في أوج الحراك الإجتماعي الهادر الذي تعرفه عدد من الدول " العربية "، يدور كثير من الكلام حول دور الصحوة الإسلامية في توجيه هذه الثورات و التأثير عليها. بل إن الكثيرين من الدعاة و الفقهاء المسلمين ركبوا معمعان الحركة الثورية، وأصبحوا بين عشية و ضحاها ثوارا برتبة تشي غيفارا.
لقد ظلت مشاريع الإسلام السياسي حاضرة باستمرار في مختلف الدول " العربية " سواء في الظل بسبب المنع و المصادرة، أو في العلن كما حدث في بعض البلدان التي سمحت بتأسيس أحزاب سياسية تحسب على المرجعية الإسلامية. و في ظل الفشل الذريع الذي رافق التجارب السياسية المختلفة في العالم العربي، كان البديل الإسلامي يحضر باستمرار في النقاشات المتعلقة بالموضوع. و استنادا إلى الأدبيات الديموقراطية تعالت الأصوات المطالبة بضرورة السماح للحركات الإسلامية بالمشاركة السياسية و منحها الفرصة إذا أفرزتها اختيارات الشعوب في صناديق الإقتراع. لكن شعار " الإسلام هو الحل " الذي رفعه الإخوان المسلمون في مصر و رددته معه كل أطياف الإسلام السياسي في المنطقة العربية لم يجد طريقه إلى الأجرأة، وظل مجرد لافتة ترفعها الأيدي و تصدح بها حناجر المتظاهرين الموالين للحركات الإسلامية. و رغم هذا الوضع، فإن حضور هذه الحركات ظل وازنا في الساحة، وتجلى بالخصوص في العمل الخيري و تقديم الخدمات الإجتماعية، و هو ما ساهم بتنامي دورها و ارتباطها بالشارع.
هذا التلاحم بالشارع مكن الحركات الإسلامية من الإقتراب بشكل كبير من نبض المجتمع، وظلت تراقب الموقف عن كثب في انتظار اللحظة المناسبة. و يبدو أن هذه اللحظة قد حانت بحلول موسم الثورات. و استطاع " الإسلاميون " أن يجيدوا لعبة ركوب موجة الإحتجاجات الشعبية بإتقان شديد. و ذلك ما بدا واضحا على الأقل في الدور الذي لعبه " الإخوان المسلمون " في الثورة المصرية و اعتصامات الشباب في ميدان التحرير...و رغم أن شباب الثورة في مصر رددوا شعارات تقول: " الشعب يريد دولة مدنية. "فإن البعض حاول أن يسرق الثورة وينسبها إلى تيار ديني محدد. و ذلك ما عبر عنه مرشد الثورة الإيرانية عندما اعتبر الثورتين التونسية و المصرية صحوة إسلامية. و الحال أنهما لم تكونا كذلك، لأن الشعوب أرادت الكرامة و اختارت التغيير بعيدا عن التخندقات المذهبية. حيث تحول المشهد المصري مثلا في ميدان التحرير إلى ساحة للإجماع على رفض الظلم و الطغيان و التطلع إلى غد أفضل و فجر جديد. و لا يمكن لهذا الغد أن يأتي إذا كان البديل المنتظر هو نموذج الإسلام السياسي. لذلك فإن الحديث عن نجاح الثورات العربية لن يكتمل إلا بالتأسيس الفعلي لمفهوم الدولة المدنية التي لا يصادر فيها حق أي أحد، ولا يكون للانتماء الديني أو المذهبي أي تأثير. ومن تم فإن الديموقراطية هي البديل الحقيقي الذي من شأنه أن يقطع الطريق على كل من يحاول حكم الشعوب بمنطق ولاية الفقيه. و طبعا لا يمكن الحديث عن الديموقراطية إلا في ظل دولة مدنية.
و لأن الديموقراطية تقتضي الحفاظ على حرية الجميع في الإختيار و التعبير عن الرأي و المشاركة السياسية، فإن الضمانة الرئيسية لعدم الإنزلاق إلى النموذج الطالباني في المنطقة تتجلى في التأسيس الدستوري للديموقراطية المدنية التي تنشدها الشعوب. و حينها يمكن أن تخف حدة التخوف من سطوة الإسلام السياسي، لأن ذلك يعني التزام جميع الأطياف السياسية بالثوابت العلمانية تماما كما هو الشأن في النموذج التركي... محمد مغوتي.04/03/2011.
التعليقات (0)