الحركة من أجل الأمة والاتهام بالتشيع: وقفة مع بعض أصحاب التهمة (تتمة)
ح-حكاية استفسار وزير الخارجية الإيراني لنظيره المغربي عن عدم ترخيص السلطات المغربية للمرواني بتأسيس حزب سياسي:
رأينا كيف ذكر أحد الصحفيين هذه الحكاية، وأتبعها بقوله "...مما عزز شكوكا سابقة في ارتباطات البديل الحضاري والحركة من أجل الأمة بالروائح المذهبية في طهران" (1).
فهل يدل هذا الاستفسار على تعزيز الشكوك التي ذكرها الصحفي؟ بل هل ما جاء في هذه الحكاية وقع بالفعل، أي هل طُرح السؤال المذكور على وزير الخارجية المغربي آنذاك، من طرف نظيره الإيراني؟
للجواب نستعير جزئية من المنهجية العلمية الصارمة لعلماء الحديث.
يقول النووي رحمه الله في "التقريب":
"التواريخ والوفيات هو فن مهم به يُعرَف اتصال الحديث وانقطاعه. وقد ادعى قوم الرواية عن قوم فَنُظِرَ في التاريخ، فظهر أنهم زعموا الرواية عنهم بعد وفاتهم بسنين" (2).
يوضح شارح "التقريب"، الإمام السيوطي رحمه الله، هذا الكلام، فيورد بعض الحالات التي اعتمد فيها أصحابها على التاريخ لاكتشاف كذب كذاب مثلا، ومن ذلك: "سأل اسماعيل بن عياش رجلا اختبارا: أي سنة كتبت عن خالد بن معدان؟ فقال: سنة ثلاث عشرة ومائة. فقال: أنت تزعم أنك سمعت منه بعد موته بسبع سنين، فإنه مات سنة ست ومائة، وقيل: خمس، وقيل: أربع، وقيل: ثلاث، وقيل: ثمان.
وسأل الحاكم محمد بن حاتم الكشي عن مولده لما حدث عن عبد بن حميد، فقال: سنة ستين ومائتين. فقال: هذا سمع من عبد بعد موته بثلاث عشرة سنة" (3).
ولذلك قال سفيان الثوري رحمه الله: "لما استعمل الرواة الكذب، استعملنا لهم التاريخ" (4).
إن التاريخ المطلوب هنا هو تاريخ تولي محمد بنعيسى وزارة الخارجية بالمغرب، ومن تولاها في إيران في نفس التاريخ، ثم مقارنة ذلك بتواريخ مرتبطة بحزب البديل الحضاري وحزب الأمة.
إن محمد بنعيسى تولى حقيبة وزارة الخارجية والتعاون بالمغرب لفترتين متواليتين: الأولى من 1999 إلى 2002، والثانية من 2002 إلى 2007.
ولقد زار المغرب، من المسؤولين الإيرانيين، وزير الخارجية علي أكبر ولايتي سنة 1997، أي قبل أن يصبح محمد بنعيسى وزيرا للخارجية بالمغرب. تلا هذه الزيارة زيارة عبدالرحمن اليوسفي، الوزير الأول المغربي آنذاك، لإيران سنة 2002، وهي الزيارة التي نظمت له على هامشها زيارة لقبر الخميني.
يوم 10 ماي 2004، زار المغرب كمال خرازي وزير الخارجية الإيراني آنذاك. وبعد عامين، تمت زيارة محمد بنعيسى لإيران في يونيه 2006، وكان وزير خارجية إيران هو منوشهر متكي. وقد أعلن وزيرا خارجية البلدين، في لقاء صحفي يوم 18 يونيه 2006، عن التوصل إلى اتفاق لتشكيل لجنة سياسية مشتركة لبحث سبل تطوير العلاقات المغربية الإيرانية.
وإلى هذا التاريخ، أي يونيه 2006، لم يُسمَع بأي حزب يسمى "حزب الأمة". ولم يتم إيداع تصريح بتأسيس هذا الحزب بوزارة الداخلية إلا في نونبر 2006. وفي ذلك قال الأستاذ المرواني في مرافعته الأولى أمام هيئة المحكمة:
" في نونبر 2006، قمنا بإيداع تصريح بتأسيس حزب سياسي لدى الدوائر المختصة بوزارة الداخلية كما هو مقرر في قانون الأحزاب السياسية. وبعد مرور الآجال القانونية دون أن نتوصل بالوصل (أو إشعار المطابقة كما هو وارد في قانون الأحزاب السياسية) أصدرنا بيانا نعلن من خلاله عن تأسيس حزب سياسي اخترنا له اسم "حزب الأمة "(5).
ويوم 29 ذي الحجة 1417/19 يناير 2007، أصدرت اللجنة التحضيرية لحزب الأمة بلاغا إخباريا جاء فيه:
"بتاريخ 11 شوال 1427 الموافق 3 نونبر 2006، أودعنا تصريحا بتأسيس حزب سياسي لدى وزارة الداخلية. وبتاريخ 23 شوال 1427 الموافق 15 نونبر 2006 استكملنا من جهتنا شروط وشكليات التأسيس وفقا لمقتضيات القانون رقم 36.04 المتعلق بالأحزاب السياسية والمنفذ بالظهير رقم 1.06.18 الصادر في 15 محرم 1427 (14 فبراير 2006)".
بعد يناير 2007، وتحديدا يومي 05و06 فبراير 2007، زار وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي المغرب، وتم التوقيع على مذكرة تفاهم تشمل إقامة آليات للمشاورة السياسية بين الدولتين على مستوى وزراء الخارجية.
ولم تحدث، بعد هذه الزيارة، أي زيارة أخرى لوزير خارجية مغربي لإيران، أو لوزير خارجية إيراني للمغرب. مما يعني أن الذي ذكر استفسار وزير الخارجية الإيراني لنظيره المغربي يقصد هذه الزيارة الأخيرة.
ولفهم الأمر جيدا، نعود إلى كلام صاحب التهمة. قال:
"في لقاء سابق بين وزير الخارجية محمد بنعيسى ووزير الخارجية الإيراني، طرح هذا الأخير عدم ترخيص السلطات لرفاق المرواني والمعتصم بتأسيس حزب سياسي، مما عزز شكوكا سابقة في ارتباطات البديل الحضاري والحركة من أجل الأمة بالروائح المذهبية في طهران"(6).
إن هذا الكلام يعني أن السلطات المغربية رفضت منح الترخيص لحزبي الأمة والبديل الحضاري قبل
فبراير 2007. وعلى إثر ذلك الرفض استفسر وزير الخارجية الإيراني يومي 05 أو06 فبراير نظيره المغربي عن سبب ذلك الرفض. غير أن هذا الكلام يطرح إشكالات تاريخية:
فبالنسبة للبديل الحضاري:
تأسس هذا الحزب يوم 14 يوليوز 2002، ولم يحصل على وصل الإيداع القانوني سوى في يونيو 2005. وبين يوم التأسيس ويوم الحصول على الترخيص القانوني، أعلن الحزب يوم 05 ماي 2005 موعدا لخوض إضراب عن الطعام احتجاجا على تماطل السلطات في تسليمه وصل الإيداع القانوني . وفي بداية ماي فتحت وزارة الداخلية المغربية حوارا مباشرا مع الأمانة العامة لحزب البديل الحضاري، فأعلنت الأمانة العامة يوم 5 ماي 2005 عن تأجيل الإضراب عن الطعام . وبعد الحوار حصل حزب البديل الحضاري على وصل إيداعه القانوني في شهر يونيو 2005.
وداخل نفس الفترة، أي بين التأسيس والترخيص، وتحديدا يوم 10 ماي 2004، زار المغرب كمال خرازي وزير الخارجية الإيراني كما سبق، وليس منوشهر متكي.
فهل استفسر كمال خرازي الوزير بنعيسى عن سبب عدم الترخيص لحزب البديل الحضاري في هذه الزيارة؟
وإذا كان ذلك قد تم فعلا، فهل يستنتج منه تشيع حزب البديل الحضاري؟
الجواب بنعم تعسف بالنظر إلى أدبيات هذا الحزب، خاصة ماجاء في وثيقة "البيان الحضاري" كما سبق.
أما حزب الأمة، فقد أودعت اللجنة التحضيرية للحزب تصريحا بتأسيس الحزب لدى وزارة الداخلية سنة 2006 كما سبق. لكن تسلسل الأحداث كالتالي، وذلك بعد انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب في مقر الحزب الاشتراكي الموحد يوم 03 يونيو 2007:
"ـ 03 يونيو 2007:
•حزب الأمة يعقد مؤتمره التأسيسي بمقر الحزب الاشتراكي الموحد وهو أحد أعضاء اللجنة الوطنية لدعم حزب الأمة. والجدير بالذكر أن الحزب كان تقدم بطلب للهيئات المشكلة للجنة الدعم بتمكينه من مقر لعقد مؤتمره التأسيسي وقد وقع اختيار مقر الحزب الاشتراكي الموحد لأنه المكان الأكثر استيعابا لعدد المؤتمرين نسبيا.
•المؤتمر التأسيسي يصادق على الوثائق التأسيسية وينتخب الأمين العام وأعضاء المجلس الوطني. •المجلس الوطني يأتلف في دورة تنظيمية وينتخب رئيسه ونائبه وباقي أعضاء الأمانة العامة بالإضافة إلى أعضاء اللجنة الوطنية للمحاسبة وأعضاء لجنة التحكيم والتأديب.
ـ 17 يونيو 2007:
• الأمانة العامة تعقد لقاءها الأول وتوزع المهام بين أعضائها وتنتخب مسؤولي اللجان الوظيفية ومسؤولي قطاع الشباب والقطاع النسائي وترسم مسارات التحرك المختلفة على طريق انتزاع الحق في التعبير والتنظيم. وتصدر بلاغا صحفيا بالمناسبة.
ـ 29 يونيو 2007:
• الأمين العام ورئيس المجلس الوطني بمؤازرة محامي الحزب يحاولون إيداع ملف المؤتمر التأسيسي لدى الدوائر المختصة بوزارة الداخلية لكن هذه الأخيرة ترفض الاستلام تحت دعوى التعليمات.
• الأمانة العامة تصدر بلاغا صحفيا بالمناسبة تندد فيه باستمرار منطق التعليمات والتطاول على القانون.
ـ 01 يوليوز 2007:
• المجلس الوطني يعقد لقاءه الأول ويناقش مهام المرحلة القانونية والسياسية والتنظيمية ويقرر برنامجا متكاملا للتحرك على الجبهة القانونية والسياسية والتنظيمية والنضالية بالإضافة إلى المشاركة في انتخابات 07 شتنبر 2007.
ـ 02 يوليوز 2007:
• محامي الحزب يرسل ملف المؤتمر التأسيسي لوزارة الداخلية عبر البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل.
ـ 10 يوليوز 2007:
• حزب الأمة يطلق عريضة شعبية من أجل دعم حقه في الحصول على الوصل القانوني ويصدر بلاغا ونداء في الموضوع.
ـ 28 غشت 2007:
• حزب الأمة يتوصل، في شخص وكيله، بمقال افتتاحي من المحكمة الإدارية بالرباط لفائدة وزير الداخلية يطلب هذا الأخير بمقتضاه إبطال تأسيس حزب الأمة. وقد حددت جلسة الاستماع والحكم يوم الثلاثاء 04-09-2007 على الساعة العاشرة صباحا.
ـ 30 غشت 2007:
• بشكل مفاجئ، وكيل حزب الأمة يتوصل مجددا يوم الخميس 30-08-2007 على الساعة الرابعة مساء من المحكمة الإدارية بدعوة تحدد تاريخ يوم الجمعة 31 -08 -2007 على الساعة العاشرة صباحا كموعد جديد للجلسة بالرغم من أن المدة الفاصلة بين استلام الدعوة وموعد الجلسة الجديد لا تتجاوز 24 ساعة.
ـ 31 غشت 2007:
• القاضي رئيس جلسة 31 غشت 2007 يستجيب لملتمس دفاع حزب الأمة، ويحدد يوم الخميس 13-09-2007 موعدا جديدا لجلسة الاستماع.
ـ 13 شتنبر 2007:
• القاضي رئيس جلسة 13 شتنبر 2007 يستجيب لملتمس دفاع حزب الأمة، ويقرر تأجيل موعد جلسة الاستماع إلى يوم الخميس 18 أكتوبر 2007.
ـ 18 فبراير 2008:
• محمد المرواني، الأمين العام لحزب الأمة، يتعرض للاعتقال التعسفي. ويأتي هذا الحدث في الوقت الذي يخلد فيه الحزب الذكرى السنوية الأولى للإعلان عن تأسيسه (19 فبراير2007) وينتظر قرار المحكمة الإدارية لإنصافه في الدعوى القضائية التي رفعتها وزارة الداخلية ضد الحزب لإبطال تأسيسه.
ـ 20 فبراير 2008:
• تشكيل لجنة للدفاع عن المعتقلين السياسيين محمد المرواني، والمصطفى المعتصم، ومحمد الأمين الركالة، والعبادلة ماء العينين، وعبد الحفيظ السريتي، وحميد نجيبي. وتضم لجنة الدفاع المحامين خالد السفياني، وعبد الرحمن بعمرو، ومصطفى الرميد، وعبد الرحيم الجامعي.
ـ 17 أبريل 2008:
• المحمكة الإدارية بالرباط تصدر حكما يقضي بقبول الدعوى القضائية التي تقدم بها وزير الداخلية ضد حزب الأمة لإبطال تأسيسه" (7).
كل هذا وقع بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني للمغرب، فمتى إذن تم الكلام بين وزيري خارجية البلدين حول حزب الأمة؟
أكرر مرة أخرى كلمة سفيان الثوري رحمه الله: "لما استعمل الرواة الكذب، استعملنا لهم التاريخ".
خاتمــــــــــــة
بقدر ما كان –ما سبق- إطلالة، ولو خاطفة، على فكر حركة انطلقت أول الأمر بشباب أرادوا الخير لبلدهم بدين الله سبحانه، بقدر ما كانت إطلالة أيضا، وخاطفة أيضا، على تنكب الشيعة لطريق الحق، وبقدر ما كانت تلمسا لمعالم فكر استئصالي مناوئ –لا للحركة الإسلامية- بل لكل مايمت إلى الإسلام وإلى الفكر الإسلامي بصلة.
لقد شن بعض هؤلاء الاستئصاليين حملة شعواء ضد ماسمي بخلية بليرج، وكتبوا مقالات "نارية" ضد المعتقلين المظلومين، في وقت عزّ فيه النصير وتداعى الخصوم والأعداء على الكذب والدس والافتراء وممارسة كل أنواع الدجل ضد أبرياء زُجّ بهم في "أغرب محاكمة" عرفها البلد، تماما كما تتداعى الوحوش الضارية إلى جثت ضحاياها! لكن لحوم الضحايا هذه المرة لم تكن مستساغة، فأُطلِق سراح البعض ممن اتهموا بالانتماء للخلية المزعومة، ولازال البعض الآخر، منهم ومن غيرهم من الإسلاميين، يقبعون داخل السجون، منتظرين الفرج القريب من الله سبحانه، وما أقرب فرج الله من العباد! يكفي التضرع لله سبحانه، والتقرب إليه عز وجل بالدعاء. "فالمظلوم أو المستضعف إذا انقطعت به الأسباب، وأغلقت في وجهه الأبواب، ولم يجد من يرفع عنه مظلمته، ويعينه على من تسلط عليه وظلمه، ثم رفع يديه إلى السماء، وبث إلى الجبار العظيم شكواه، نصره الله وأعزه، وانتقم له ممن ظلمه ولو بعد حين"(8).
وللشافعي رحمه الله أبيات رائعة في هذا الموضوع. قال رحمه الله:
ورب ظلوم قد كفيت بحربـــــه فأوقعه المـقـدور أي وقــــــوع
فما كان لي الإسلام إلا تعبــــدا وأدعـيـة لاتُـتّـقـى بــــــــدروع
وحسبك أن ينجو الظلوم وخلفه سهـام دعـاء مـن قسـي ركـوع
مريشة بالهدب من كل ساهـــــر منهـلـة أطـرافهـا بدمـــــــــوع (9)
ويا ويح أولئك الاستئصاليين: أيظنون أنهم بالقضاء على أبناء الشعب من الإسلاميين سيقضون على هذا الدين؟
هيهات! هيهات!
إن مثل من يجادل بغير الحق ويفتري على المؤمنين ليطفئ نور الله "كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس أو نور القمر بنفخه" (10)!
(يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويابى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (التوبة: 32-33).
عن ثَوْبان قال: قَال رسول اللَّهِ r :"إِن اللَّه زوى لِىَ الأَرض فرأَيْت مَشارقَها ومغاربها، وَإِنَّ أُمتى سيبلُغ ملكها مَا زُوِىَ لي منها..." (11).
(والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لايعلمون) (يوسف:21).
الهوامش:
1-مقال "محمد المرواني ... من الشبيبة الإسلامية إلى مشروع حزب الأمة" ليونس دافقير، جريدة الأحداث المغربية، عدد 3300، وقد سبق ذكره.
2-تدريب الراوي للإمام السيوطي رحمه الله، ص 609.
3و4-نفسه بنفس الصفحة.
5-من مرافعته الأولى أمام هيئة المحكمة بمدينة سلا يوم 10 أبريل 2010.
6-سبقت الإشارة إلى هذا الكلام في هامش سايق.
7-عن موقع الأمة على الرابط: http://ar.aloummah.org/index.php?option=com_content&view=article&id=70&Itemid=70
8-الدعاء، محمد بن إبراهيم الحمد، ص 24.
9-ديوان الشافعي، عن "الدعاء" المذكور، ص 25.
10-تفسير ابن كثير رحمه الله، ص 2/318.
11-أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، حديث 2889.
التعليقات (0)