الحرب بوصفها رواية .. رواية بوصفها حرباً
بقلم
شريف هزاع شريف
الرواية هي احد اهم اشكال الادب الانساني كانت سابقا ملحمة كلكامش او الياذة هوميروس او انيادة فرجيل وحتى مسخ الكائنات لاوفيد الذي يعتبر اهم انجاز روائي ؛ وحسب تجذيرها الفلسفي اذا جاز التعبير ؛ هي عملية تفاعل بين علاقتي الزمان والمكان اللذان يشكلان حدثا وهو عنصرها الاساس ، وليس كما يعتقد عبد الملك مرتاض واهما ،ان للرواية الف وجه !!! ، لانها في حقيقتها احد اشكال القصة و شكل من اشكال ادراكنا للعالم والوجود الانساني كما عند ميشيل بوتور المختص بالرواية الحديثة ، و الزمان المكان اللذان يشكلان حدثا هما عند كانط ([1]) ، معطى تخيلي للادراك ، او حسب ما اطلق عليه معرفة قبلية ، بدونهما لا تتم المعرفة الانسانية اذا كان بوتور على حق حين اعتبر الرواية شكلا من اشكال الادراك البشري ، لان الذي يجعل من الرواية جنسا ادبيا خاصا ، هي مقدرتها على التنقل عبر سلك الزمان والمكان اللذان يشكلان حدثا داخلها.
ان رواية الحرب هي في حقيقتها رواية انسانية لها ابعاد وجودية كبيرة انها فلسفة للبقاء حيا او فلسفة للموت كتبت بشكل فلسفي سهل ممتنع ، انها داروينية من نوع اخرى يكون البقاء فيها لمن يملك بعدا انسانيا حقيقيا كذلك الموت يكون بعدا وجوديا وليس انسحابا من الحياة ، بل بعدا للحياة التي يجب ان تستمر ، ليس بعدا همجيا او حيوانيا يكون البقاء فيها للاصلح او للاقوى كما في الداروينية القديمة ، الرواية وان كانت تؤرخ للحرب فهي لاتملك منطق الحرب نفسه الذي يكون البقاء فيه للاقوى او للاصلح كما عند داروين الذي اعتبر الحياة اشبه بغابة يكون فيه الصراع مستمرا والبقاء فيه للاصلح وللاقوى.
في الرواية تلك يكون القتال عنصرا اساس فيها، فالحرب حدث تم تصنيعه سياسيا ،بينما الروية تقف بين التلقي والصناعة الكاتب او النص الذي تم تشكيله بشل معماري فريد ، والمقاتل يحارب في الواقع او داخل الرواية بغض النظر عن البعد السياسية الذي يؤمن به القادة او اصحاب القرار، ويكون المقاتل جنديا او مقاوما ، وهو محور الرواية او حدثها ، اذن نحن امام مقاتل او معركة او حرب صنعت حدثا ما! ، وان كان لم ننجز بعد رواية حرب يكون العدو فيها امريكي او يانكي كما يقولون الكوبيون الذين يعتبرون الامريكي شخصا استعماريا او قاتلا ماجورا ، بينما انجز في امريكا حتما رواية يكون فيها الجندي الامريكي بطلا ضد الارهاب او ضد العراقي او العربي بشكل عام؟! .
وقد كتبت صحيفة الزمان قبل اشهر قليلة عن رواية الكاتب العراقي شاكر الانباري (بلاد سعيدة) التي صدرت في سورية ، واحدة من الكتابات التي جعلت من الحرب الأمريكية علي العراق، وذيولها وما تولد عنها من عنف وقتل وتهجير.
وقالت الزمان الرواية تلبست لبوس الحرب والغبار والموت من أول صفحة حتي آخر صفحة، وجاءت طريقة كتابتها لاهثة وخاطفة وسريعة، بجملها القصيرة، المتلاحق، وكأن الرواية نفسها تركض مذعورة تحت القصف والتفجير والدخان الأسود
واذا كان لابد ان نكتب رواية حرب من جديدة فأننا لابد ان ننطلق من ارض جديدة تكون فيها الرواية القديمة او الانموذج الكلاسيكي وراء ظهورنا ، يجب ان نتناول سبب الحرب والذي يقف ورائها وليس الحرب بوصفها كحدث لانها لن تعدو حدثا ثانويا وليس رئيسيا داخل الروية ، وان البعد الانساني والفردي يكون حاضرا او رئيسا ، فالنموذج الكلاسيكي يتخذ من حدث الحرب مكونا كما انه يتخذ من القتال عنصرا اساسيا ، فالبعد السياسي الذي كان غائبا يجب ان يكون حاضرا في روايتنا الجديدة ، لان كتابة التاريخ يجب ان تكون فوكوية ([2]) في رواية الحرب او اي رواية اخرى ؛ فحين نأخذ من الهوامش مكونا رئيسا لوقائع وحودث ماتم السكوت عنه سنقول الكثير تم تجاهله في تاريخنا وليس ما ينقله المذياع والتلفاز كل يوم .
الرجل هو اهم العناصر الاساسية في رواية الحرب ، لانه يكون في الخطوط المتقدمة ، اما المرأة فتكون عنصرا جماليا تكميليا او هامشيا غير رئيسيا في ادب الحرب ، انها في الخطوط الخلفية دوما وهي ذات ابعاد اخرى غير بعد الحرب ، لكنها عنصرا اساسية في كل رواية .
ان الروية الحرب تقدم لنا في حقيقتها معرفة الاخر ليس بوصفه عدوا فحسب بل بوصفه وجودا يهدد وجودا اخر ،ومعرفة الاخر جزء لايتجزء من معرفة الحقيقة ،هي لغة العصر الحديث او لغة العالم المعاصر ، انها لغة العولمة الانسانية لا العولمة الامريكية التي تقصي الاخر جانبا ؟ فمعرفة الجندي الامريكي واحلامه ومشروعه الوجودي والفكري والحربي ، جزء لا يتجزء من روايتنا المقبلة او الجديدة التي يمكننا كتابتها بشكل اكثر انسانية ويمكن انجازها لكن بشكل حديث ، لان (المعرفة قوة) كما يقول ادوارد سعيد ومعرفة الامريكي كجندي داخل العراق هو احد المشاريع الروائية التي يجب ان تنجز في عصر الاحتلال او العصر الامريكي والديمقراطي ؟!!! وخارطة امريكا الكبرى في بلدنا الجريح ، يجب ان نكتب الرواية بوصفها حربا او الحرب التي نخوضها بوصفها رواية !؟
التعليقات (0)