مواضيع اليوم

الحرب الباردة الثانية الثلاثية الأقطاب

عبدالكريم صالح

2011-05-15 19:47:01

0

الحرب الباردة "Cold War " مصطلح أطلق لوصف حالة الصراع والتنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي حيث ظهرت الندية بين القوتين من خلال تطوير الأسلحة والدعاية والتقدم الصناعي وتطوير التكنلوجيا والسباق الفضائي وهي بطبيعة الحال لم تكن حرب تقليدية أو حرب معلنة ،وقد استخدم هذا المصطلح لأول مرة من قبل الملك الاسباني "خوان ايمانويل " في القرن الرابع عشر ومن ثم استخدم من قبل الأمريكي "برنارد باروش Benard Baruch " في بداية عام 1947م، ثم أصبح شائعاَ حين استخدمه الصحفي "ولترليبمانWalter Lippmann " في مقالاته.


أن الحرب الباردة تعني الصراع الأيدلوجي بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي "السابق"وقد استخدمت في هذه الحرب كل وسائل الصراع والضغط باستثناء الأسلحة،ويعود ظهور هذا الصراع الى انتصار الثورة البلشيفية"Bolshevik Revolution" في روسيا عام 1917م وقد هدأ هذا الصراع للفترة من "1942م-1945م" فترة الحرب العالمية الثانية ليعود هذا الصراع عنيفاَ بعد تفجير أول قنبلة ذرية في صحراء "نيومكسيكوNew Mexico " الامريكية في 16 يوليو/تموز 1945م وضرب قنبلتي هيروشيما "Hiroshima" ونكازاكي"Nagasaki" الذريتان على اليابان في 6و9 أغسطس/آب 1945م من هنا نستطيع أن نقول أن الحرب الباردة الأولى قد بدأت عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945م .


أدت العديد من الأحداث إلى نمو الشك وعدم الثقة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى مثل: التحدى البلشيفي للرأسمالية – من خلال عمليات إسقاط عنيفة للنظم الرأسمالية واستبدالها بنظم شيوعية، وانسحاب روسيا من الحرب العالمية الأولى عن طريق عقد معاهدة بريست ليتوفسك"Treaty of Brest-Litovsk" مع ألمانيا في 3 مارس 1918م، وتدخل الولايات المتحدة في روسيا لدعم الجيش الأبيض خلال الحرب الأهلية الروسية، ورفض الولايات المتحدة الاعتراف بالاتحاد السوفيتى حتى عام 1933م.


أحداث أخرى حدثت في الفترة ما بين الحربين أدت إلى تعميق مناخ عدم الثقة المتبادل مثل: معاهدة رابللو "Rapallo " Treaty ofوالاتفاق على عدم الاعتداء بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي.
صاحبت فترة الحرب الباردة عدة أزمات دولية مثل أزمة حصار برلين 1948م-1949م والحرب الكورية 1950م -1953م وأزمة برلين عام 1961م وحرب فيتنام 1959م -1975م والغزو السوفييتي لأفغانستان وخاصة أزمة الصواريخ الكوبية 1962م عندها شعر العالم أنه على حافة الانجراف إلى الحرب العالمية الثالثة. آخر أزمة حدثت خلال تدريبات قوات الناتو 1983م. شهدت الحرب الباردة أيضا ً فترات من التهدئة عندما كانت القوتين تسعيان نحو التهدئة. كما تم تجنب المواجهات العسكرية المباشرة لأن حدوثها كان سيؤدى إلى دمار محتم لكلا الفريقين بسبب الأسلحة النووية.


في تشرين الثاني/نوفمبر1982م توفي ليونيد بريجينيفLeonid Llyich Brezhnev" " بعد أن ظل أميناً عاماً للحزب طوال ثماني عشرة سنة، وجاء بعده خليفتان لم يستمرا إلا فترة وجيزة قبل أن يستلم المنصب في عام 1985م رجل في الرابعة والخمسين كان أصغر أعضاء المكتب السياسي، ألا وهو ميخائيل غورباتشوفMikhail Gorbachev" "، كانت خبرة السيد ميخائيل غورباتشوف Mikhail Gorbachev" " السياسية كلها تقريباً في حقبة ما بعد جوزيف ستالين""Joseph Stalin ، ومازال تأثيره على بلاده وعلى تاريخ العالم بحاجة لتقييم صحيح، وكانت دوافعه الشخصية وتفاعل القوى التي دفعته إلى الخلافة،إلا أنه كان بلا ريب تأثيراً هائلاً. وسرعان مابينت أعماله وخطاباته مقاربة جديدة للأمور.


وقد اعتبر نهجه في الغرب نهجاً تحررياً، إذ لم تكن مصطلحات تعبر عن الكلمتين اللتين طالما استخدمهما وهما "الغلاسنوست -الانفتاح-"Glasnost و"البيريسترويكا -إعادة الهيكلة-"Perestroika ، وسوف يؤدي هذا إلى نتائج عميقة.


اقتربت الحرب الباردة من نهايتها في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات. بوصول الرئيس الأمريكي رونالد ريغان إلى السلطة ومضاعفة الولايات المتحدة ضغوطها السياسية والعسكرية والاقتصادية على الاتحاد السوفيتى وفوق كل هذا كانت الحكومات الأمريكية تعد مواطنيها بمشروع جديد من الإجراءات الدفاعية في الفضاء الخارجي هو أشبه مايكون بالعجائب، ورغم أن آلاف العلماء قالوا أنه غير واقعي فإن الحكومة السوفييتية لم تكن قادرة على مواجهة التكاليف المترتبة على منافسة مشروع كهذا، لقد بات الاتحاد السوفييتي بحاجة للتحديث من جديد، وسوف تترتب على ذلك نتائج هائلة.


وسرعان ما ظهر النهج الجديد لميخائيل غورباتشوف Mikhail Gorbachev" " في لقاءاته مع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان التي كان أهمها في أيسلندا في عام 1986م، فتجدد النقاش حول تخفيض الأسلحة كما تم التوصل إلى اتفاقيات حول مواضيع أخرى، خاصة موضوع انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان حيث كانت غائصة في مستنقع من حرب العصابات، وقد غادرتها عام 1989م.


أما الولايات المتحدة فكانت تعاني من عجز هائل في الميزانية واقتصاد واهن، ولكن هذه الأزمات غابت عن الأنظار في خضم البهجة العارمة الناتجة عن التبدلات المتسارعة في المشهد الدولي.
وكبر التفاؤل لدى الغرب مع ظهور علامات الانقسام المتزايد ضمن الاتحاد السوفييتي وصعوبة إصلاحه لشؤونه، لقد عجز رونالد ريغان عن إقناع مواطنيه بأهمية التركيز على مصالح الولايات المتحدة في أمريكا الوسطى، ولكنه كان على درجة عالية من الشعبية عندما أنهى رئاسته، ولم يتضح للأمريكيين إلا بعد أن ترك منصبه أن هذا العقد قد سبب لهم تراجعاً في دخولهم، والحقيقة أن سياسة ريغان لم تسمح إلا للأغنياء أن يزدادوا غنى.


في عام 1987م أعطت المفاوضات حول الحد من الأسلحة ثمارها في اتفاقية حول الصواريخ المتوسطة المدى، والتي سوف تتلوها اتفاقيات أخرى، وكان التوازن النووي قد صمد بالرغم من الصدمات الكثيرة التي مر بها ومن ظهور بؤر جديدة من القوة النووية، وقد بينت القوتان العظميان أنهما قادرتان على تدبير صراعاتهما وأزمات العالم من دون حرب شاملة، ويبدو أنهما كانتا تدركان أن الحرب النووية إن حدثت فإنها تحمل خطر فناء البشرية كلها وهكذا اتفق الطرفان في عام 1991 م على تخفيض جديد وكبير جداً في مخزون الأسلحة الموجودة.


أما الحرب الباردة الثانية التي بدأت تتشكل معالمها بوضوح عندما دعت روسيا والصين الى عقد مؤتمر قمة في منتصف شهر أغسطس/آب 2005م لإنشاء نادي لأمن دول آسيا الوسطى ليقاوم تغلغل النفوذ الأمريكي في المنطقة ومن المهم ذكره أن العمود الفقري لهذا النادي الأمني هو منظمة شنغهاي للتعاون الدولي"Shanghai cooperation organization-SCO" التي ترعرعت في السنوات الأخيرة وتضم هذه المنظمة عملاقين هما روسيا والصين بالإضافة الى الدول الغنية بالنفط في آسيا الوسطى وهي قرغيزستانKyrgyzstan وازبكستان Uzbekistanو كازاخستان Kazakhstanو طاجكستان Tajikistan وجهت الدعوة الى تركمانستانTurkmenistan و قبل "جيربنجولي بيردي محمدوفGurbanguly Berdimuhamedow " رئيس جمهورية تركمانستان الدعوة لحضور هذه القمة مما اغاظ الأمريكيون لأنها تعني تحسن العلاقات مع روسيا خاصة في مجال الطاقة وقلب سياسة تركمانستان للتباعد عن روسيا رأساَ على عقب ونشير الى ان روسيا فازت في شهر مايو/ايار 2007م بعقد لبناء خط أنابيب حديد كي تستورد المزيد من الغاز التركمنستاني لتشدد بذلك قبضتها على تصدير الغاز الى أوربا وبفوزها بهذا العقد تغلبت روسيا على خطة أمريكية لتصدير الغاز التركمنستاني دون المرور بأراضي روسيا ، وقد طار المشاركون في مؤتمر قمة أغسطس /آب الى جبال الاورال ليشاهدوا أول مناورات عسكرية مشتركة بين روسيا والصين تجري على الأراضي الروسية.


لقد طلبت منظمة شنغهاي للتعاون الدولي "Shanghai cooperation organization-SCO" الى وضع جدول زمني لأنهاء أي وجود عسكري أمريكي في أسيا الوسطى وان مثل هذا الطلب يعكس مدى حدة الصراع المتنامي بين الصين وأمريكا . ففي هذه القمة، تجاوز الإعلان السياسي الصادر عنها، السقف التقليدي الذي كان يركز على التعاون الاقتصادي والأمني، الى الحديث عن سعي المنظمة لإقامة نظام دولي متعدد الأقطاب، بدلاَ عن النظام الأحادي الذي يحاول الأميركيون والأطلسيون فرضه على العالم. والأهم من ذلك، المناورات العسكرية التي تلت القمة وحضرها القادة المشاركون، حيث شكلت تلك المناورات رسالة الى الأميركيين، بأنهم لا يحتكرون التكنولوجيا العسكرية الحديثة، وأن منظمة شنغهاي وحلفائها يملكون ما يوازيها على رغم ذلك، يبدو أنّ الروس والصينيين من جهة، والأميركيين والأطلسيين من جهة أخرى، يحرصون على وضع هذه التحديات والضغوط المتبادلة في إطار التنافس. ويتجنّبون الحديث عن عودة الى الحرب الباردة، وبناء على قرار منظمة شنغهاي للتعاون الدولي تم طرد القواعد الامريكية من اوزبكستان " وجاء قرار قمة شنغهاي بعد أيام من أحداث أوزبكستان والتي على أثرها أصدر الرئيس الأوزبيكي إسلام كريموف""Islam Karimov قراره بطرد القاعدة العسكرية الأميركية من (خان أباد )، وحدد مهلة ثلاثة اشهر فقط لتنفيذ القرار، وذلك بعد أن كان كريموف الحليف الرئيسي لواشنطن في وسط آسيا لكنها انقلبت عليه وأيدت حركة تمرد المعارضة الأوزبكية ضده وكانت هذه القاعدة هي النقطة الرئيسية وربما الوحيدة لانطلاق العمليات الجوية الأميركية في أفغانستان وحاولت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايسCondoleezza Rice" " إقناع أوزبكستان بالعدول عن قرارها لكنها فشلت وغادرت القاعدة الأميركية الأراضي الأوزبكية في الموعد المحدد، والآن تسعى قرغزيا أيضا لطرد القاعدة الأميركية الموجودة على أراضيها، حيث طالب الرئيس القرغيزي"السابق" كرمان باكييف Kurmanbek Bakiyev واشنطن بمضاعفة إيجار القاعدة عشرة مرات واستبدال اتفاق الإيجار الرمزي السابق باتفاق محدد المدة وغير قابل للتجديد إلا بموافقة قرغزيا"،. وقد كررت كوندوليزا رايس"Condoleezza Rice" " وزيرة الخارجية الأميركية "متذاكية"، وكأنها تراهن على "سذاجة" القادة الروس، بأن ما قام به الأميركيون لا يستهدفهم،وأكدت مراراً أن لا حرب باردة جديدة في الأفق. أما سيرجي لافروف"Sergey Lavrov" وزير خارجية روسيا فقد حاول التخفيف من حدة تصريحات بوتين، بنفي رغبة الروس في العودة الى المجابهة مع الغرب، ووضع ردة فعلهم في سياق الرد الطبيعي على ما يتعرضون له من ضغوط وتطويق استراتيجي.


وقد حضرت هذه القمة بالإضافة الى الهند وباكستان ومنغوليا وإيران بصفقة مراقبين وطلبت أمريكا الحضور كمراقب بالمثل فرفض هذا الطلب من قبل الصين ،والحقيقة الموضوعية لكل المحاولات الامريكية لمنع ظهور منافسين أقوياء يبدوا أنها بدأت تضعف مع تنامي القوة للتحالف الصيني – الروسي ويتناول" كارل هوشوفرKarl Haushofer "موضوع أعادة بناء اوراسيا بواسطة تحالف من اجل افشال سياسة الأناكوندا ""Anaconda- وهي أفعى ضخمة من فصيلة البوا - أي القوة البحرية التي تقتل ضحاياها.


فخلال العامين 2006 و2007، صدرت سلسلة تصريحات للرئيس الروسي" فلاديمير بوتينVladimir Putin" ، ولوزير خارجيته سيرجي لافروف"Sergey Lavrov" ، تنتقد بحدة النهج الأميركي، والسياسة الإمبريالية التي تعتمدها إدارة جورج بوش الابن. واعتماد هذه الإدارة أكثر فأكثر على التلويح بالقوة، واستخدامها، لفرض إرادتها على الآخرين. ثم بدأت القرارات والمبادرات العملية الروسية، والصينية بدرجة أقل، للرد على التحدي الأميركي والأطلسي. فاتخذت الحكومة الروسية قرار الانسحاب من اتفاقية خفض القوات التقليدية في أوروبا، التي لم يحترمها الغربيون. ثم باشر الروس تطوير منظوماتهم الصاروخية العابرة للقارات، ومنظوماتهم المضادة للصواريخ.


و دشن الرئيس الروسي منشأة رادار خاص بالدفاع ضد الصواريخ العابرة للقارات في غرب روسيا، مشابهة لتلك التي ينوي الأميركيون بناءها في شرق أوروبا. وزادوا مبيعاتهم من السلاح لحلفائهم الحاليين، وبعض حلفاء الاتحاد السوفيتي السابق، وخاصة للصين والهند وإيران وفنزويلا وسوريا.... لموازنة زيادة المبيعات الأميركية والغربية لحلفائهم. وأعلن بوتين خلال المعرض الجوي الذي أقيم في قاعدة زوكوفسكي، تصميم روسيا على استعادة موقعها المتقدم السابق في ميدان صناعة الطيران المدني والعسكري.


ان نهوض روسيا في السنوات الأخيرة، والتقدم المذهل للصين، ونكسات سياسة التفرد والغطرسة الأميركية في الشرق الأوسط الكبير، غيّرت المعادلة الدولية الى حد ما. وستنضم مواقع أخرى لرفع التحدي بوجه تفرّد الأميركيين في المراحل المقبلة. وسيردّ هؤلاء، كما فعلوا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، بالإصرار على محاصرة أخصامهم ومنافسيهم، ما سيدخل العالم مجدداً في حرب باردة ثانية لكن هذه المرة ستكون مختلفة عن سابقتها بانها ستكون ثلاثية الأقطاب نتيجة دخول الصين طرفاََ جديداَ في هذه الحرب تبدو مؤكدة. فهناك استحالة لإقناع الإدارات الامريكية الجمهورية أو الديمقراطية، كما يتضح يوماً بعد يوم، باحترام مصالح الآخرين، والتخلي عن مشاريع الهيمنة. ولعل تصريحات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن والمتحدثين باسمه، التي ركزت على واجب إقناع الشعب الأميركي بتحمل كلف البقاء في العراق، بدل إقناعه بضرورات الانسحاب، تعطي فكرة عن نمط تفكير القادة الحاليين للولايات المتحدة. و لا تختلف سياسات الديموقراطيين في العمق، عن هذه التوجهات حيث أدارة الرئيس الحالي اوباما، لأن التناقض الموضوعي بين طبيعة المصالح الاستراتيجية للأميركيين، ووجهة تغير موازين القوى العالمية، سيدفع القيادة الأميركية أياً تكن، لتصعيد المواجهة مع قوى الاعتراض.
أن العديد من المراقبين والباحثين يعتقدون أن الحرب الباردة قد انطلقت شرارتها في عام 2005م فقد شدهم التعزيزات العسكرية الصينية الهائلة والكبيرة في عام 2010م والجميع متفق أن هذه الحرب هي قدر لامفر منه ،لذا ليس من الغريب أن نلاحظ سياسة الاحتواء على الخطاب الدبلوماسي الاسيوي تجاه الصين .


تحدثت السيدة "يوريكو كويكيYuriko Koike " وزيرة الدفاع اليابانية ومستشارة الأمن القومي سابقاً، وهي تشغل حالياً منصب رئيس المجلس التنفيذي للحزب الديمقراطي الليبرالي"في مقال لها نشر في "بروجيكت سنديكيت"قائلة : " وتُعَد الزيادة المذهلة في قدرة الصين العسكرية مصدراً آخر شديد الوضوح للمخاوف في آسيا. ولكن حتى وفقاً لأعلى التقديرات فإن الميزانية العسكرية الصينية لا تتجاوز الآن نظيرتها في اليابان، ولا شك أنها أقل كثيراً من الميزانيات العسكرية المشتركة لليابان والهند وروسيا، وهي البلدان التي تحيط بالصين ـ ناهيك عن إندونيسيا وكوريا الجنوبية وتايوان المحدثة عسكريا. فضلاً عن ذلك فإن كلاً من روسيا والهند تمتلك أسلحة نووية، واليابان تمتلك السبل التكنولوجية اللازمة لإعادة تكوين موقفها الدفاعي في التصدي لأي تهديد نووي إقليمي.
وعلى هذا فإن التحدي الذي تفرضه الصين اليوم يظل في معظمه سياسياً واقتصادياً، وليس عسكريا. والاختبار الحقيقي لنوايا الصين الحالية هو ما إذا كانت سوف تستغل اقتصادها المتنامي، وقدراتها العسكرية، للسعي إلى ترسيخ الهيمنة الآسيوية من خلال العمل على استبعاد أميركا من المنطقة ومنع الشراكات الإقليمية من الازدهار. والبديل لكل هذا هو أن تصبح الصين جزءاً من جهد جماعي يسعى إلى ربط آسيا إلى نظام تحكمه القواعد أشبه بذلك الذي عمل على دعم وتعزيز السلام الدائم في أوروبا.


وبهذا المعنى فإن صعود آسيا يشكل أيضاً اختباراً لقدرة الولايات المتحدة التنافسية والتزامها في آسيا. والواقع أن معارضة أميركا التاريخية للهيمنة في آسيا ـ والتي اشتمل عليها بيان شنغهاي في عام 1972 م بوصفها هدفاً مشتركاً مع الصين ـ تظل سارية. ولكنها لابد وأن تستمر في المقام الأول من خلال السبل السياسية والاقتصادية، وإن كان ذلك بدعم من قوة الولايات المتحدة.


قبل عام 2010م كانت أغلب البلدان الآسيوية لتفضل عدم الاضطرار إلى الاختيار بين الصين والولايات المتحدة. ولكن النزعة العدائية الصينية كانت بمثابة الحافز الهائل لتبني نظام تعددي آسيوي تدعمه الولايات المتحدة، بدلاً من قبول النظام القائم على الاستبعاد الذي تسعى الصين إلى قيادته. وفي عام 2011م قد نبدأ في معرفة ما إذا كانت تلك الحوافز قد تدفع حكام الصين إلى إعادة تقييم سلوكهم الدبلوماسي، الذي لم يترك لهم من أصدقاء جديرين بالثقة في آسيا غير السلة التي تتألف من قوتين فاسدتين اقتصادياً تتمثلان في بورما وكوريا الشمالية ".


هذا الحديث من مسؤول كبير في اليابان ينم عن شيء واحد مهمها اختلفت أنماطه هو بدء الحرب الباردة الثانية ولكن هذه المرة ليست بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا انما بين الصين وأمريكا وليس بالشكل الذي حدثت فيه تلك الحرب انما بشكل مختلف تماما كما سنرى في قادم الأيام .


فهل القلق الأسيوي والمساعي الأمريكية للوقوف بوجه هذه الحرب الباردة التي هي أصلا مشتعلة معها حيث التنافس العسكري على أشدة والميزان الاقتصادي يؤشر باتجاه الصين ذات الاقتصاد الضخم والمتنامي بسرعة فائقة ولعلك ترى الغزو الصيني لأسواق العالم والمليئة بشتى أنواع المنتجات الصينية فما يعرض القلق الأسيوي من الحرب الباردة الثانية هو ما قالته السيدة "يوريكو كويكي :Yuriko Koike" أما الصين اليوم فهي مختلفة تمام الاختلاف. إن الإمبريالية العسكرية الواضحة في الحالة السوفييتية، من الناحية التاريخية على الأقل، نادراً ما تمثل الطريقة الصينية. فكان" صن تزو"Sun Tzu ، القائد العسكري والمنظر الحربي والفيلسوف الصيني العظيم وصاحب كتاب "فن الحرب "The Art Of War، يركز على إضعاف الخصم سيكولوجياً وليس في ساحة المعركة. وحتى وقت قريب كان القدر الأعظم من مساعي الصين الرامية إلى فرض هيمنتها الإقليمية يعكس مفاهيم" صن تزو"Sun Tzu .لكن ماذا عن القلق الأمريكي من التنامي اللامتناهي للقوة العسكرية الصينية واقتصادها القوي والمتين".


كتب المحلل الأميركي من أصل يهودي المتخصص بالدراسات الروسية والروسية-الأوربية أرييل كوهين "Ariel Cohen" في صحيفة الواشنطن بوست يقول : "إن الحرب على الإرهاب والصراع على النفط أخرجا الولايات المتحدة من دائرة الشراكة الإستراتيجية مع الصين وروسيا، وزادا من التقارب بين موسكو وبكين اللتان تسعيان لإفشال كل المخططات الأميركية في آسيا، وقد نجحت موسكو في التقريب بين الصين والهند، ونجحتا روسيا والصين في طرد القواعد الأميركية من وسط آسيا كما نجحتا أيضا في أزمة النووي الكوري".


ويبدوا أن الحرب الباردة الثانية الثلاثية الأقطاب ستصل الى مستوى حرب ساخنة وان لم تكن حرباَ عسكرية ستبزع فيها شمس عهد جديد أكثر توازن للنظام العالمي يحترم فيه حق الشعوب في الحياة بالطريقة التي يرغبون فيها .

 


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !