مفارقة عجيبة تتمثل في استجابة قوات الاحتلال الصهيوني لمطالب الأسرى المضربين عن الطعام في سجونها، بينما تضرب السلطة الفلسطينية بعرض الحائط مطالب ثمانية معتقلين سياسيين مضربين عن الطعام منذ أيام، ويعانون ظروفاً صحية صعبة، حيث عبرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" عن بالغ قلقها إزاء حياة المحتجزين المضربين عن الطعام في مقر توقيف وتحقيق المخابرات العامة في مدينة بيت لحم وإمكانية تدهور حالتهم الصحية بسبب الإضراب الذي بدأ يوم 20 يونيو حزيران.
المعتقلون الثمانية هم جزء من عشرات المعتقلين السياسيين من كافة القوى الوطنية والإسلامية المحتجزين في سجون الأجهزة الأمنية بعضهم دون محاكمة والبعض الآخر صدرت قرارات من المحاكم الفلسطينية بالإفراج عنه، ولكن تلك الأجهزة ضربت بعرض الحائط قرارات المحاكم الفلسطينية كما هو حال الأسرى محمد أبو حديد وعثمان القواسمي ومحمد الأطرش ومعتصم النتشة فكان المخرج الوحيد هو إعلان إضرابهم عن الطعام من أجل إيصال رسائل سياسية للضغط على قيادة السلطة الفلسطينية بوقف تلك الظاهرة الغريبة عن قيمنا الوطنية والمجتمعية، والتي لا تخدم سوى الاحتلال الإسرائيلي، وتعرقل مسيرة المصالحة الفلسطينية، وتعزز مواقف من لا يريدون المصالحة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لم يقف انتهاك الحريات العامة في الضفة الغربية عند هذا الحد، بل تجاوز ذلك باعتقال الدكتورة عصمت عبد الخالق بسبب مشاركة لها على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتقال الصحفي يوسف الشايب وآخرون، وكلاهما لا ينتميان لحركة حماس أو الجهاد الإسلامي.
ولكن الحدث الأبرز، هو خروج المئات للتظاهر في مدينة رام الله ضد زيارة شاؤول موفاز نائب رئيس وزراء الاحتلال لمدينة رام الله ولقاء الرئيس محمود عباس، فقامت قوات معززة من الأجهزة الأمنية والشرطية بقمع المسيرة والاعتداء على الصحفي محمد جرادات وضربه واعتقاله لعدة ساعات، بالإضافة إلى ضرب الرسام حافظ عمر، مصمم صورة التضامن الخاصة بالأسرى، والتي انتشرت على بروفايلات الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
هذا السلوك المرفوض قانونياً وأخلاقياً ووطنياً ألقى بظلاله على شعبية الرئيس محمود عباس وحركة فتح، وهذا ما أكده استطلاع للرأي أجراه مركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية والذي أظهر تحسنا واضحا في شعبية حركة حماس ورئيس الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة إسماعيل هنية، وتراجعا في شعبية حركة فتح والرئيس محمود عباس.
وقال الدكتور خليل الشقاقي رئيس المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية الذي أجرى الاستطلاع إن التحسن في مكانة حركة حماس يعود لسماحها للجنة الانتخابات بالعمل في قطاع غزة، وللاعتقاد بان أوضاع قطاع غزة سوف تتحسن بعد فوز مرشح الإخوان المسلمين في مصر.
وأضاف: أما التراجع في شعبية فتح والرئيس عباس فربما يعود إلى غضب الرأي العام على السلطة الفلسطينية بسبب اعتقالها للصحافيين وإغلاق مواقع للإنترنت، ولتردد الرئيس عباس في إعلان تشكيل حكومة المصالحة رغم سماح حماس بعمل لجنة الانتخابات في القطاع. كما أن تردد الرئيس عباس في التوجه للأمم المتحدة أو أخذ المبادرة لكسر الجمود في الوضع الراهن مع إسرائيل ربما يكون السبب وراء ارتفاع نسبة عدم الرضا عنه وتراجع نسبة الأصوات التي قد يحصل عليها في انتخابات رئاسية جديدة.
ومن هنا أدعو الرئيس محمود عباس للعمل بأقصى سرعة ممكنة على تطبيق قرارات المحاكم الفلسطينية ووقف كل أشكال انتهاك الحريات العامة التي كفلها القانون الفلسطيني، والإفراج عن كل المعتقلين السياسيين في السجون الفلسطينية، كخطوة أولى نحو تحقيق المصالحة الفلسطينية.
التعليقات (0)