مواضيع اليوم

الحركة الاصلاحية ( الخضراء) في ايران طبيعتها و افرازتها

فهد البقمي

2010-05-10 21:41:52

0


في الحقيقية هذه المحاضرة هي نتاج ثلاث مقالات كنت قد كتبتها سابقا ونشرت على موقع الحوار المتمدن وموقع دراسات الاهواز و بعض المواقع الاخرى ، الاولى تحت" عنوان دور العامل الذاتي في انجاح الثورة في ايران " و الثاني "طبيعة الصراعات بين التيارين الاصلاحي و المتشدد " و الثالث "موقف القوميات مما يجري في ايران" مع بعض الاضافات . و بعد ذلك اضفت لهما مقال رابع لم ينشر بعد وهو تحت عنوان " الافرازات الناتجة عن الحركة الخضراء " ، و قد اعتمدت في محاضرتي على اهم الدراسات التي قدمها المهتمين في الشان الايراني بخاصة فيما يتعلق بالحركة الخضارء ، كما ان الافضل الاكبر في اعدادها يعود للاخوة النشطاء السياسين في الحركة الوطنية العربستانية الذين اخذوا بيدي و زودني بالمادة العلمية التي ادت الى اكمال هذه المحاضرة .وهنا اود اشير ان كل باحث ممكن ان يصيب او يخطيء من هنا فان مشاركاتكم ومداخلانكم سوف تغني هذه المحاضرة و تدفع كاتبها الى تصحيح اخطاءه ، كما اود ان اشيرانني ابتعدت حد الامكان عن التعامل مع الاخبار المباشرة و ركزت جهدي على الغوص في عمق المشكلة وفي ابعادها السياسية و الاقتصادية والاجتماعية .من هنا فانني حاولت الاجابة على ثلاث اسئلة و( ارجو ان يكون نقاشنا محصور و دائرفي اطار الاجابة على هذه الاسئلة" ، و هي اذا كان التيارين الاصلاحي المتشددين هما وجها لعملة واحدة اذا ما هي طبيعة الصراعات الدائرة بينهما ؟ و لماذا وصلت المواجهات بينهما الى هذا الحد ؟ وهل هناك مخرج للخروج من هذه الازمة وحلها ام لا؟ .
اولا : تميزت ايران و بحكم موقعها الاستراتيجي وتنوعها القومي و الاجتماعي والديني عن سائر البلدان في منطقة الشرق الاوسط بكونها من اقدمها تحركا ونضالا من اجل الديمقراطية و العدالة و اقامة المجتمع المدني ، الا ان مسيرتها و رغم مرور اكثر من عقد على انطلاقتها لاتزال متعثرة ، ويرجع رجال السياسية و علماء الاجتماع ذلك الى عدة اسباب ، منها، الفقر و الامية وتداخل السياسي مع الديني و تأصل دور رجال الدين ، وضعف التصنيع ووجود جمهرة كبيرة من الفلاحين الخ ...
ثانيا : ما يحدث اليوم في ايران والذي يعرف بالمسيرة الخضراء ما هو الا محطة من تلك المحطات الكبرى التي مرت بها ايران خلال العقود العشرة الماضية ، و رغم ان هذه المسيرة لا تزال في مراحلها الابتدائية يبقى تحليلها و تسليط الاضواء على طبيعتها الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية سابقا لاوانه، الا انه هناك اليوم نظرتان حيالها :
الاولى ترى ان ما يعرف بالاصلاحيين و المتشددين ما هما الا وجهان لعملة واحدة .
الثانية ، ترى ان ما يحدث في ايران و الذي عبر عنه الاصلاحيون في مسيراتهم ماهو الا مقدمة من اجل وضع ايران على خطها الصحيح .
وعلى ضوء ما ورد يمكن القول ان التجارب السابقة التي مرت بها الشعوب اكدت ان شمولية الايدلوجية الواحدة و الحكم الفردي و الديكتاتوري قد فشل نهجهما على الصعيد العالمي و ان ايران الجمهورية الاسلامية ليست استثناءا من هذه القاعدة و عليه لابد من اعادة النظر و بعد ثلاثين عاما على انتصار الثورة الايرانية بكثير من المفاهيم منها، الديمقراطية، المجتمع المدني، التعددية، فصل الدين عن الدولة، وليصل الامر حتى الى اعادة النظربالتعريف الايراني للهوية القومية باعتبار ان ايران بلدا متعدد القوميات و الشعوب الخ ..
حلحلة الازمة :
هناك من يعتقد انه في ظل الظروف الراهنة يمكن حل عقدة ازمة المجتمع الايراني باليد قبل ان يستعصي حلها حتى بالاسنان ، اما اذا رفض المتشددين الانفراج السياسي و القبول بالاصلاح فانه في المستقبل القريب ليس امامهم طريق لا الانسحاب الى الوراء و لا التقدم الى الامام واخيرا فان السلطويين ( اقتدار كريان) سوف يفقدون كل الفرص و سيغرقون في دوامة ازمة المجتمع السياسي التي اوجدوها .
كما هو معلوم بعد انتخابات الدورة العاشرة لرأسة الجمهورية ظهرت الى العلن حركة احتجاجية سلمية عمت المجتمع الايراني. ورغم مرور ما يقارب 10 شهور على اندلاعها ورغم استخدام كافة ادوات القمع و الرقابة من قبل الحكم واعتقال النشطاء السياسين و الطلبة ومصادرة الصحف و حجب المواقع وفرض رقابة صارمة على الانترنيت و اقامة المحاكم الصورية و التواجد المستمر لقوى الامن و الحرس و البسيج ومواجهة المحتجين بالحديد والنار، ورغم ان وسائل الاعلام و الدعاية الحكومية الرسمية تؤكد على ان هذه الحركة قد انتهت بعد المسيرة التي جرت في الذكرى 31 لقيام الثورة ، و رغم اعدام ما يقارب 122 مواطنا منذ اندلاعها و اعتقال الآلآف الا ان هذه الحركة رغم كل هذه الاجراءات لاتزال مستمرة وبعبارة اوضح ومن خلال متابعاتي حول ما كتبه جمهرة من الباحثين الايرانيين حولها نشاهد ان هذه الحركة لم يتم القضاء عليها . و في المقابل لم يتم قبول مطالبها . من هنا ، سوف تستمر بسيرها رغم الصعود والنزول لمسيرة خطها البياني وهي تمارس ما يعرف بعلم السياسية بسياسة (خطوتان الى الوراء خطوة الى الامام).
اما الحكومة فقد وصفت هذه الحركة في بدايات انطلاقتها على انها " ثورة مخملية " ومن ثم " مؤامرة مخملية" ثم" اضطرابات " شوارع و "فتنة " واخيرا وحسب زعمهم ان هذه الحركة تحرك من قبل المؤسسات الاستخبارية الدولية وعلى وجه التحديد الامريكية ، البريطانية و اسرائيل و المنافقفين و انصار الملكية و اذنابهم في الداخل . من هنا صدرت الفتاوى الفقهية الحكومية القاضية بقمعها و القضاء على منتسبيها ومؤيديها وهذا هو ديدن النظام الايراني الذي سبق وان اطلق مثل هذه الاوصاف على انتفاضة شعبنا في الخامس عشر من نيسان من عام 2005 .
طبيعة الصراعات بين التيارين الاصلاحي و المتشدد.
و يبقى السؤال الاساسي الذي يطرح نفسه وقد شغل بال العديد من مراقبي الاحداث والمظاهرات التي اعقبت الانتخابات الرئاسية الايرانية ، هو اذا كان الطرفان يؤمنان بما يسمونه بنهج الامام الخميني وبالمبادئ العامة للثورة ،؟
يعتقد اصحاب التيار الاصلاحي و الذي وحد صفوفه بعد ان خسر الانتخابات "عبر التزوير" تحت اطار ما يعرف " بالحركة الخضراء " ان الثورة الايرانية في ظل سياسة المتشددين قد انحرفت عن اهدافها العامة التي قامت من اجلها، و لعل اهم هذه الانحرافات هو التلاعب على مواد دستور الجمهورية و تعطيل الغالبية العظمى منها ، وهم يعتقدون ايضا ان الدستور الايراني نظم على اساس محورين :
المحور الاول: الحيلولة دون سيطرة سلطة النهب الرأسمالي على البلاد ، اي بعبارة اخرى ، التأكيد على عملية الاستقلال الاقتصادي و تحريره من التبعية الاجنبية و النهب الداخلي .
المحور الثاني : الحيلولة دون عودة الاستبداد والديكتاتورية و الدفاع عن الحريات العامة . واذا تمعنا جيدا نجد صدى هذين المحورين في البرنامج الانتخابي الذي تقدم به كل من المرشحين الاصلاحيين وهما السيد كروبي و موسوي ، حيث اكدا انهما في حال فوزهما بالانتخابات سوف يعملان على تنفيذ المواد المعطلة من الدستور ومن بينها " المواد 3- 12 – 13 – 15 – 19 -26 – 41-44 – 48 و.... و"سوف يكشفون الى الامة اي شخص او جماعة تحاول الحيلولة دون تنفيذها ، لان من مهام رئيس الجمهورية تنفيذ الدستوروالاجابة على تساؤلات الشعب " .(من البيان الانتخابي لكروبي ) .
واذ دققنا قليلا في المواد الواردة اعلاه نرى ان قسما منها يقع في المحور الاول واخر يقع في المحور الثاني ،على سبيل المثال المادة (44) من الدستور هي من مكونات المحور الاول ، حيث تؤكد ان النظام الاقتصادي لجمهورية ايران الاسلامية يعتمد على ثلاثة قطاعات وهي باختصار: القطاع الحكومي و القطاع التعاوني و القطاع الخاص . و" القانون في الجمهورية الاسلامية يحمي الملكية في هذه القطاعات الثلاث ، ما دامت لا تتعارض مع المواد الاخرى الواردة في هذا الفصل ، ولا تخرج عن اطار القوانيين الاسلامية ، وتؤدي الى النمو الاقتصاد الوطني و توسعته و لم تكن عامل اضرار في المجتمع ".( دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية المادة المادة 44 ، ص 63 ) .
وفي الحقيقة ان جوهر الصراع بين التيارين يتمحور حول هذه المادة ، فقد نمت ومنذ انتهاء الحرب العراقية الايرانية و حتى اليوم وبفعل تغلل الحرس الثوري في كل مفاصل جسم الدولة الايرانية برجوازية طفيلية كونت ثروتها بطرق غيرشرعية مولية الاقتصاد العسكري الالوية واعطاءه الافضلية على الاقتصاد المدني مما يعني ترجيح الراسمالية التجارية العسكرية على الراسمالية التجارية التقليدية و تقوية الجناح العسكري على حساب الجناح المدني في الحكم ، ولهذا الغرض شكل قادة الحرس وكبار الشخصيات المتحالفة معهم سواءا اكانت دينية اوغير دينية اكبر الشركات والبنوك التي لم يعلن اصحابها قط من اين حصلوا على هذه الاموال و الى اين تذهب ارباحها ، وكل الحسابات و الكتابات هي بيد الحرس الثوري،و يسيطر الحرس في الوقت الحاضر على جميع النشاطات المتعلقة بالتجارة الخارجية و بالنشاط النووي الايراني وصناعة وانتاج السيارات وكذلك المصانع و المعمامل المرتبطة بالتصنيع العسكري والاتصالات . فالارقام المتعلة بواردات البلاد من الخارج تدور في فلك مبلغ ال 60 مليار دولار في العام .( طريق الشعب العدد 238 ، 16|10 | 2009 ) .
السيطرة على التجارة :
ان اكثر ما يشغل بال الحرس الثوري الايراني و الذي انخرط اصحابه في مجال مزاولة التجارة الخارجية ، هو السيطرة على النفط وعلى كيفية استخراجه و بيعه وكذلك استغلال ما يملكه من قوة للسيطرة على الموانئ و طرق الامداد التجاري الى داخل البلاد وكذلك احكام قبضته على تصنيع و بيع السيارات المنتحة في ايران ، و احكام القبضة على سوق الاسلحة في المنطقة مما يمكن ان تنتجه مصانع السلاح في ايران وتصديره الى دول المنطقة . و فعلا ان قسما من هذا السلاح يصدرالى حزب الله في لبنان و الى الحركات المناهضة لحكومة اليمن بالمجان .
اما فيما يتعلق بالمحور الثاني ، فيرى جناح الاصلاحيين ان الجمهورية الاسلامية وفي ظل حكم المتشددين تبدلت الى جمهورية رعب وخوف وخيم عليها الاستبداد والذي شمل الفكر والعقيدة و التعبير و حرية الصحافة و منع التحزب و العمل النقابي والانتهاك المستمر لحقوق الانسان ولمؤسات المجتمع المدني ، بالاضافة الى الاستبداد الديني و الاضطهاد القومي و انتهاك حقوق المرأة و التجاوز على كرامة المواطنين في شتى المجالات الانسانية والاجتماعية ، لهذا نرى التيار الاصلاحي شدد في حملته الانتخابية على مثل هذه الامور. فعلى سبيل المثال اكد في بيانه على الاهتمام في تنفيذ المواد 3 و12 و13 و15و19 ، فالفقرة 6 من المادة 3 من الدستور تؤكد على "محو اي صورة من صور الاستبداد والانانية و احتكار السلطة " ، و الفقرة 7 "تؤكد على ضمان الحريات السياسية و الاجتماعية في حدود القانون " ، و الفقرة 8 "اسهام عامة الناس في تقرير مصيرهم السياسي والاجتماعي والثقافي" ، والفقرة 9 تؤكد على "رفع التمييز غير العادل واتاحة تكافؤ الفرص للجميع في كل المجالات المادية و المعنوية " ، و الفقرة7 تؤكد على " ضمان الحقوق للجميع نساءا ورجالا و ايجاد الضمانات القضائية العادلة لهم ، اما المادة 12 و13 تتحدث عن الاديان و المذاهب في اشارة الى الاضطهاد الديني اما المواد 15 و19 تتحدث عن الاضطهاد القومي ، وفي الحقيقة ، ان كل المواد المشار اليها في هذه المقالة هي ماخوذة من البرنامج السياسي الانتخابي لكل من المرشحين الاصلاحيين.
لقد كشفت التطورات التي شهدتها الساحة الايرانية بعد انتخابات الدورة العاشرة لرآسىة الجمهورية الغطاء عن العجز الواضح لدى الاحزاب و المنظمات المعارضة للنظام منذ ما يربو على ثلاثة عقود ، والذي اكتفت بالقبول بدور المراقب . لا بل المتتبع لما يجري عبر شاشات التلفزة المحلية و العالمية شأنها شان سائر المهتمين بالشأن الداخلي الايراني .
دور العامل الذاتي :
ولكوني من المدركين لهذه الحقيقة ( حقيقة ضعف العامل الذاتي ) فقد كنت مدركا لاهمية العامل الذاتي في فشل ونجاح اي حركة سياسية ليس في ايران وحسب بل في العالم اجمع ، وبالتالي ونتيجة لضعف العامل الذاتي فلم اكن اتوقع ان ما حدث سوف يسفر عن تغييرات جوهرية تشمل اركان النظام القائم وتطيح برموزه التي اشبعت الشعوب الايرانية ظلما وقهرا واضطهادا على المستويين الاجتماعي – الاقتصادي و القومي ، لاننا اذا راجعنا التاريخ السياسي المعاصر في ايران سوف نرى ان فشل جميع الحركات التي شهدتها في ايران بدءا من حركة الدستور 1908 الى حركة كوجك خان في جيلان عام 1915 الى الاعلان عن قيام جمهورتي جمهورية مهاباد الكردية عام 1943 و جمهورية اذربيجان عام 1944 الى حركة مصدق مرورا بالانتفاضات الاهوازية على مختلف المراحل في تحقيق مطالبها، انما يرجع سببها الى ضعف العالمل الذاتي.
اما انتصار الثورة الايرانية في 79 انما جاء بفضل الشخصية الكاريزمية للامام الخميني و تواصله مع الجماهير من جهة و رغبة الغالبية العظمى من ابناء الشعوب الايرانية في التغييرمن جهة اخرى ، ولعل العامل الاساسي في فشل الثورة الايرانية والانحراف الذي اصابها بالابتعاد عن مبادئها الاساسية هو بفعل ضعف العامل الذاتي سواء لدي الاحزاب والحركات ذات التوجه القومي الايراني او اليساري، ناهيك عن ضعف الحركات القومية للشعوب الايرانية بدء من تلك التي تنادي بالاستقلال الى تلك التي تطالب باقامة حكم ذاتي لها في اطار ايران.
ظروف التغيير :
تحدثت الادبيات الكلاسيكية عن توفر ثلاث عوامل للتعيير يتلازم بعضها مع بعض لوقوع اي حركة تغييرية في العالم .
لا حداث اي تغيير في المجتمع لابد من توفر مجموعة من الشروط من اهمها :
اولا: توفر العوامل الموضوعية :
وهو مجمل التطورات التي تحدث في كل مجتمع والتي تسير ضمن قوانيين خاصة بها . و مثلما لا نستطيع التحكم بالفصول الاربعة و الظواهر الطبيعية الاخرى ،فاننا مهما فعلنا لانستطيع الوقوف في وجه التطورات الموضوعية . على سيبل المثال التطورات التي شملت البنية الاقتصادية – الاجتماعية ايرانية منذ مطلع القرن العشرين حتى الوقت الراهن ، والتي جعلت من ايران بلدا راسماليا يشكل اقتصاده جزءا من اقتصاد الراسمال العالمي . وما جرى في ايران يؤكد على توفر الظروف لوجود مثل هذا العامل .
توفر العوامل الذاتية :
وهو الحزب او الاحزاب و المنظمات ومدى دورها في قيادة الجماهير. فهذا العامل و الذي اشرنا الى بعض جوانبه في بداية هذه المقالة هو اليوم اما ضعيف بسبب انقساماته على نفسه او انه غير فعال بسبب تواجده في الخارج و بعده عن الساحة الايرانية ، كما جاء فشل التجربة السوفيتية و قيام القطب الواحد الى ازمة انعكست اثارها على العامل الذاتي ،وخاصة اليسار منه، بحيث اخذ هذا العامل ينشطر وينقسم على نفسه حتى فقد جوهره وروحه الاصلية ، الامر الذي فسح المجال لجماعات وكتل من داخل النظام لتتعالى اصواتها من اجل ادخال اصلاحات ولو جزئية في هيكلية النظام القائم واخراجه من ازمته الاخلاقية و الاقتصادية والاجتماعية . وما جرى في ايران يؤكد ضعف هذا العامل .
توفر الوضع الثوري :
وهو يتمثل بوجود ازمة بين القمة و القاعدة فلا القمة تريد ان تستمر بحكمها للقاعدة كما هو عليه في السابق و لا القاعدة تريد ان تحكما القمة مثلما كانت تحكمها في السابق قيحدث شرخ عميق في بنية المجتمع السياسي يعبر عنه على شكل مظاهرات و احتججات تتحول الى الثورة او الى التغيير ، وما جرى في ايران يؤكد على توفر الظروف لوجود مثل هذا العامل ايضا .
اما الاحتجات التي حدثت في ايران والتي اعقبت تنصيب احمدي نجاد كرئيس للجمهورية الايرانية رغم اهميتها وشموليتها و رغم البسالة و الشجاعة التي ابدتها الجماهير الا انها لم تتطور و لم تستمر كما بدأت ولعل سبب ذلك يعود الى ضعف العامل الذاتي من جهة واصطفاف الطرف الاخر و لجوئه الى القمع من جهة اخرى ، الامر الذي افقدها قوتها و زخمها الذي انطلقت فيه في الايام الاولى من اندلاعها، من هنا لابد لنا من تذكر هذا الامر، اي العامل الذاتي، و العمل على تقويته عبر طرح برنامج واسع او عبر جبهة وطنية او تحالفات تجمع هذا الطرف او ذاك ، فيما اذا اردنا حدوث تغيير حقيقي في ايران . وبدون ذلك سيبقى النظام ايراني الحالي نظام ولاية الفقيه وبفضل العصى الغليظة للحرس يصول ويجول وجاثما على صدورنا دون ان يتمكن احد من ردعه . (نظرية توازن القوى ) .
وهنا في ظل تشابك المصالح العالمية لابد من اعطاء العامل الخارجي دروا مهما في اي تغيير مرتقب في ايران ، فالاحداث التي شهدتها العديد من البلدان وخاصة منها بلدان الجوار واخص بالذكر منها العراق وافغانستان ، كان للعامل الخارجي دور كبيرفي اسقاط انظمة الحكم فيها ، وفي هذا المجال يمكن القول ان المجتمع الدولي و الدول العظمى مازالا في حالة تردد في اتخاذ مواقف حاسمة ضد ايران .
موقف القوميات :
رغم مرور ما يقرب من اكثر من عشرة شهور على انطلاق ما يعرف بالحركة الخضراء، الا ان هذه الحركة و ان كان نشاطها قد انتقل من طهران الى مدن ايرانية اخرى كاصفهان وشيراز و مشهد،واخيرا مازندران ، الا انها لم تتسع شموليتها لتجذب القوميات الايرانية اليها ، ويعزي المتخصصون بالشأن الايراني عزوف القوميات الايرانية عن المشاركة الفعالة في الحركة الخضراء الى كون ان الاصلاحيين قد اتخذوا موقف المتفرج ازاء انتفاضاتهم وتحركاتهم ، ولم يحركوا ساكنا ازاء موجة الاعدامات و الاعتقالات التي تعرضوا لها ابان الدورة الاولى لحكم احمدي نجاد .ولكن بما ان جوهر الحركة الاصلاحية في مفهومها العام هوالدعوة الى الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ، و بما ان الاصلاحيين قد اعادوا النظر في بعض من مواقفهم ازاء المسألة القومية بتعريفهم لايران على انه بلد متعدد القوميات ، هذه المواقف تبدلت وخلال الاشهر الماضية الى جدل بين ابناء القوميات في ايران ، فتساءل البعض هل نشترك هل نؤيد هل نكتفي بموقف المراقب ! ماهي الشعارات التي يجب علينا ان نرفعها في حال المشاركة في الحركة الخضراء ،هل نقبل بالحكم المطلق لولاية الفقيه ؟ وغيرها من التساؤلات الاخرى.
من هنا فأننا نرى هناك من يقول انه على ابناء القوميات المشاركة في اية حركة تنادي بالحرية و تدعو الى العدالة والديمقراطية . ولكن يجب الاخذ بعين الاعتبار ان اي تاييد او مشاركة في الحركة الخضراء من قبل القوميات يجب ان يتم ضمن برنامج يتضمن مطالب الحد الادنى للقوميات في ايران .
وهذه المطالب هي في الحقيقة مطالب الحد الادنى. على سبيل المثال طرح بعض الاخوة الاكراد مطالب منها صياغة دستور جديد على اساس الاعتراف بالحقوق القومية لمختلف القوميات في ايران و ايضا تقديم هذا الدستور للاستفتاء العام ، الالتزام الكامل بمضمون مواد الميثاق العالمي لحقوق الانسان وملحقاته وضمان الديمقراطية ، الانتخابات الحرة دون اي موانع ضد المفكرين ، حرية التعبير ، الاجتماعات وتأسيس الاحزاب و الاتحادات و الحق في انتخاب جميع المسؤولين السياسيين و التنفيذيين من قبل افراد الشعب ، رفض الهيممنة و العمل على المساواة بين الافراد في الاديان ، المذاهب و القوميات .و الغاء احكام الاعدام والعمل على اطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وسجناء العقيدة ، والحد من سيطرة المركز عبر تقسيم السلطة بين المركز والاطراف في مختلف مناطق البلاد و مشاركة كل منطقة في ادارة نفسها , وغيرها من الامور . وهذا ما لمسناه من خلال البيان الصادر عن الاخوة في الحراك السياسي الكردي . وعلى ضوء ذلك فاذا ارادت الحركة السياسية في الداخل الانخراط في هذا الشان، فيجب ان تكون هذه المشاركة مشروطة ، وان يكون لديهم برنامج يوضح اسباب هذه المشاركة . ومن وجهة نظري ان توجهات النظام الحالي لاتنسجم ومثل هذه الاطروحات .
كما بالنسبة لنا نحن العرب لم تصدر اي مؤشرات تدل على دعوة اشتراك الشعب العربي في هذه المظاهرات ، لا بل ان ابناء شعبنا ينظرون نظرة شك وريبة لما يجري في ايران وفي ندوة عقدت قبل ايام و ذلك بمناسبة اليوم العالمي للغة الام قال الاستاذ يوسف عزيزي و في معرض حديثه عن عدم اشتراك ابناء القوميات في ايران في الحركة الخضراء ، قال : ان طيفا واسعا من قوى القوميات في ايران يشتكون من انهم عندما تعرضوا للقمع لم يدافع عنهم اي من القائمين على الحركة الخضراء حاليا ، واضاف ان عدم الثقة بين الطرفين هي من اهم الدلائل التي حالت دون مشاركة الشعوب غير الفارسية في هذه الحركة الاحتجاجية .
اما السيد على توفيقي فقد قيم الحركة الخضراء على انها حركة اجتماعية عامة ، مقرونة بحوار وطني ، وان القوميات غير الفارسية لها دور فعال في هذه الحركة ، على سبيل المثال لا الحصر ، في كردستان فان المواطنين الذين اشتركوا في الانتخابات الرئاسية الاخيرة كان 100% ، اما عدم اشتراك المواطنين الاكراد في المظاهرات و الاحداث التي اعقبت الانتخابات الرئاسية الاخيرة ،سببه ان ثمن هذه المظاهرات في مدينة مثل مدينة سنندج سيكون غاليا جدا وهو اكثر مما حدث في طهران . و اضاف توفيقي : اذا قمنا باحصاء شامل للسجناء في السجون الايرانية ، نرى ان سجون النظام تعج في الوقت الراهن بمناضلي الشعوب الايرانية ، من بينهم الاتراك ، العرب ، و الاكراد وغيرهم .
اما انصاف علي هدايت فقد قال : في الحقيقة ان الحركة الخضراء انحسرت في حدود طهران فقط ، وقد سعت الحكومة ان تعطي بعض الامتيازات الجزئية في المقاطعات الايرانية الاخرى و ان تشغلهم بذلك ، حتى تستطيع التفرغ الى قمع القوى المنتفضة في العاصمة .( المهرجانات والندوات.
افرازات الحركة الخضراء :
يرى علماء الاجتماع السياسي في ايران ان الحركة الخضراء ومنذ انطلاقاتها حتى الان حققت عدة افرازات هامة وهي على الشكل التالي :
1- ابراز طبيعة ومضمون العنف لدى نظام الجمهورية الاسلامية الاسلامية
2- ابراز عدم مشروعية النظام و مرجعيته .
3- انهيار هالة الجمهورية الاسلامية الايرانية في المنطقة.
4- والاهم كسر احتكار الخطاب العام التي كانت تسيطر عليه الدولة و تحوله الى المجتمع .
5 - الاهتمام المتزايد للرأي العام العالمي بمسالة حقوق الانسان في ايران .
6 - ازدياد حدة الوعي لدى شريحة واسعة من الفئات الاجتماعية في ايران بضرورة تغيير هذا النظام .
7 - هناك عامل آخر اضيف الى هذه الافرازات وهو انقسام الوعي الاجتماعي حول مبدأ الولاية المطلقة للفقيه والذي ادى الى الصدام المباشر مع الكيان السياسي للدولة المتمثل في أحمدي نجاد واجهزة نظامه العسكرية.
لقد اعرب المهندس عزت الله سحابي عضو مجلس الثورة ، عضو مجلس خبراء الدستور رئيس منظمة التخطيط والميزانية عضور مجلس الشورى في دورته الاولى وذلك عبر رسالة التظلم المفتوحة التي نشرها قبل ابام عن بالغ قلقه للمارسات الظالمة التي تمارس بحق المواطنيين الايرانيين ، كما هو معلوم فان عزت الله سحابي كان قد ذاق طعم السجن ومرارته قبل سقوط نظام الشاه وها هو يذوقه اليوم و قد وصف المواجهات غير الاخلاقية التي يواجهها السجناء غير مسبوقة على الاطلاق حيث يقول لا ادري ماذ حل بحكامنا ، فانهم وفي سبيل الاحتفاط بالسلطة قد ضربوا بعرض الحائط جميع القيم الاخلاقية والدينية و هم يستخدمون جميع الاساليب في سبيل استمرار سلطتهم .واكد في رسالته على جملة امور اذكرها باختصار تعرض المعتلقين السياسين وخاصة النساء الى شتى انواع التعذيب من اجل زعزعة روح الصمود لدى هؤلاء المعتقلين اذ لايمكن مقارنة ما كان يجري ضد المعتقلين ايام نظام الشاه و النظام الحالي .
ان الصراع بين التيارين الاصلاحي والمحافظ، تجاوز حله في الاطار التقليدي كما كان يجري سابقا وانتقل الى مرحلة المواجهة ، ومن وجهة نظري ان الترقيعات التي تجري هنا وهناك ما هي الا نوع من المسكنات لان الصراع تبدل من حالته الثانوية الى صراع اولي بمعنى ان احد الاطراف لابد ان يقضي على الطرف الآخر . لان هناك من يعتقد ان طابع الحركة الخضراء من حيث النتاج الفكري هو التوجه الى الحداثة الاجتماعية بدلا من الحداثة السياسية ، اي تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني مثل النقابات الاتحادات المنظمات ،لان السياسيين من امثال احمدي نجاد يقولون ما لايفعلون على سبيل المثال تصريحات احمدي نجاد في الدفاع عن مصالح الشب الفلسطيني المظلوم و اعلانه بمحو اسرائيل من الخارطة السياسية ما هو الا من باب التصنع ، هذا اذا علمنا ان المجتمع الايراني في الوقت الراهن وحسب اخر الاحصائيات يضم 10 ملايين فقيرومن ساكني حواف المدن الكبرى و 4 مليون عاطل عن العمل و 2 مليون مدمن على المخدرات و10 ملايين يتعاطون حبوب مضادة للكآبة . لمزيد من الاطلاع راجع مقالة( جامعه سیاسی بحرانیِ ایران و آیندۀ آن)
لقد بدات ايران ثورتها الوطنية الديمقراطية منذ ما يقارب اكثر من مئة عام الا انها و لهذه اللحظة لم تتمكن من تحقيقها، ترى هل سوف تتوفر الظروف لتضافر تلك العوامل الاربعة لنجاح التغيير في ايران ام لا ؟ التجارب التاريخية تجيب بالايجاب و لكنها لا تجيب متى وكيف !!
محاضرة القيت من غرفة البالتاك

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !