدل “خالقك”، وهذه لطيفة دلالية تستحضر –هنا- في التوجيه الفكري، ثم في الآية الثانية حديث عن اصل الوجود ومما كان” خلق الإنسان من علق” ثم طريق المعرفة” علم بالقلم “ “ علم الإنسان ما لم يعلم”. ثم انتظمت حياته في تشكُّلات اجتماعية لتسهيل مهمته؛ فكان منتميا انتماء فطريا لجماعة تبدأ بالأسرة وتنتهي بالدولة أو “الأمة”، وقد حرصت الشرائع الدينية مجتمعة على تحرير العباد من العبودية لغير الله وإطلاق إساره في آفاق الكون، وانطلقت عبارة الخالدين مدوية في الآفاق” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا” ثم انتظم الفكر الإنساني في التكليف الرباني في قطبين،أو منهجين:”قطب نصي، وقطب عقلي،أما القطب النصي فهو الذي اعتبر المنتمون إليه أن تعاليم الوحي هي المحدد الوحيد في كل الأزمان للمنهج الخلافي دون أن يكون للعقل أي دور سوى التنزيل المباشر لظواهر النصوص في حياة الناس على وتيرة تكاد لا تختلف باختلاف الظروف إلا بالقدر اليسير”( ) الحرية في التصور والاعتقاد الطبيعة البشرية طبيعة إبداعية، قادرة على التطور، والرسالات السماوية رسالات تبليغ لا إكراه، وهي تستميل العقل والقلب من خلال خطاب حكيم، ولا تكره النفس على التزام الشرع دون إقناع،قال تعالى :” فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر، إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر ان إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم”( الغاشية- 21-26) والإكراه في الدين غير جائز للأمور الآتية: “النص الصريح كما في الآية السابقة،ثم إن الدنيا دار اختبار وابتلاء، ولا بلاء إلا بحرية الاختيار،ثم لتنافي الإكراه مع الطبيعة العقدية نفسها،من حيث كونها عنصرا نفسيا، ومن المحال تكوين أو تأسيس حقيقة نفسية بالإكراه؛ إذ الإسلام لا يشرع من الأحكام ما لا يستقيم مع طبائع الأشياء،ثم لأن الإسلام يعتقد أن معاذير المخالفين قد أبليت؛ لأنه أقام الحجة القاطعة،بل البالغة على الإلوهية والوحدانية؛ لقوله تعالى:” قد تبين الرشد من الغي” بالآيات المنصوبة في مظاهر إبداع الخلق الإلهي في الكون والإنسان.”( ) الحرية والنشاط السياسي من كليات التصور الإسلامي أن النظام السياسي الإسلامي انبثق من دستور الهي،وان المسلمين مطالبون بتطبيق شرع الله في كل شؤون حياتهم, وهم مطالبون بتحكيم ما أمر فيما بينهم، وهم إن لم يفعلوا فقد باؤوا بغضب من الله، وعدوا من المخالفين:” ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون”(المائدة 44)ز هذا التكليف الشرعي على المستوى الفردي إعلان رباني لممارسة السياسة،والزام للفرد بأن يكون تحت مظلة الحكم الربانين بل إن الفرد مكلف بتحمل المسؤولية في بناء المجتمع وصيانته من كل فساد آو خلل” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعتيه، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته. “( ) هذه المسؤولية تشبه إلى حد كبير المستوى الأكثر قربا من المسؤولية السياسة المباشرة، من خلال الشورى”قال تعالى:”والذين استجابوا لربهم، وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون”(الشورى 38)؛فالشورى” وظيفة تؤدى” من أجل الغير،فردا كان أو مجتمعا،فكانت حقا وواجبا معا،وباعتبار أن السياسة إنما تعني القيام على الأمر بما يصلحه،أو هي تدبير الأمر في الأمة داخلا وخارجا تدبيرا منوطا بالمصلحة؛ فإن الشورى السياسية في جوهرها ليست إلا مبدأ عاما يوجب على الصفوة المختارة من أبناء الأمة اختيار الصالح المناسب لظروفها، وهو القوي الأمين الذي ينهض بمهام سياسة الدولة تحقيقا لمصلحتها العليا.”( ) وهنا أجدني أدلف إلى عالم التصور السياسي الحديث من خلال الممارسة العملية في تشكيل الأحزاب الممثلة للشعب، واختيار الحاكم المناسب، والبرلمان المناسب. كل هذه التشكيلات السياسية جزء من مسؤولية الفرد والجماعة، وهي تقع ضمن الواجبات المنوطة بتبليغ هذا الدين وتمكينه، ونصر هذا المنهج، وتحكيم شرع الله. والممارسة السياسية جزء من الحرية التي طولبنا بها لننقذ العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. والقمع السياسي والدكتاتورية الجبرية لا تقع إلا ضمن دائرة السلب والظلم والحرمان،والدعوة إلى التغيير جزء من التصورات العقدية للإصلاح “ أخبرنا أبو موسى إجازة أخبرنا أبو نعيم عبيد الله بن الحسن الحداد إذنا أخبرنا إسماعيل بن عبد الغفار أخبرنا أحمد بن الحسين بن علي أخبرنا محمد بن عبد الله الحاكم أخبرني جعفر بن لاهز بن قريط عن سليمان بن كثير الخزاعي وهو جد جعفر أبو أمه عن أبيه كثير عن أبيه أسعد بن بعد الله بن مالك بن أفصى الخزاعي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : “ أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة وإذا رأيت أمتي لا يقولون للظالم : أنت ظالم فقد تودع منهم “( ) إن القمع السياسي وكبت الحريات التي تمارسه بعض النظم العربية تحت عباءة الإسلام الأمريكي المضلل قد عطل الحياة الإسلامية، وارخص العقيدة، وجعلنا غثاء كغثاء السيل، تبع لعدو لا يأل فينا إلا ولا ذمة، وقد صدق فينا حديث رسولنا:عن أبي عبد السلام، عن ثوبان، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : “ يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها “، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : “ بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن “، فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : “ حب الدنيا، وكراهية الموت “. |
التعليقات (0)