ما فعله الصهاينة بسفن أسطول الحرية سيبقى وصمة عار أبدية أخرى ، تُضاف إلى السجل الصهيوني ، الذي امتلأت صفحاته بالمجازر والقتل والتدمير ، حتى صار هذا السجلُّ مثقلا بأشلاء الأطفال ودماء الأبرياء ، عبر أكثر من ستين عامًا من الإجرام المنظم ، الذي طالَ كلَّ شيءٍ ابتداء من فلسطين المحتلة ، وليس انتهاء بتونس والعراق والأردن وسوريا ومصر ولبنان والإمارات والسودان والصومال ، وأمكنة أخرى من العالم ، ارتكبَ فيها كثيرًا من أعمال الاغتيال والخطف و التجسس وغير ذلك ..
والدولة الصهيونية تفعل كلَّ ما تفعله ، على مرأى ومسمع من العالم كله .. بل ، وتلقى الدعم والتأييد قبل الفعل ، وتلقى التسويغ والحنوَّ ، والحماية من المجتمع الدولي والأمم المتحدة بعد الفعل ، ولا يهتز ضميرُ العالم " المتحضّر " لكل تلك الممارسات الإجرامية العدوانية اللا إنسانية ..
إن ما فعلته الدولة الصهيونية ، في عرض البحر الأبيض المتوسط ، وما تزال تفعله مع سفينة راشيل كوري ، لم أجدْ له وصفًا قذِرا وشنيعًا يليق به .. ولا يوجد في كل معاجم اللغات العالمية كلماتٌ توَصِّفُ حجمَ الجريمة التي ارتكبتها العصاباتُ الصهيونية الغادرة ..
وككل مرة ، وقبل أن يصحوَ ضميرُ العالم على هول المجزرة ، خرجتْ علينا الإدارة الأمريكية ، بكل " إنسانيتها " تعلن : أنَّ من حق "إسرائيل" أن تفعلَ ذلك لتدافعَ عن نفسها ..
فما كان من الحكومة الصهيونية إلا أنْ كرّمَت المجرمَ الذي قتلَ ستة من شهداء أسطول الحرية ..
كيف فعلتْ دماءُ الحرية فِعلها ؟؟
لقد انقلب السحر على الساحر، وانتصر السيف على الجلاد ,, ومع كل تلك الوحشية ، فقد حقق المتضامنون وأسطولهم ، أكبرَ النتائج التي لم يتوقعْها أحدٌ ..
وجاء مهرجانُ حزب الله في بيروت ، تأييدًا ودعمًا وشكرًا للموقف التركي من قضايانا ، لما قدَّمه أسطولُ الحرية وشهداؤه من عِبر ونتائج إيجابية ، انعكستْ على مجمل الوضع السياسي للقضية الفلسطينية ككل ، وعلى جريمة حصار غزة وشعبها بشكل خاص ..
وقد أفاضَ ، وأبدعَ سماحة السيد حسن نصر الله ، في إبراز تلك النتائج الإيجابية والعبر المستفادة ، وما يجب علينا أن نفعلَ من أجل استثمار ما حققه الشهداء بدمائهم الطاهرة ..
الأردوغانية : انتقام القراصنة :
إن القراصنة الصهاينة ، بهجومهم الإجرامي على سفينة مرمرة التركية ، وبقية سفن الأسطول ، إنما كانوا ينتقمون من تركيا وحكومتها وشعبها وأسطولها وأردوغانها ، وهم يهاجمون ـ بكل هذه الوحشية ـ أشخاصا عزّلا متضامنين من 32 دولة ، عقابا لتركيا وقيادتها ، جرّاء المواقف التركية الداعمة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية ..
كما جاء هذا العدوان السافر ، انتقاما آخر من شخص رجب طيب أردوغان ، الذي هزّأ " شيمون بيريز" بأشد العبارات في مؤتمر دافوس عام 2009 ..
وليس هذا الانتقامُ بعيدًا عن مجمل المواقف السياسية الأخيرة للحكومة التركية ، في محيطيْها العربي والإسلامي .. بدءًا من العلاقات المتميزة مع سوريا ولبنان ، وانتهاء باتفاق طهران ، حول البرنامج النووي الإيراني ، والذي كان لأردوغان دورٌ كبيرٌ في إنجازه ، لتخفيف التوتر في المنطقة وتجنيبها المزيد من ويلات العدوان والحرب ..
وكل ما يفعله أردوغان ، وكل وما يقوله ، يصب في خانة العداء للدولة الصهيونية ، بعد سنين من العلاقات الممتازة بين الدولتين ، وهذا ما لا يمكن للدولة الصهيونية أن تفهمَه أو تهضمَه أو تقبلَ به ..
لذلك كان ردُّ الفعل الصهيوني قويًا جدًا ، بانتقام موجَّهٍ خصيصًا للدولة التركية " الأردوغانية " ، والتي اختلفتْ كثيرا جدًا عن الدولة التركية " الأتاتوركية " ، بكل مكوناتها ..
ولم يتوقف الشعبُ التركي والحكومة التركية عن وصف الجريمة والمجرمين الصهاينة بأبشع الأوصاف التي يستحقونها بجدارة ، وهذا ما جعل المحللين الصهاينة يتوقعون من تركيا قطعَ علاقاتها الدبلوماسية بهم في أقرب فرصة ..
(( لقد خسرَ الكيانُ الصهيوني ، إيرانَ الشاه ، فعوّضَها بمصر السادات وما تلاه .. وها هو الآن يخسر تركيا أيضًا .. أو في طريق شديد الانحدار نحو خسارةٍ نهائيةٍ لتركيا ..
بالمقابل ، بنى الرئيس الراحل حافظ الأسد تحالفا استراتيجيا ، ما زال مستمرا وفعالا وبأفضل أحواله ، مع إيران الثورة الإسلامية المعادية للصهيونية ودولتها المجرمة ، مضافا إليه التحالف السوري التركي الحالي ، وما نتج عنه من تحولات جذرية ، أهمها ، ربما ، الموقف السياسي التركي من الكيان الصهيوني وعدوانيته )) ..
انكسارات الصهاينة في القرن الجديد :
بدأ القرن الواحدُ والعشرون في منطقتنا العربية ، بانسحاب جيش الاحتلال الصهيوني ، بلا قيد ولا شرط ، من معظم أراضي جنوب لبنان ، تحت ضربات المقاومة ، فخرج مُرغمًا منهزمًا خائبًا ذليلا في 24/05/2000 ..
وكانت هذه بداية انكسارات الكيان الصهيوني في مطلع القرن ..
ثم اجتاحتْ أمريكا العراقَ عام 2003 ، في محاولةٍ منها لسحق الأنظمة العربية المعارضة لها ، ومحاصرة سوريا بين فكيْ الجيش الأمريكي في العراق ، والعصابات الصهيونية .. ومحاصرة إيران ، بين فكيْ القوات الأمريكية في أفغانستان شرقا والعراق غربا ، تمهيدًا لفرض تسوية تنهي الصراعَ العربي ـ الصهيوني لصالح العدو ، وتهيئ للشرق الأوسط الجديد المزعوم ..
ثم شنَّ هذا الكيانُ حربًا على المقاومة اللبنانية عام 2006 ، فمرّغته وأذاقته مرَّ الهزيمة والهوان من جديد ، وخرجت المقاومة أشدَّ وأقوى وأصلبَ ، وهذا ما لم يكنْ يرتجيه ويتمناه بعضُ الأشقاء العرب ، الذين دفعَ بعضُهم نفقاتِ الحرب الصهيونية على حزب الله من حسابهم الخاص ، كي يُنهيَ الجيشُ الصهيوني الذي " لا يُقهر " شيئا اسمه حزب الله ..
ثم تجرّعَ " بوش " حذاءَ الزيدي ، قبلَ أنْ ينتقمَ منه الشعبُ الأمريكي في انتخابات 2008 ..
لكن باراك أوباما الرئيس الأمريكي الجديد ـ آنذاك ـ بارَكَ عدوانَ الصهاينة على غزة ، باعتبارها الحلقة الأضعف في جدار الممانعة العربية ، فخيَّبَتْ غزّةُ أملهم ، وأملَ المراهنين من الأشقاء ، وصمدتْ صمودًا أسطوريا ، بشعبها وحكومتها ومقاوميها ، رغم الحصار والتآمر، وما تزال صامدة بعد أربع سنوات من الحصار الخانق والسور الفولاذي ..
الطيب طيب أردوغان :
في مقال سابق لي بعنوان "القمة العربية الثانية والعشرون 2010" أسهبتُ فيه مطولا بالحديث عن شخصية هذا الرجل ، ومواقفه من قضايانا العربية ، في المرحلة التي تلت الاتفاق الاستراتيجي السوري ـ التركي ..
وقد تابعناه ، وتابع العالم كله ، سلسلة مواقفه التي جاءت ردًّا على عملية القرصنة الصهيونية على أسطول الحرية ، والتي لولاها لمَا أسرع الصهاينة بالإفراج عن جميع المتضامنين الذين كانوا على متن الأسطول ...
ولكل ذلك ، وكلما رأيتُ هذا الرجلَ أو سمعته أقول :
لا بارك الله في حق لا تؤيده قوة ..
هذا الموقف ، لاقى صدًى طيبًا في العالم كله ، وفي الدول العربية والإسلامية ، تجلى في مسيرات التأييد والاحتجاج في مختلف عواصم العالم .. وكان أقواها وأكبرها في المدن التركية المحتقنة غضبًا منذ عدوان الصهاينة على عزة المحاصرة ..
تحية للشعب التركي وزعاماته ..
الخزي والهزيمة للصهاينة ومنْ وراءهم ..
المجد والخلود لجميع الشهداء ..
06/06/2010
التعليقات (0)