عندما نجد أسم الشيطان بجوار أسم الله نقرأه بتلقائية ، ونؤمن أن الله هو خالق الشيطان وأن الله أعطى الشيطان حرية الحياة وحرية إغواء البشر وإسقاطهم فى الخطيئة ولم يسمح الله لنفسه كلى القدرة أن يصدر فرماناً بتكفير الشياطين وقتلهم فى الحال أو إلقائهم فى جهنم نردد ونعلم ونفهم ونؤمن بهذا دون أن تحتد عقائدنا أو عقولنا على ذلك بل يقبل الجميع هذه الحقائق ببساطة إيمانية ولا يظهرون أدنى أعتراض عليها!
هذه الحقائق هى ما تعلمه كتب الأديان المختلفة وبالرغم من تلك الحقائق الدامغة إلا أن بشر الأديان يؤمنون بعقائد الشيطان أكثر من إيمانهم بعقائد الإله المتسامحة المنزهة عن الخطأ ، عقائد الإله التى تبيح حرية الإيمان به أو عدم الإيمان ، حرية الكفر أو الإلحاد أو أرتكاب الخطية والرذيلة ، الله خالق كل شئ قادر أن يمحو الأشرار فى طرفة عين لكنه لم يفعل لأنه يحترم خليقته الإنسانية التى وهبها نعمة العقل والتمييز بين الخير والشر ، ومع ذلك نجد البشر أنفسهم يتعاملون مع بعضهم البعض بأسوأ ما يكون السلوك الإنسانى بل ويرفضون صورة الله الذين لو تفكروا وتأملوا فيها لأستطاعوا أن يسلكوا حسب السلوك الإلهى ليس فقط تجاه الإنسان بل والسلوك الإلهى تجاه الشيطان نفسه الذى هو كما تنعته الأديان هو منبع الشر والكفر فى العالم.
هؤلاء البشر أصابتهم لوثة شيطانية وبدلاً من تأديب أنفسهم وتهذيب سلوكياتهم بوصايا الإله الذين يعبدون ، لجأوا إلى بغض الآخر المختلف عنهم عقائدياً ومحاولة محوه من على وجه الأرض ، هؤلاء البشر "المؤمنين" بتلك الأديان يتخفون وراء عبادة الله ليضطهدوا الآخرين الذين يختلفون معه فى الرأى أو العقيدة ، وأصبحت سلوكياتهم لا علاقة لها بالإله الحقيقى ولا بوصاياه التى تبنى ولا تهدم ، وصاياه التى تدعو للحب وترفض الكراهية، وتحولت مراكز العبادة إلى مراكز عمليات حربية تستنفر همم التابعين ليكونوا جنداً مناصرين لكراهية وبغض الآخر وقتاله حتى يخلو العالم لهم ولسلطانهم الشيطانى الذى أغوى الملايين من البشر منذ الخليقة وحتى يومنا هذا.
نسى البشر " المؤمنين " أن الله ترك الشيطان ينشر الفساد والكفر ولم يفعل له شيئاً ، نسى البشر أن عليهم تطبيق هذا السلوك الإلهى تجاه إخوانهم فى البشرية ، الله الذى أعطى للبشر وللشياطين الحرية فى الإيمان أو الكفر به وأرتكاب ما لا يخطر على بال من فساد ورذائل فى العالم ، قد " أقام يوماً هو مزمع فيه أن يدين المسكونة بالعدل " ، إذا كان الله قد شرع هذه الحرية فلماذا نقبلها ونطالب بها لأنفسنا ونرفضها ولا نقبلها للآخرين المختلفين معنا فى الفكر والعقيدة والطائفة ؟ لماذا نقبل بحرية الشيطان فى الإيمان أو الكفر ولا نقبلها بين البشر ؟
لماذا نحاول فهم كلام رجال الدين ونصبغ عليه صفة القداسة ونعتبره كلاماً إلهياً وهو ليس كذلك ؟ لماذا لا نسأل أنفسنا بصدق : لماذا نتجاوب بسرعة مع الخطب العصماء التى تثير فينا الحماسة والغيرة الدينية والإساءة وقتل الآخر بينما لا نتجاوب مع كلام الله الذى يدعونا إلى المحبة والسلام ؟ لماذ ندين ونحاسب غيرنا من البشر على سلوكياتهم من الإيمان أو الكفر ونضع أنفسنا مكان الديان العادل الله نفسه الذى سيحاسب كل بشر عن أعماله فى اليوم الذى قد عينه ؟
الله لا يقهر البشر على الإيمان به ولا يعاقب من لا يؤمن به فى هذه الدنيا وترك العقاب للآخرة كما تقول الأديان ، لكن الإنسان " المؤمن" بهذا الكلام يحاول بكافة السبل أن يقلد الشيطان ويسخر من غير التابع لديانته أو طائفته ويضطهده ويقهره ويمنعه من ممارسة حقوقه بل وينتقص من حقوقه فى نواحى الحياة المختلفة وأهمها الدينية فأى إله تعبد إذن ؟
أكرر مرة أخرى المعادلة فى غاية البساطة لكن المشكلة هل نريد حقاً فهمها وتعديل فكرنا ؟ المعادلة تقول أن الله أعطى الحرية للشيطان فى الكفر به وفى فعل المعصية والرذيلة وتشجيع ملايين الناس على أن يكونوا من أتباعه المخلصين الساعين إلى الإيقاع بآخرين فى شرك الرذيلة والفساد ولم ينتقص الله من تلك الحرية ولم نقول يوماً أن الله عاجز عن قتل أو جهاد الشيطان الذى هو من خليقته ، فلماذا نحن البشر الذين لا وجه للمقارنة بيننا وبين قدرات الشيطان الهائلة نبغض ونسب ونشتم ونلعن ونرفع أيدينا بالدعاء بالخراب والدماء وإهلاك الكافرين والمخالفين لنا فى الدين والطائفة والراى الآخر ؟
لماذا نصرخ ونتشنج عندما نسمع بإهانة موجهة ضد الله أو ضد رسول أو ضد كتاب مقدس لدين من الأديان ونخرج لنعيث فى الأرض فساداً ولا نتريث لحظة واحدة لنقارن بين ردود فعلنا الغاضبة الخاطئة وبين ردود فعل الله تجاه ما يفعله الشياطين ضده يومياً من إهانات وتشجيع على الكفر والعهر والضلال ؟
الموضوع حقاً كبير وما أراه فى مجتمعنا المصرى والعربى خطير ، الإنسان بضعف سلم إرادته وفكره لرجال يقولون له ويخدعونه بأنهم يخدمون الدين وإله هذا الدين أو ذاك وأستسلموا لهم طواعية لينفذوا تعاليمهم التى لا علاقة لها بتعاليم الله الحقيقية ، الإنسان يرفض التفكير فى حقيقة الله وتعاليمه التى تدعوه لأن يكون أنساناً قادراً على فهم إنسانيته وقادراً على فهم أن الله " يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين " ، المعنى واضح أن الله لا يوجد لديه عنصرية أو تمييز دينى أو عرقى أنه يمنح الجميع خيراً سواء كانوا أبراراً أو أشراراً ، العطية واحدة لكل البشر لكن الكثيرين يحاولون بأستماتة السيطرة على عطايا الله ويعتبرونها حكراً عليهم وعلى شعوبهم وعقائدهم وطوائفهم بل وان الله حكراً لهم يتكلمون باسمه ويحاسبون ويدينون ويقتلون بأسمه ، ورغم كل هذه التجاوزات فإن الله صابر على أفعال البشر كما هو صابر على أفعال الشياطين ، فهل لنا فى لحظة نتأمل عظمة محبة هذا الإله الخالق الصابر على جهلنا ، الصابر على جرائمنا التى نرتكبها بأسمه وفى حقه ؟
هل صورة الله التى يصورها رجال " الدين " هى صورة دكتاتور كبير ينادى بالتمييز وبالعرقية ينادى بقتل المخالفين له وغير المؤمنين به وعدم التسامح معهم وعدم السماح لهم بإقامة صلواتهم وعباداتهم وأماكن عباداتهم لأنهم فى ضلال مبين ؟ هل صورة الله حقاً هى هكذا ؟ أم صورة الله هذه هى من صنع الشيطان الذى وضعها فى قلوب وعقول من يريدون إفساد البشر ليفعلوا مشيئة الشيطان ويرغبون فى السيطرة على إخوانهم من البشر ويتركوا فعل مشيئة الله البارة العادلة ؟ ليتنا نفكر فى تلك الأسئلة حتى ننقذ مستقبلنا البشرى من بؤس التفكير الجاهلى .
2006 / 5 / 26
التعليقات (0)