في انتظار الربيع الجنسي : الحرية الجنسية الآن
أحد شعارات ثورة مايو 1968 , كان يقول : فلتحيوا حياتكم الجنسية بامتلاء ودون عراقيل . لم يكن هذا المبدأ خارج المخاض الإنساني الذي قاد إلى الحاضر , بل قد أبرز بوضوح أحد الدعامات الجوهرية للتحرر من بؤس التاريخ والمؤسسات . يمكننا أن نقول أنه الشعار الاكثر راديكالية من شعارات إسقاط الملكيات . إذ , سوف لن يفاجئنا الفيلسوف ميشيل فوكو بعد سنوات من هذه النقطة التاريخية , بمؤلفه الشهير " تاريخ الجنس " , وطبعا , إن هذا الكتاب لا يترجم قطعة زمنية محدودة , بل إنه مرآة للهوية الفكرية والذاتية لسيرة فوكو منذ تاريخ ولادته 1926 , وهو في الوقت ذاته , تشريح للسلوكات والممارسات الجنسية التي يفوق عمرها عمر الإنسان نفسه . لقد طرح هذا الواقف في القرن العشرين وجها لوجه أمام الوجودية السارترية , سؤاله العميق : لماذا يشكل السلوك الجنسي , والمتع المتعلقة به , موضوع إنشغال أخلاقي ؟؟ ... يمكنني أن أتساءل أيضا : لماذا أصبح وسيستمر الجنس والسلوك الجنسي من أخطر الإهتمامات الأخلاقية والثقافية , إلى درجة أنه يتفوق في أحايين كثيرة على طابوهات تستمد جذورها من الميتافيزقا والسلطة كمسألة الإله مثلا .
ربما لأن الجنس هو الطريق الوحيد للوصول إلى نقطة التماس مع الأبدية , وكما يقول الشاعر المكسيكي أوكثافيو باز في كتابه " القوس والقيتارة " أن الإنسان نصف ضائع , ويبحث عن وحدته عبر التجربة الشعرية والتجربة الغرامية ", وكلاهما حالتان غير قابلتين لحاسة اللمس إلا عبر السلوك الجنسي , باعتبار العلاقة اللامرئية القائمة بين التجربة الغرامية والممارسة الجنسية , حيث تشكل هذه الأخيرة رغبة الإكتشاف اللانهائي للآخر , والذي هي رغبة إكتشاف الذات في نهاية المطاف . كما أن اللغة الجسدية تضاهي وتفوق اللغة الأبجدية , وهكذا تكون الممارسة الجنسية تمتلك إمكانيات أكثر من الكلمات لطرق التجربة الشعرية والسفر داخلها.
من البديهي , أن الإسلام والأديان بصفة عامة , بما فيها الديانات القديمة , ربطت الجنس بالخطيئة , وعملت على تسييجه بسلاسل من القوانين والعقوبات . عموما , فهي تعتبر الجنس وسيلة وليس غاية في حد ذاته " رغم التكييف الذكوري الذي لا يتسع الأمر هنا لتفصيله " . هكذا , فإنجاب الأبناء هو الهدف الأساسي من الجنس في التصور الديني . أيضا هي تفرض الممارسة الجنسية في إطار مؤسسة الزواج . الغريب , أن البعض لا زال يدافع عن المؤسسة الزوجية من المرجعيات الدينية الصدئة بحجة الوقاية من الأمراض وعدم إختلاط الأنساب , رغم هشاشة هذا المنطق , لأنه هنالك ما نسميه ب " د . ن . آي " الذي يكشف عن الأبوة , وهنالك ما يسمى بثقافة الوقاية من الأمراض الجنسية التي هي قادرة على الحماية.
إن هذه الأديان حقيقة , هي لم تفعل سوى تكريس لمنظومات فكرية تأسست قبلها . سيكون من السذاجة , أن نعتبر أن الأديان هي من دفنت الممارسة الجنسية في مقابر الطابو . لقد عرف موضوع " الجنس " الكثير من المد والجزر إلى أن وصل إلى الميثولوجيات والأديان بالطريقة التي وصلنا به الآن . حيث تسطو على مخيلتنا الآن , حتمية صورة الإنسان البدائي بخرقة تغطي ما تحت السرة . ولا أحد منا يتجرأ على القول : لماذا لم تكن اليد عورة في حين أن النهد كذلك ؟ وها نحن نشاهد قبائل عديدة من إفريقيا ومن الشعوب التي لم يلمسها سم المؤسسات السائدة , حيث نهود كل نسائها عارية . للتوضيح فقط , لا علاقة بين موضوع العري الجسدي الكامل , وموضوع الحرية الجنسية الذي نسلط عليه القليل من الضوء هنا .
لقد تأرجحت كثيرا الممارسة الجنسية قبل أن تتم مأسستها بأشكال متعددة ومتباينة منذ الإنسان البدائي العاقل , مرورا بالميثولوجيات والأديان والقرون الوسطى , إلى عصرنا الراهن . نذكر هنا للإستئناس مثلا , الدعارة المقدسة , إذ تذهب النساء إلى المعابد من أجل ممارسة الجنس مع الغرباء كطقس تعبدي للآلهة , والجنس الجماعي كشكل من أشكال التصوف والتوحد الإلاهي , كما كانت تفعل فرقة الحشاشين الإسلامية وبعض طوائف القرون الوسطى بأوربا تحت ضوء القمر , والجنس الذي يتم بين البنات الصغيرات والشيوخ وهو ما أقرته بعض الأديان كالإسلام مثلا .
ربما كان لظهور الملكية في المجتمعات البدائية الدور الرئيسي في الوصول بالجنس إلى ما وصل إليه الآن , فالرغبة العارمة في الحفاظ على الملكية تستدعي التقييد القانوني والأخلاقي لرابطة الزواج كرابطة ملكية . ولوطأة المجتمع الذكوري , أصبحت المرأة في موقع المفعول به أي المملوك, والذكر في مقام الفاعل أي المالك .. وهذا ما لا زلنا كمجتمعات إسلامية نحافظ عليه في موروثنا الشعبي " إذ يفتخر الرجل بالممارسات الجنسية خارج مؤسسة الزواج , بينما تتعرض المرأة للعار والقتل إن قامت بنفس الفعل " . لكن , المثير للدهشة , أنه حتى الممارسة الجنسية في إطار الزواج تعرضت لقمع رهيب.
هذا , لا يعني أن العلاقة الإنسانية مع الممارسة الجنسية كانت متطابقة في سيرورتها , بل ثمة اختلافات كثيرة . حيث كما ذكرنا سابقا مسألة الجنس المقدس , وما وصلنا من الثقافات القديمة , كالتغني بالإيروتيكا كما فعلت الإله إنانا في الميثولوجية السومرية حينما قالت : " أما من أجلي , من أجل فرجي , من أجلي , الرابية المكومة عاليا , لي , أنا العذراء , فمن يحرثه لي , فرجي الأرض المروية من أجلي , لي أنا الملكة , من يضع الثور هناك " , إننا نلاحظ هنا أيضا , أن الإيروتيكا تتوحد مع الإنتاج والخصب . الجنس الذي تكون الأعضاء التناسلية فيه هي أعضاء من أجل التناسل فقط , الفرج الأرض المروية القادرة على الولادة. اللذة والشهوة لا مكان لهما . هذه الجرأة اللغوية لا تغير في طبيعة الممارسة الجنسية.
إن التحرر من كماشة المؤسسات والإفلات من التدجين التاريخي الذي مارسه الإنسان ضد نفسه , إن الذهاب إلى القرن الواحد والعشرين متخففين من جرائم الوعي والحضارة , إن الوصول إلى الإنسان الجديد بعد الموت المدوي للإنسان في القرن العشرين , لا يمكن أن يكون بدون نضال حقيقي أكثر شراسة من النضالات من أجل إسقاط الديكتاتوريات السياسية , إنه النضال من أجل الحرية الجنسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
ينبغي إعادة الإعتبار للممارسة الجنسية كوطن لللذة وللإنسان ذاته , فلنتحرر من زيف القيود الأخلاقية الموضوعة على سيقاننا , بعدما بدأت تنهار أسطورة مؤسسة الزواج . لنتعامل مع الجنس كغاية وليس كوسيلة , إنه خلاصة الحب البشري . وإنني أحترم رجلا وامرأة يعبران عن حبهما بالجنس في ليلة عابرة , أكثر من احترامي لشخص يتلو الدعاء كل الليل . أحب إمرأة تمارس الجنس مع صديقتها , أكثر من حبي لراهبتين أمضتا خمسين عاما في معبد . وشخص يستمني في الشارع العام هو كالشخص الذي يصلي في الشارع العام تماما . فليمارس كل واحد حياته الجنسية كما يريد , ما دام لا يتخطى القوانين الإنسانية , وما دام كل منا يفهم جيدا معنى الإنسان ويحترمه على هذا الأساس . وحده الحب والإنسان القانونان الأخلاقيان الأبديان.
البعض سينعتني بالفضائحي , آخرون سيروجون رغبتي في تحويل المرأة إلى سلعة " ولاحظ يا صديقي القارئ هنا , استحضارهم للمرأة وتغييبهم للرجل لجهلهم " . آخرون يقولون أنها مقدمات للإنحلال الإجتماعي وجرائم الإغتصاب , تذكر صديقي أنهم في بعض الدول الإسلامية يقولون أن سياقة المرأة للسيارة ستؤدي إلى الإنحلال الإجتماعي وجرائم الإغتصاب . كل ذلك هو مجرد قصور نظري وتخلف فكري ونبذ للحرية وخوف منها , لا داعي للخجل من الجنس , حان الوقت ليرتفع الشعار الحرية الجنسية الآن .
محمد مقصيدي
Moksidi006@hotmail.com
التعليقات (0)