لم تمضِ أيام قليلة على الاتفاق الجيو-سياسي بين الشيطانَين الأميركي والإيراني حتى بدأ الحديث عن بوادر حل وتسوية للملف السوري؛ وبالفعل شهد العالم تحركات دبلوماسية غير مسبوقة لتحريك هذا الملف الذي حرّك معه تلقائيًا الملف اللبناني عملاً بلازمة "وحدة المسار والمصير" التي يبدو أنها لا تزال تلاحق لبنان بلعنتها، فها هي نواة المؤتمر التأسيسي قد التأمَت باجتماعات تحضيرية مستمرة بعد أن استعمل الحزب الإرهابي عصا حراكه المموَّه شعبيًا لسَوق معظم أفرقاء 14آذار كالحمار الى طاولة الحوار واضعًا أمامها جزرة رئاسة الجمهورية الموهومة!
كثرت التساؤلات والتحليلات عن بنود ومعالم الحل أو التسوية التي طُبخَت لسوريا الى أن أتى النصف الثاني من شهر أيلول المنصرم حاملا معه عنوان التسوية الدولية وبنودها وآلية تنفيذها وهي ثلاث نقاط يمكن اختصارها بعبارة واحدة: "بشار الأسد أو لا أحد"! فمع انتصاف الشهر التاسع بدأت الدول الأوروبية وأميركا وتركيا تتراجع عن تشددها اللفظي حيال مستقبل "بشار الأسد" وبعد أن كان بقاء الإرهابي-الكيماوي-البرميلي من المحرمات وتنحيتُه شرطًا في أي تسوية بات وجوده مقبولاً في حكومة "وحدة وطنية" لتمرير تلك المرحلة، فـ"على الأسد أن يرحل لكن التوقيت يتقرّر من خلال التفاوض" كما قال "كيري"!
ومع انتصاف أيلول أيضًا انتشرت تقارير عسكرية عن إقامة روسيا جسرًا جويًا مع الساحل السوري العلوي حيث قاعدتها العسكرية ناقلة ترسانة عسكرية كاملة مع مستلزماتها من ذخيرة ومُؤن ومحروقات فضلا عن إقامتها مساكن وتحصينات وبنائها مدارج طائرات... كل ذلك بالتنسيق العسكري والعلني مع أميركا وإسرائيل التي زار رئيس حكومتها "نتياهو" موسكو خصيصًا لهذا الغرض أي لبحث إجراءات إطلاق الخرطوشة الأخيرة الرامية لإنقاذ العميل المخلص "بشار الأسد" بعد أن استغاث في خطابه الشهير مقرًا بأن جيشه أُنهِك. أقرَّ الروس بنقل ترسانتهم العسكرية الى طرطوس واللاذقية وأن تحرّكهم أتى استجابة لطلب "الأسد" و"مساندة له في محاربة داعش"، غير أن الغارات الروسية لم تستهدف سوى المدنيين في المناطق المحررة وتجمعات لبقايا الجيش السوري الحر ومثيلاته من الفصائل المعتدلة المعارضة للأسد الأمر الذي برَّره الروس بإعلانهم أن كل الفصائل المسلحة التي تقاتل النظام في سوريا "إرهاب" واقع في دائرة أهدافهم... وقد تلى ذلك معلومات عن وصول جنود إيرانين بعدتهم وعتادهم مدعومين بمقاتلين من الحزب الإرهابي في لبنان والميليشيات الشيعية العراقية للاشتراك في هجوم بري وشيك على المعارضة السورية السنيّة بغطاء جوي من الجيش الروسي.
دخول روسيا الحرب السورية من بابها العريض بالتنسيق العسكري مع أميركا وإسرائيل وإيران لم يُبقِ أية صدقية للسجالات الكلامية المسرحية التي دارت بين زعماء الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشأن السوري، وحوّلها الى دورة التضامن العالمي مع الإرهابي "بشار الأسد" وإعلان الحرب العالمية على الشعب السوري الثائر لحريته وكرامته، ومشهد توزيع الأدوار أكثر من واضح:
الدور الأول الذي تلعبه أميركا متزعّمة تحالفًا دوليًا يضم أكثر من 60 دولة تحت شعار ضرب داعش دون مساس بالأسد يرعى عمليًا ذلك التنظيم الذي هو حقيقة وليدتها وتتشارك أبوّته مع الأسد وإيران وهو منذ إعلان الحرب المزعومة عليه لم يزدد إلا قوة وتوسعًا ونشاطًا في مهمته المختصرة بتشويه الإسلام والقضاء على الجيش الحر والفصائل المعتدلة والاستيلاء على مناطقها المحررة وتسلُّم المناطق التي لم يعد بإمكان جيش الأسد السيطرة عليها منعًا لوقوعها بأيدي الثوار وذلك نظرًا لحاجة النظام الى نقل جنوده الى جبهات أكثر أهمية تشكِّل تهديدًا وجوديًا لبقائه.
والدور الثاني تلعبه روسيا بالتعاون والتنسيق مع أميركا نفسها وإسرائيل وإيران وميليشياتها الشيعية الحاقدة في لبنان والعراق يقاتل المعارضة المسلحة المعتدلة دون مساس حقيقي بـ"داعش" شمّاعة كل الجيوش الغازية للأراضي السورية... لتكون النتيجة النهائية أن كلا الفريقَين المختلفَين كلاميًا إنما يخدم العميل الأممي بمرتبة الامتياز والشرف والمتأصل أبًا عن جد "بشار حافظ سليمان الأسد" في تخليصه من شعبه الثائر والصامد ومن ثوار المعارضة المسلحة التي تفيد الوقائع بأن قرار إنهائها تمّ أخذه، إنهاء المعارضة المعتدلة أولاً ثم إنهاء "داعش" بعدها لإخلاء الساحة أمام الأسد للتفاوض مع معارضة الخارج السياسية مجرَّدة من أي قوة عسكرية على الأرض بما يرجّح كفّة العميل الأسدي ويفرض تسوية تجهض الثورة وتضمن لكل اللاعبين دورًا يناسبهم كلٌّ حسب منسوب إراقته للدم السوري، وإلا في حال جرت رياح الثورة بما لا تشتهي سفن الغزاة العالميين فالدولة العلوية باتت مرسّمة الحدود والجيش الروسي منتشر على كامل أراضيها المطهرة طائفيًا.
التعليقات (0)