الحرب على العراق كانت من أجل القضاء على " يأجوج ومأجوج".
صدر في فرنسا مؤخرا كتاب جديد للصحفي الفرنسي " جون كلود موريس " تحت عنوان : ( لو كررت ذلك ، فلن أصدقه). ويتوقف المؤلف عند مجموعة من كواليس الشأن السياسي في بلاده والعالم ، عندما كان يشغل مهمة رئيس تحرير في صحيفة " لوجورنال دو ديمانش " الفرنسية في الفترة بين 1999 و 2005. وقد توقف الكاتب عند لحظات مهمة في مسار الحرب على العراق عندما كان الرئيس الأمريكي السابق " جورج بوش " يشحذ الهمم لشن الحرب المذكورة سنة 2003. وينقل المؤلف تفاصيل مهمة عن المكالمات الهاتفية التي كان يجريها بوش الابن مع الرئيس الفرنسي السابق " جاك شيراك ". والمثير في الأمر أن الحاح الرئيس الأمريكي على شنه تلك الحرب لم يكن لا بسبب أسلحة الدمار الشامل ولا من أجل نشر الديموقراطية و الاطاحة بالنظام الديكتاتوري في العراق، بل بسبب قد لا يصدقه عاقل.
يِؤكد صاحب الكتاب أن جورج بوش قاد تلك الحرب على العراقيين من منطلقات دينية صرفة، فالرجل مهووس بالخرافات الدينية القديمة. وقد ظهر تأثير تلك المعتقدات الخرافية على طبيعة قاموسه في الخطابات السياسية، حيث كان يستعمل بكثرة مفاهيم من قبيل : محور الشر و شعب الله المختار و الهرمجدون... وهي مفاهيم توراتية، استند اليها الرئيس الأمريكي مقدما نفسه للأمريكيين بأنه مخلص العالم من الأشرار. وبناء على هذه القناعة تصرف جورج بوش في خوضه حربه (المقدسة ) على العراق. وفي هذا المقام كشف مؤلف الكتاب عن تسجيل صوتي لحوار جمعه مع الرئيس شيراك قال فيه هذا الأخير : ( تلقيت من الرئيس بوش مكالمة هاتفية في مطلع عام 2003 ، فوجئت فيها بالرئيس بوش وهو يطلب مني الموافقة على ضم الجيش الفرنسي للقوات المتحالفة ضد العراق، مبررا ذلك بتدمير آخر أوكار "يأجوج ومأجوج" ، مدعيا إنهما مختبئان الآن في الشرق الأوسط، قرب مدينة بابل القديمة، وأصر على الاشتراك معه في حملته الحربية، التي وصفها بالحملة الإيمانية المباركة، ومؤازرته في تنفيذ هذا الواجب الإلهي المقدس، الذي أكدت عليه نبوءات التوراة والإنجيل). وأضاف شيراك في ذات الحوار أن نه بعد مضي أسابيع على المكالمة الأولى فاجأه بوش بمكالمة جديدة يقول فيها بكل جدية : ((أنه تلقى وحيا من السماء لإعلان الحرب على العراق، لأن يأجوج ومأجوج انبعثا من جديد في العراق، وهو في طريقه إلى مطاردتهما، لأنهما ينويان تدمير الغرب المسيحي)). وهكذا شن بوش حربه على العراق من أجل القضاء على " يأجوج ومأجوج " وليس من أجل أي سبب آخر. والواقع أن هذا الخبر بقدر ما يصيبنا بالدهشة والصدمة، يعبر ( اذا كان صحيحا طبعا ) ( والعهدة على الراوي) عن دور اللوبيات المتطرفة في توجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية. ومن المعروف أن جورج بوش كان مؤمنا بالتعاليم التوراتية التي تتحدث عن ال "هرمجدون "، وهو مفهوم تردد كثيرا على لسان الرئيس الأمريكي في عدة مناسبات. والكلمة عبرية مركبة من :" هر" أو (هار) و تعني جبل. و " مجدون " وهو اسم واد في فلسطين. وأصبحت الكلمة تشير الى عقيدة فكرية شاذة تؤمن بها الكنيسة الانجليكانية. وتسوق لنهاية العالم. وبهذا الصدد تقول الكاتبة الأمريكية "جريس هالسل" في كتابها (النبوءة والسياسة) :(ان النبوءات التوراتية تحولت في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مصدر يستمد منه عشرات الملايين من الناس نسق معتقداتهم ومن بينهم أناس يرشحون أنفسهم لانتخابات الرئاسة الأمريكية وكلهم يعتقدون قرب نهاية العالم ووقوع معركة هرمجدون، ولهذا فهم يشجعون التسلح النووي ويستعجلون وقوع هذه المعركة باعتبار ان ذلك سيقرب مجيء المسيح). ويذكر البروفسور " توماس رومر " من جامعة لوزان في سياق متصل أن" يأجوج ومأجوج " ورد ذكرهما في سفر " التكوين" من (الكتاب المقدس) حيث جاء فيه " ان يأجوج ومأجوج سيقودان جيوشا جرارة لتدمير اسرائيل ومحوها من الوجود، وعندها ستهب قوة عظمى لحماية اليهود في حرب يريدها الرب، وتقضي على يأجوج ومأجوج وجيشهما، ليبدأ العالم بعدها حياة جديدة. ". وهكذا يبدو أن مفهوم " الحرب الاستباقية " أو الوقائية التي أضيفت الى الرصيد العسكري الأمريكي في عهد جورج بوش الابن كانت استباقية لأية ضربة قد تتعرض لها اسرائيل استعدادا لل " هرمجدون "..
انه أمر لا يصدق حقا أن يحكم أقوى دولة في العالم رجل موغل في الكهنوت والمعتقدات الخيالية في الوقت الذي أصبح فيه العلم سيد الموقف. وانه لجنون حقيقي أن يقود مثل هذا الوهم العالم الى الدمار من أجل معتقدات كهذه. ولابد أن التاريخ سيفصح يوما عن حقائق مثيرة بهذا الشأن.
محمد مغوتي 06/04/2010.
التعليقات (0)