عن موقع (المبادرة بريس)
وثيقة "البيان الحضاري" والتشيع:
1 ـ تشير الوثيقة إلى أن "البديل الحضاري" اجتهاد في إطار دائرة الإسلام، يسير على نهج أهل السنة والجماعة، لا يدعي تمثيل الإسلام،بل هو مجرد اجتهاد..."(1).
فالانتماء إذن ـ بالنسبة للبديل الحضاري ـ هو انتماء للدائرة المذهبية الكبرى، دائرة "أهل السنة والجماعة"، لا لدائرة "الشيعة".
2 ـ من معلوم مذهب الشيعة الإمامية بالضرورة، أن الصحابة ارتدوا بعد النبي ، لأنهم، في نظر أصحاب ذلك المذهب، جحدوا النص الشرعي على إمامة علي ، بعد التحاق الرسول بالرفيق الأعلى. وفي ذلك روى الكليني بسنده إلى أبي جعفر أنه قال: ارتد الناس بعد النبي إلا ثلاثة هم: المقداد وسلمان وأبو ذر"(2).
قال عبد الحسين شرف الدين الموسوي: "وقد تواترت الأخبار عن أئمتنا الأبرار بردتهم"(3)، أي الصحابة رضي الله عنهم.
ثم إن الشيعة يلعنون الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل. يقول محمد باقر المجلسي عن أولئك الخلفاء: "إنهم لم يكونوا إلا غاصبين جائرين مرتدين عن الدين لعنة الله عليهم وعلى من اتبعهم في ظلم أهل البيت من الأولين والآخرين"(4).
وللشيعة دعاء يتضمن لعن أبي بكر وعمر وابنتيهما عائشة وحفصة رضي الله عنهم أجمعين. ومما جاء في ذلك الدعاء: " اللهم العن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وإفكيهما وابنتيهما، اللذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك وجحدا إنعامك وعصيا رسولك، وقلبا دينك وحرفا كتابك، وأحبا أعداءك وجحدا آلاءك..."(5) ، في دعاء طويل ذكرته مجموعة من كتب الشيعة.
إن هذه النقول تكفي لإظهار أنه لا وزن للصحابة، وضمنهم الخلفاء الراشدون الثلاثة الاوائل، عند الشيعة.
لكننا نعثر في "البيان الحضاري" على موقف آخر : موقف الاحترام والإجلال للصحابة رضوان الله عليهم، وذلك من خلال:
الدعاء لهم وللتابعين، إلى جانب الصلاة والسلام على رسول الله : ".... والصلاة والسلام على المبعوث بالإسلام، نبي الهدى والرحمة، للعالمين، سيدنا وحبيبنا ونبينا وقدوتنا وقائدنا محمد، والصلاة والسلام على آل بيته الطيبين، وعلى صحابته الكرام والتابعين بإحسان إلى يوم الدين"(6).
الأخذ باجتهاداتهم، كما يفهم مما يلي:
" ولما كان الإسلام العظيم خاتم الرسالات ومحمد خاتم الأنبياء والرسل، وكانت الأمة عرضة لأن يعتريها الضعف، ومحكومة بأن يستجد لها من القضايا في أمور دنياها ما لا تجد له خبرا من كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد الصحابة والتابعين، فقد اقتضت الحكمة الربانية أن يخرج من قلب هذه الأمة من يجدد لها أمر دينها"(7).
وبمعنى آخر: إن وجدت الأمة "خبرا من كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد الصحابة والتابعين" فلا يسعها إلا الآخذ به.
تقدير الخلفاء الراشدين والثناء على تضحياتهم لأجل أبناء الشعب: "وإنه لظلم كبير أن نطلب من المغاربة التضحيات والتعاضد فيما بينهم عند حلول السنوات العجاف، وننسى أن نوسع عليهم في
السنوات السمان، عكس ما كان يفعل خلفاء الأمة الراشدون، حيث كانوا يجودون على الأمة حينما يجود الله، ويربطون الحجر على بطونهم مقسمين ألا تذوق دسما حتى يشبع منه الناس عندما تبخل الأرض وتشح الأمطار"(8).
اعتبار تجربة الخلافة الراشدة "امتدادا لتجربة النبوة، وسارت على هدي القرآن وسنة نبي الإسلام "(9).
3 ـ الشيعة، بكل فرقهم، قبوريون تعشش الخرافة في عقولهم. فمن متواتر أقوالهم أن زيارة قبور أئمتهم مفروضة، وأنها ـ خاصة زيارة قبر الحسين ـ تفوق الحج إلى بيت الله الحرام !!
جاء في "وسائل الشيعة": " عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال : سألته عمن ترك الزيارة، زيارة قبر الحسين عليه السلام، من غير علة فقال: هذا رجل من أهل النار"(10).
كما تواترت أقوال الشيعة على ذكر مجموعة من الطقوس التي يؤدونها في زياراتهم لقبور أئمتهم، ومنها الطواف بها والصلاة عندها والاستغاثة بصاحبها... وغير ذلك، حتى أن إقامة المواسم والأعياد عند تلك القبور أصبحت علامة من علاماتهم. فلكل مرقد أو مشهد موسم أو عيد. ولعله لم يعد خافيا على أحد البدع والخرافات المصاحبة لإحياء ما يسمونه ب"فاجعة الطف" في كربلاء من تطبير ولطم وبكاء وضرب للرؤوس...
ولا يرضى "البيان الحضاري" مثل تلك القبورية للمجتمع المغربي ولكل المجتمعات الإسلامية. جاء في "البيان" : "إن المرء ليندهش ويصاب بالحيرة وهو يعاين واقع المجتمع المغربي، بل وكل المجتمعات الإسلامية. فالفساد قد زاد عن حده، وكل أصناف الرذائل قد تفشت وانتشرت: زنا، فسوق، فجور،خمر، مخدرات، إحياء للمواسم وبناء الأضرحة، شعوذة شائعة، نصب واحتيال، نفاق وخيانة ورشوة... واللائحة تطول وتطول"(11).
فما يعتبره الشيعة فريضة يكفر تاركها، يعتبره "البيان الحضاري" من "أصناف الرذائل" كما هو واضح.
4 ـ السنة، أو الحديث، عند الشيعة الإمامية، هي "كل ما يصدر عن المعصوم من قول أو فعل أو تقرير"(12).
والمقصود بالمعصوم: كل إمام من أئمتهم ، لا فرق بين أن يكون طفلا أو كهلا... ولذلك فالسنة عندهم تشمل:
1.4 ـ ما صدر عن أي إمام من أئمتهم المعصومين في نظرهم، وهو بمنزلة قول أو فعله أو تقريره. ولذلك يروون في "الكافي" عن أبي عبد الله: "حديثي حديث أبي، وحديث
أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله ، وحديث رسول الله قول الله عز وجل"(13).
2.4 ـ ما يعرف عندهم بالتوقيعات والرقاع: فهم يزعمون أنهم يتلقون أجوبة إمامهم المهدي المنتظر المختفي ـ في نظرهم ـ على قضايا تطرح عليه مكتوبة في رقاع، فتأتيهم الأجوبة بخطه، ويكون الجواب "حديث رقعة" أو من "توقيعات" الإمام، وهو عندهم من أوثق السنن.
3.4 ـ دعاوى الاتصال بالمهدي وأخذ كتب منه، كما ادعى ذلك عدة من شيوخهم. فتلك الكتب المزعومة تعتبر لديهم أيضا من السنة.
وكتب الحديث الموثقة عند الشيعة أربعة هي:
ـ الكافي للكليني (أبو جعفر محمد بن يعقوب ت 328ه أو 329 ه).
ـ "تهذيب الأحكام" لشيخ الطائفة الطوسي (أبو جعفر محمد بن الحسن ت 460).
ـ "الاستبصار" للطوسي أيضا.
ـ "من لا يحضره الفقيه" لابن بابويه القمي (أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه. ت 381ه).
ولذلك فالشيعة لا يأخذون بالأحاديث الواردة في كتب أهل السنة، خاصة الكتب الستة، لأن ما فيها من أحاديث مروي من طريق الصحابة ـ وهم غير عدول عندهم ـ لا من طريق أئمتهم. يقول شيخهم محمد حسين آل كاشف الغطاء: "... أما ما يرويه مثل أبي هريرة وسمرة بن جندب ومروان بن حكم، وعمران بن حطان الخارجي وعمرو بن العاص ونظائرهم، فليس لهم عند الإمامية في الاعتبار مقدار بعوضة"(14) !!
ولا نعثر في "البيان الحضاري" على أي حديث مروي من طريق أحد أئمة الشيعة "المعصومين" في نظرهم، ولا نجد أدنى ذكر ولا حتى إشارة لأي كتاب من كتبهم. بل ما نعثر عليه أحاديث رواها علماء الحديث من أهل السنة كالأئمة: مسلم وأحمد والترمذي وأبي داود والطبراني.
وقد نعثر على حديث غير صحيح(15) في "البيان"، لكن أثر الشيعة ـ في هذا الجانب ـ منعدم. فأين التشيع في البديل الحضاري؟
قد يكون الاتهام به جاء من انتماء فرد أو أفراد قليلين جدا ـ ممن عرفوا بالتشيع بين أبناء الحركة الإسلامية ـ للبديل الحضاري(16)، غير أن أولئك المنتمين "الجدد" سرعان ما ابتعدوا ـ أو أبعدوا ـ عن "البديل"، تاركين وراءهم تهمة ألصقت به وهو منها براء. ولذلك يوضح أحد الباحثين ملابسات ذلك الانتماء بقوله: "البديل الحضاري حركة تشيعت سياسيا للثورة الإيرانية، وتلاحمت معها فيما يبدو أكثر من غيرها. وبما أن الثورة الإيرانية، علاوة على مشروعها الحركي، حملت مشروعا عقديا، انتقلت بفرط التلاحم والتماس عدوى العقيدة إلى بعض أعضاء البديل الحضاري. فما استفاقت هذه الأخيرة إلا والتشيع السياسي بات تشيعا عقديا، عندئذ انتفض عقلاء الحركة لبتر هذه الأنفلونزا بطرد العناصر المصابة منها كي لا تتسع العدوى، وطوي الملف عند هذا الحد على حد علمي، واستوعب الدرس"(17).
الهوامش:
1- البيان الحضاري ص 06.
2- روضة الكافي، الرواية رقم 341.
3- عبد الحسين شرف الدين، الفصول المهمة في تأليف الأمة، ص 200.
4- بحار الأنوار للمجلسي ص4/ 385.
5- ملحق الوثائق من كتاب: "مسألة التقريب ..." للقفاري، ص 2/ 329. وقد ذكره بتمامه صاحب كتاب: " شهادة الخميني في أصحاب رسول الله "، محمد ابراهيم شقرة، مع صورة للدعاء من كتاب الشيعة (كتاب: تحفة العوام مقبول).
6- البيان الحضاري، ص 04.
7-نفسه، ص 13.
8- نفسه ص 34.
9- نفسه ص 28.
10- وسائل الشيعة 10/336-337.
11- البيان الحضاري ص 22.
12- محمد تقي الحكيم، الأصول العامة للفقه المقارن، ص122.
13- أصول الكافي للكليني، كتاب فضل العلم، باب رواية الكتب والحديث ص1/53.
14- أصل الشيعة وأصولها، ص 165.
15- من الحديث الضعيف حديثان حول العروبة اوردهما "البيان" في ص 25 وهما: حديث "ليست العربية بأحدكم من أب أو أم وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي" ، وحديث "ألا إن العربية اللسان، ألا إن العربية اللسان ..". ينظر مقالنا في جريدة "النبأ" بعنوان: "أحاديث في القومية والإسلام" 1و2 عدد 29 بتاريخ ذو القعدة 1421/ فبراير2001، وعدد 30 بتاريخ ذو الحجة 1421/ مارس 2001. وهو ـ أي المقال ـ منشور بحلقتيه في مدونة الالتزام على الرابط hassanla.maktoobblog.com
16- يذكر البعض نموذجا ممن التحق مرة بالبديل الحضاري، وهو اسم ارتبط بجريدة "الوطن" الصادرة بفاس .
17- من حوار مع الزبير دحان في مجلة "الصحيفة" عدد 31 من 12 إلى 27 أبريل 2006.
التعليقات (0)