الحرية الدينية في المجتمعات العربية الاسلامية المعاصرة..محاولة للفهم
بقلم : سجا شوكت العبدلي
بما أننا هنا بصدد الحديث عن الحرية الدينية ، علينا أن نتوقف قليلا عند مفهوم الحرية بشكل عام ، فقد تباينت الآراء حول إعطاء مفهوم محدد للحريةفهي من وجهة نظر "جون ستيوارت، ميل" مثلا عبارة عن ( قدرة الإنسان على السعي وراء مصلحته التي يراها بحسب منظوره شريطة ألا تكون مفضية الى الإضرار بالآخرين) ، بينما يعرّف "جون لوك" الحرية على انها ( القدرة والطاقة اللتين يوظفهما الإنسان لأجل القيام بعمل معين أو تركه ) ، يمكن القول بأن مصطلح الحرية بحد ذاته هو من المصطلحات المرنة جدا ، والذي يقبل بأكثر من تعريف، فكل قد عرفها بحسب معتقداته وما يؤمن بصحته وهذا بحد ذاته تعبير موفق لممارسة شكل من أشكال الحرية .
أما فيما يخص الحرية الدينية على وجه الخصوص كمصطلح فله أوجه متعددة، فهو لا يقتصر على اختيار الدين والعقيدة فقط ، بل ويتعداه إلى حرية ممارسة هذا الدين أو تلك العقيدة وتطبيقاتهما.
عند التطرق الى الحديث عن الحريات الدينية فأننا لا نستطيع أن نفصل بينها وبين حقوق الإنسان، فأحدى بنود ميثاق حقوق الإنسان - البند 18 - ينص على انه "لكل فرد الحق في ممارسة حرية الفكر والضمير والدين وكذلك كل الحرية في تغيير دينه ومعتقده وله حرية التعبير عن دينه ومعتقده إما بشكل فردي أو ضمن جماعات علنا أو بشكل غير علني وممارسة الدعوة والعبادة والطقوس والشعائر" .
واقع الحرية الدينية في العالمين العربي والاسلامي
تعتبر المجتمعات العربية والإسلامية هي من أكثر الدول القامعة للحريات الدينية وهي بذلك تخالف ما أمر به الدين الإسلامي من مبادئ، فقد تم تصنيف عدد من الدول العربية الإسلامية كأكثر الدول القامعة لهذه الحريات، فلقد شدد القران الكريم وأشار في آيات عديدة على مبدأ الحرية الدينية وهو بذلك قد سبق جميع القوانين والمعاهدات الدولية التي تؤكد على حق الإنسان في اختيار دينه ومعتقداته ففي سورة الكافرون قال الله تعالى " لكم دينكم ولي دين (6)" وفي سورة أخرى قال تعالى "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (الكهف 29) ، ولان الإسلام قد اهتم بحرية اختيار الدين فقد كرر وشدد على هذا المبدأ "قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل" (يونس 108) .
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الناس من اجناس مختلفة ، فالبشر بطبيعتهم يختلفون ويشتركون في أمور متعددة ، وهذا ما يميز مجتمعات عن مجتمعات اخرى ، فالتنوع الموجود فيها هو ما يميزها عن غيرها ، وهو ما يساهم بشكل او بأخر في تقدمها على مختلف الاصعدة ، وقد أمر الله سبحانه وتعالى البشر على اختلافهم بأن يتعارفوا "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " فلم يأمر الله سبحانه وتعالى الشعوب على مقاطعة بعضها البعض بل على العكس من ذلك ،وبما ان اي مجتمع كان لا يخلوا من التنوع في مذاهب ومعتقدات وألوان وأجناس البشر فمن المؤكد بأن خلق أجواء من الحرية الدينية للمجتمعات المعاصرة هو أمر يصب في خلق مجتمع يمكن وصفة بالمعتدل، وهو ما يقوده الى التقدم والتطور في كافة الميادين والأصعدة ، فعندما يمارس البشر حقهم في اختيار دينهم وتطبيقه بكل حرية في البلد الذي يعيشون فيه من دون خوف او قلق على ما قد يصيبهم بسبب ممارستهم لحريتهم الدينية فإن هذا من شأنه أن يعطيهم أحساسا بالأمان والطمأنينة ، وبالتالي للإبداع والمساهمة في خلق مجتمع متطور حضاري ، وامن مما يعزز الشعور بالمسؤولية والانتماء لهذا البلد .
"لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم" (البقرة 256) .
مرة أخرى يشدد القران الكريم على عدم إجبار اي إنسان على اعتناق الإسلام كدين فالإكراه هو مبدأ غير موجود في الدين الإسلامي أساساً، وهو لا يكون فقط في أجبار غير المسلمين على الدخول في الدين الإسلامي فحسب ، وانما في تطبيق الدين وتعاليمه أيضا على المسلمين أنفسهم، فالأصل أنه من أراد أن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى فيجب ان يكون ذلك بمحض أرادته . حيث أن أساس المحافظة على الدين الإسلامي هو عدم إكراه أحد على إعتناقه ، وهناك الكثير من الأمثلة من التاريخ تدل على تراجع الكثير من الشعوب التي دخلت الدين الإسلامي بالإكراه بسبب الفتوحات التي قام بها الحكام المسلمين الى العديد من الدول آنذاك وإجبار سكانها على اعتناق الإسلام.
من جانب أخر فانه لا يمكن اعتبار ان الحرية الدينية مفقودة فقط في الدول العربية والإسلامية كما تشير التقارير الصادرة عن الكثير من المؤسسات والهيئات الإنسانية، فمنع ارتداء الحجاب في فرنسا على سبيل المثال كان انتهاكا صريحا وواضحا لحقوق الانسان وحريته الدينية. وفي الجانب الاخر فأن أجبار المسلمات على إرتداء الحجاب او أداء فروض الصلاة وغيرها من تعاليم الدين في بعض الدول الاسلامية هو نوع من أنواع مصادرة حق المسلم في تطبيق تعاليم دينه بحرية فالإجبار على أداء فروض وتعاليم الإسلام هو أمر لم يأمر به الاسلام، فأي نوع من العبادة هذه التي تتم بالإكراه؟! .
وبما أن الدول العربية والإسلامية تدين بالدين الإسلامي الذي لا يرضى بالإكراه ، فكان من الأولى أن نكون نحن من يطبق ما أمر به ديننا الحنيف ،ولكن قيام العديد من الدول العربية والاسلامية بسوء تطبيق هذا الدين على أرض الواقع ساهم بدرجه كبيرة في تشويه صورة الإسلام لدى الغرب .
يعتبر تقييد الحريات الدينية بشكل عام ، هو عامل من العوامل المهمة والمساهمة في تراجع المجتمع ، فالمجتمع بما فيه هو النواة التي تُبنى عليها اي دولة قوية ،وقد أدى تقييد الحريات الدينية لغير المسلمين في الدول العربية والإسلامية الى نشوء عداء للإسلام والمسلمين من قبل الدول التي لا تدين بالدين الإسلامي ،وإعطاء صورة مشوهة عن الاسلام في العالم الغربي .
ختاما لا نستطيع التعميم على ان جميع الدول العربية والاسلامية لا تؤيد الحرية الدينية ، فمقابل تقييد هذه الحريات هناك العديد من هذه الدول تعطي الحق في اختيار وممارسة الدين الذي يرغب به المواطن او غيره ، وهذا من شأنه ان يقوي الدولة ويعزز من مكانتها في الداخل وعلى الصعيد الدولي ويعطيها طابعا حضارياً .
كاتبة وصحفية عراقية
التعليقات (0)