الحركة من أجل الأمة والاتهام بالتشيع: وقفة مع بعض أصحاب التهمة (تابع)
و-دعوى اتخاذ الحركة أسماء لها علاقة بالمرجعية الشيعية، كـَ"جند الله" و"جند الإسلام":
أبدأ بالإشارة إلى ماجاء في مرافعة الأستاذ محمد المرواني الثانية حول اسم "جند الإسلام"، إذ قال حفظه الله وهو يتكلم عن رسم بياني قدمه ممثل النيابة العامة :
"...إن ميلاد الاختيار الإسلامي كان في سنة 1978/1979 كحالة نقدية لمشروع الشبيبة الإسلامية وفي 29 أكتوبر 1981 ولاعتبارات تواصلية أعطينا لهذه الحالة اسما هو "الاختيار الإسلامي"، وبالتالي فنحن هنا نتساءل من أين جاء بهذه المعلومات أولا، وبهذا الاسم "جند الإسلام" ثانيا؟"(1).
هذا هو الأساس في الكلام عن اسم الحركة من أجل الأمة في مرحلة "الاختيار الإسلامي".
ومع ذلك، ومن باب التنزل ، نفترض (2) أن الحركة اتخذت اسم "جند الله" أو "جند الإسلام" مرة من المرات. فهل لهذين الإسمين ارتباط بالمرجعية الشيعية؟
1-اسم "جند الله" ومدى ارتباطه بالمرجعية الشيعية :
من استعمالات عبارة "جند الله" ما جاء في سيرة ابن هشام قال: قال ابن إسحاق:
"فحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله أرأيتم رسول الله وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي. قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد. قال: فقال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا. قال: فقال حذيفة: يا ابن أخي، والله لقد رأيتنا مع رسول الله بالخندق وصلى رسول الله هويا من الليل، ثم التفت إلينا فقال: "من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع - يشرط له رسول الله الرجعة - أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة" ؟ فما قام رجل من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد. فلما لم يقم أحد، دعاني رسول الله ، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال: "يا حذيفة اذهب فادخل في القوم، فانظر ماذا يصنعون ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا" . قال فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء..."(3).
وذكر ابن القيم رحمه الله حقيقة "جنود الله" المذكورين في قول حذيفة رضي الله عنه فقال: "وأرسل الله على المشركين جندا من الريح فجعلت تقوض خيامهم، ولاتدع لهم قدرا إلا كفأتها، ولا طنبا إلا قلعته، ولايقر لهم قرار، وجند الله من الملائكة يزلزلونهم ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف..."(4).
وفي الحديث، أخرج البخاري رحمه الله عن أبي هريرة أن رسول الله كان يقول: "لاإله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلاشئ بعده" (5).
وللشيخ سعيد حوى رحمه الله - وهو المعروف بكتاب: " الخمينية شذوذ في العقائد وشذوذ في المواقف"- كتاب : "جند الله ثقافة وخلقا"، وكتاب : "جند الله تخطيطا"، ثم كتاب : "جند الله تنظيما".
أما في الجانب الحركي السياسي، فيذكر التاريخ القريب جدا انتفاض أبناء السنة في لبنان، انطلاقا من طرابلس، ضد الهيمنة اليسارية على قوى المقاومة في فترة السبعينات، ثم ضد الأحزاب المسيحية المتغطرسة آنذاك، في تحرك عارم أثمر حركة "جند الله" التي دعت إلى الجهاد في سبيل الله ومؤازرة المقاومة الفلسطينية. وقد بايع أبناء تلك الحركة عالما مسلما –هو الشيخ سعيد شعبان رحمه الله- أميرا لها، ثم حُل التنظيم فيما بعد إثر وقوع انحرافات.
هذا في الوقت الذي كان يتبنى فيه الشيعة هناك أسماء أخرى أبرزها "أمل" و"حزب الله" فيما بعد. ويعلم الجميع الدعم السوري النصيري، والنصيرية روافض مغالون، لمثل المجموعات الشيعية آنذاك، ثم محاولته اجتثات الوجود السني المدعم لياسر عرفات في طرابلس، عبر حرب شعواء قذرة.
وفي إيران نفسها، سمع الجميع بحركة "جند الله" الإسلامية السنية البلوشية، التي تتحرك في منطقة سيستان بلوشستان، وهي الحركة التي تتهم إيران بالتعسف ضد أهل السنة. بل إن الحركة لجأت مرة إلى اختطاف ستة عشر جنديا يوم الجمعة 13 يونيو 2008، وطالبت بإطلاق سراح مائتي شاب سني معتقل، مع علماء سنة، في سجون نظام الآيات في إيران، وهددت بقتل المختطفين إن لم تتم الاستجابة لذلك المطلب.
2-اسم "جند الإسلام" ومدى ارتباطه بالمرجعية الشيعية :
أما اسم "جند الإسلام"ن فقد اتخذته جماعة إسلامية في العراق، وتحديدا في كردستان.
هذه الجماعة تأسست في شتنبر 2001، وتزعمها أبوعبدالله الشافعي، وهي جماعة سنية وصفها البعض بـ"طالبان الكردية". حدثت بينها وبين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني التابع لجلال الطالباني نزاعات وصراعات مسلحة.
ويُعتقد أن هذه الجماعة هي التي كونت جماعة "أنصار الإسلام"، بعد اتحادها مع مجموعات منفصلة عن الحركة الإسلامية الكردستانية المتأثرة بمنهج "الإخوان المسلمين".
ولم نسمع عن أي استعمال للشيعة لاسم "جند الإسلام"، سوى ما سمعناه في السنوات الأخيرة عن جماعة في العراق تطلق على نفسها إسم "جند السماء"، وهي جماعة شيعية حدثت لها صراعات مسلحة مع الشيعة أنفسهم، خاصة "جيش المهدي" التابع للمراهق الرافضي مجتبى الصدر.
إن مايهمنا هنا ليس مايحيط بالإسم، في مناطق من استعمله، من إيحاءات عسكرية ؛ خاصة وأن ظروف الاضطهاد والتقتيل ضد المسلمين عامة والسنيين خاصة –في تلك المناطق- هي ظروف معلومة للجميع. بل مايهمنا الإشارة إلى ابتعاد الإسم عن المرجعية الشيعية.
وأذكّر مرة أخرى بأن كلامنا هذا على افتراض اتخاذ الحركة من أجل الأمة لمثل هذه الأسماء. كما أذكّر بكلام الأستاذ المرواني: "نحن هنا نتساءل من أين جاء (أي ممثل النيابة العامة) بهذه المعلومات أولا، وبهذا الاسم "جند الإسلام" ثانيا؟".
رد بسيط بساطة الحق والحقيقة على من يلفق لغيره أسماء قصد إثبات تهمة تافهة !!
ز-دعوى إعجاب أبناء الحركة من أجل الأمة بالفكر السياسي الشيعي :
سوف لن أطيل على القراء الكرام في هذا الموضوع، إذ جزء من الرد على هذه الفرية سبق حين الرد على فرية "وقوع أبناء الحركة من أجل الأمة ضحية الإعلام الشيعي". وسأقتصر هنا على فرق جوهري واحد بين الفكرين السياسيين: الشيعي والسني.
الفكر السياسي الشيعي –كما هو معلوم- يأخذ بالإمامة، ويعتبرها ركنا من أركان الدين. فالإمام لديهم لايتم اختياره من الأمة، بل هو منصوص عليه بنص شرعي.
فكيف نظر أبناء الحركة من أجل الأمة إلى الإمامة؟
سوف نقتصر على بعض ما كتبه مؤسسان من مؤسسي الحركة. أولهما الأستاذ محمد المرواني، الأمين العام للحركة، وثانيهما الأستاذ بوشعيب بلامين، وهو أيضا من مؤسسي الحركة الأوائل، سواء في مرحلة "الاختيار الإسلامي"، أو في مرحلة "الحركة من أجل الامة".
كتب الأستاذ محمد المرواني سلسلة حلقات حول "السلطة في الفكر السياسي الإسلامي"(6)، نشرها تباعا في جريدة "النبإ" التي كانت تصدر عن الحركة. في هذه الحلقات انتصر الأستاذ المرواني لمذهب أهل السنة والجماعة في الخلافة. وفيما يلي أمثلة من أقواله تبين ذلك:
قام الأستاذ بجرد تاريخي لمن تعرضوا لمبحث الخلافة أو الإمامة ، ثم قال:
"إن هذا الجرد التاريخي لمن تعرضوا لمباحث الخلافة أو الإمامة يهدف إلى فهم السياقات التي تبلورت فيها النظرية السياسية الإسلامية السنية، فهي:
1-في مبتدإها ومنطلقها محاولة للرد على مذهب "النص والوصية" لإثبات مشروعية خلافة أبي بكر الصديق ومن تبعه من خلفاء راشدين، رضي الله عليهم أجمعين.
2-لم تكن نظرية للتبرير السياسي، بل تمثلت النموذج الراشدي وهي تتعاطى مع الواقع السياسي للأمة. وتمثلت التحديات والمخاطر التي كانت تتهدد وجود الأمة الإسلامية. وكان هدفها –حتى في أسوإ اللحظات والظروف- هو استمرارية المبادئ الشرعية ولو مظهريا "(7).
ثم تابع، محددا مهمة المفكرين والدعاة:
"وإذا كان من مهمة للمفكرين والدعاة والمصلحين اليوم ضمن هذا الإطار، فلتكن هي وضع لبنات تأسيسية لتاريخ الفكر السياسي الإسلامي سيرا على طريق الفقهاء الذين سبقونا، وخاصة في العصر الحديث حيث يلاحقنا سؤال الدولة والسلطة من كل جانب. فالمباحث تبدأ بالتاريخ لتنطلق في اتجاه التطوير" (8).
وقد تعرض لأدلة مذهب الشيعة في الإمامة ورد عليها. قال مثلا عن حديث "غدير خم" لدى الشيعة:
"والواقع أن هذا الحديث غير صحيح" (9).
ثم نقل عن الإيجي قوله في "المواقف": "لاصحة للحديث، إذ لم ينقله أكثر أصحاب الحديث، بل إن عليا لم يكن يوم الغدير مع النبي ، بل كان في اليمن. وإن سلم فرواته لم يرووا مقدمة الحديث"(10).
ثم قال:
"قولهم أنه (لايجوز إسناد أمر الإمامة إلى الناس لأنها أهم أركان الدين، فالذي شرع الأحكام وجب عليه النص على من لاتتم الأحكام الشرعية إلا بنصه لطفا من الله تعالى ورحمة منه بعباده). ولكن هذا الأمر مردود عليه لأن الفقهاء المسلمين وضعوا ضوابط وشروطا دقيقة في المرشح للخلافة، وفيها الضمانة الغالبة من الوقوع في خطإ الاختيار" (11).
واستنتج الأستاذ المرواني من بحثه، في إحدى الحلقات، مايلي:
"أولا: إن الخلافة تندرج في مباحث المصالح العامة عند أهل السنة، لاضمن القضايا التوقيفية كما هو الحال عند الشيعة عندما يعتبرون الإمامة ركنا من أركان الدين.
ثانيا: أن وظيفة الحاكم ضمن نظام الخلافة تتمثل في حراسة الدين والذوذ عنه، وفي سياسة الدنيا بالشورى والعدل جلبا للمصالح ودفعا للمضار ضمن ضوابط الشرع. وهذا ما يكاد يجمع حوله فقهاء أهل السنة.
ثالثا: إن عقد الإمامة لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع، فبدون الدولة تكون هناك الفتنة، والفتنة أشد من القتل.
رابعا: إن مذهب النص والتوصية غير معتبر لارتكازه لتأويل نصوص القرآن واعتماده أحاديث الآحاد في موضوع هام كالإمامة أو الخلافة الذي يحتاج للتواتر. في حين أن مذهب الاختيار والاتفاق يجد مستنده الشرعي في إجماع الصحابة وفي مواقف علي بن أبي طالب من الخلفاء الذين سبقوه رضوان الله عليهم أجمعين، إذ الأصل عند أهل السنة هو الاتباع، ولذلك هناك من يصنفهم (أهل النظرية الاتباعية)" (12).
وخلاصة رأيه، وهو رأي أهل السنة والجماعة، ما أجمله في قوله:
"إن الإمامة ونظام الإمامة مفوض إلى الأمة، وهو من الأمور الاجتهادية التي يحق للأمة أن تضيف إليه من الشروط والأساليب ماتشاء حسبما يؤدي إلى أفضل السبل، وحسب أزمانها وأحوالها وأمكنتها"(13).
أروني في هذا الإعجاب بالفكر السياسي الشيعي!!
أما الأستاذ بوشعيب بلامين، فقد ذكر الشورى في مقال له، واستدل لها بأحاديث لمسلم والترمذي وأبي داود والنسائي وأحمد رحمهم الله، ثم أتى بأقوال لأبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم. قال مثلا:
"...وفي خطبة صعود أبي بكر للخلافة يقول : (إن أطعت فأعينوني وإن عصيت فقوموني، أطيعوني ماأطعت الله فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم، فلقد وليت عليكم ولست بخيركم). ومن ثم فقد رفض أن يدعى (خليفة الله)، وفضل بدلا عنه (خليفة رسول الله)، حتى يزيل عن نفسه كل مظهر للقداسة قد تمنع المسلمين من ممارسة واجب النصح والمعارضة تجاهه" (14).
وفي مقال آخر له قدم "قراءة في كتاب: التصور السياسي للحركة الإسلامية للأستاذ رفاعي سرور"(15)، فبدأه بتقرير أهمية الكتاب، وقدم ملخصا له، ثم علق على بعض ما جاء فيه. ومن بين ما ذكره:
"...ورغم ما ورد في الكتاب من أفكار قيمة، فإن بعض الأفكار تتطلب نقاشا جديا لأجل الوصول إلى الصواب. من بين هذه الأفكار مايتعلق بالزعامة والديمقراطية. ففيما يخص الزعامة السياسية أصبغ عليها الكاتب من الصفات وأعطاها من الصلاحيات واشترط لها من الشروط مايمكن معه القول: إنه يستبدل بها وجود الأمة ذاته. فلانجد مثلا أثرا للشورى التي تمثل مجال الأمة الطبيعي، سواء بشكل مباشر أو عن طريق ممثليها" (16).
ثم قال، فيما يمكن اعتباره نقدا لنظرية الشيعة في الإمامة :
"إننا أمام تصور للزعيم أشبه بالذي تصوره نظرية الحق الإلهي أو حدوثة (السلطان ظل الله في الأرض). فالأمة غائبة في اتخاذ القرار، وعليها أن تفسر ما لاترضاه بغبائها أو قلة خبرتها. ونحن كذلك أمام فكر لايحدد آلية لاختيار الزعيم ودور الأمة في هذه العملية. ويمكن أن يتم القبول باشتراط أحسن الصفات في المحافظة على معاني الإسلام ومصالح الأمة. فالضمانة هي الأمة أو طائفة منها نطق بلسانها من قال يوما ما: (والله لنقومنك بسيوفنا هذه ياعمر). أما التعويل على الصلاح والتقوى فلا تؤمن معه فتنة السلطة وسحرها، ومكر إبليس وبطانة السوء أن تخلق ديكتاتورا وإن راهبا متعبدا. والأمثلة في التاريخ كثيرة" (17).
فهل في هذا إعجاب بالفكر السياسي الشيعي؟
إننا نحيل، في هذا الموضوع، من لايزال في عقله "دخن" من هذه الفرية، على "رسالة البصيرة" (الجزء الأول)، حيث سيرى بوضوح بطلان هذه الفرية. وقد اقتصرت على ماسبق خشية الإطالة على القراء الكرام.
الهوامش:
1- من كلمته أمام المحكمة يوم 27 يوليوز 2009، على الرابط: www.aloummah.org
2-أقول: نفترض ، وأرجو ألايتجاوز ذوو النيات المريضة في قراءتهم هذه الكلمة.
3-سيرة ابن هشام، ص 3/114.
4-جامع السيرة، ص 122.
5-كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، حديث 4114.
6-أتمنى أن يتمكن صاحبها من نشرها في كتاب، نظرا لقيمتها السياسية والفكرية.
7-"السلطة في الفكر السياسي الإسلامي (الحلقة 2)، للأستاذ محمد المرواني، جريدة النبإ، عدد 03، شعبان 1418/دجنبر 1997.
8-نفسه.
9-"السلطة في الفكر السياسي الإسلامي (الحلقة 3)، للأستاذ محمد المرواني، جريدة النبإ، عدد 04، رمضان 1419/يناير 1998.
10و11و12-نفسه.
13-"السلطة في الفكر السياسي الإسلامي (الحلقة 2)، جريدة النبإ، عدد 03 السابق ذكره.
14-مقال "المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي"، للأستاذ بوشعيب بلامين، جريدة النبإ، عدد 01، جمادى الثانية 1418/أكتوبر 1997.
15-لم تذكر الجريدة اسم صاحب المقال، لكن الأستاذ بلامين أخبرني أنه صاحبه .
16- قراءة في كتاب: التصور السياسي للحركة الإسلامية للأستاذ رفاعي سرور، لبوشعيب بلامين، النبأ، عدد 01.
17-نفسه.
التعليقات (0)